خالد أبو شقرا
حلّ باللبنانيين مع "خطة الكهرباء"، ما حلّ بالذين "أخذو القرد على ماله، فراح المال وظل القرد على حاله". فالخطة التي تجرّعها اللبنانيون مرغمين أملاً بالإصلاح، ضيّعت الإصلاحات الرئيسية، وأبقت على أعلى تعرفة للكهرباء في العالم. وسيتّحتم على المشتركين تسديد تعرفة شهرية تفوق المعدل الوسطي العالمي لأسعار الكهرباء العامة بأكثر من الضعف، من دون إمكانية الاستغناء عن اشتراك المولدات الخاصة. الأمر الذي يرفع كلفة الكهرباء ككل، إلى ما يتجاوز ما يتقاضاه معظم اللبنانيين من رواتب وأجور.
في الواقع سيتحتم على 80 في المئة من اللبنانيين المشتركين في عدّاد 15 أمبير، تسديد ما يقرب 7.65 دولار على سعر صيرفة بلاس، سواء تأمنت الكهرباء أو لم تتأمن، يضاف إليها 8600 ليرة كحد أدنى لسعر الكيلوواط ساعة للشريحة التي تستهلك أقل من 100 كيلوواط. وذلك خلافا لسعر 2088 ليرة للكيلوواط الذي وعدت فيه "خطة الكهرباء" للوزير وليد فياض، وبحد أقصى مليون ليرة شهريا لأصحاب الاستهلاك الذي لا يزيد عن 158 كيلوواط.
عود على بدء
في آذار من العام 2022 أقرّ مجلس الوزراء خطة إصلاح قطاع الكهرباء، للوصول إلى كهرباء 24/24 في غضون ثلاثة أعوام. وقد تضمنت الخطة ثلاث مراحل. وما يعنينا في هذا التحقيق هو المرحلة الأولى المحددة بعام، والتي يفترض أن تكون انتهت في آذار الحالي. وقد نصت على التالي:
- تطوير القدرة الإنتاجية.
- استيراد الكهرباء من الأردن.
- استجرار الغاز المصري.
- تطوير قدرة النقل والتوزيع.
- زيادة التعرفة.
- إصلاح البنية التشريعية والتنظيمية للقطاع عبر القانون 462 الناظم للكهرباء.
- تحرير قطاع الكهرباء عبر إقرار تشريعات تتناغم مع القانون 462، وتسمح للشركات بإنتاج الكهرباء المتجدّدة، وتعيين هيئة ناظمة، وإعادة هيكلة مؤسسة كهرباء لبنان.
- تأمين ما بين 8 و10 ساعات من الكهرباء في أقل من سنة موزعة على الشكل التالي: 38 في المئة من القدرة الإنتاجية بواسطة الفيول، و35 في المئة بواسطة الغاز، و17 في المئة من الأردن، و1 في المئة من المعامل الكهرومائية والطاقة المتجدّدة. أما معدل الكلفة فسيبلغ 10 سنتات لكل كيلوواط لإنتاج كهرباء تكفي 9 ساعات.
- تخفيض نسب الهدر التي تبلغ نسبتها 57 في المئة تدريجياً خلال مراحل التنفيذ. وهي تتوزع على الشكل التالي: 18 في المئة خسائر تقنية، 27 في المئة خسائر ناتجة من سرقة التيار الكهربائي، 12 في المئة خسائر ناتجة عن امتناع الإدارات العامة واللاجئين في لبنان عن سداد فواتيرهم.
خطّة الطوارئ
خطّة آذار "الهدّارة" نسفتها "خطّة الطوارئ" التي أعقبتها بعد أقل من خمسة أشهر. فعلى وقع التهديد بغرق البلد في العتمة الشاملة نتيجة انتهاء صفقة النفط العراقي في تموز، واستحالة العودة إلى سلفات الخزينة لتمويل شراء الفيول، وفشل استجرار الكهرباء من الأردن والغاز من مصر... ولدت الخطة الطارئة. خطّة تقع في ثلاث صفحات، وتقتصر على 3 أمور أساسية:
- تأمين مبلغ 600 مليون دولار من مصرف لبنان على 5 أشهر لزيادة الإمدادات حتى 10 ساعات يومياً.
- تحديد متوسط التعرفة بـ 27 سنت للكيلوواط/ساعة بالدولار، واحتسابها على سعر منصة صيرفة، على أمل تحويل مصرف لبنان الليرات المجباة إلى دولارات، لتمويل شراء الفيول. وهذا ما لايزال غير مؤكد لغاية هذه اللحظة، بحسب المعلومات التي أدلى بها وزير الطاقة وليد فياض لقناة الجديد يوم أمس.
- تكفّل الدولة بشراء الفيول العرقي المقدرة قيمته بـ 460 مليون دولار سنوياً، وتسديدها 200 مليون دولار سنوياً بدل استهلاك مؤسساتها للكهرباء. وفي حال عدم إتمام الشرطين يرتفع سعر الكيلوواط/ ساعة إلى 37 سنتاً. وهذا البند الذي سيفاقم الأعباء على المشتركين يتم التعتيم عليه، على الرغم من عجز الدولة الواضح عن تسديد 660 مليون دولار.
إهدار جديد للسلفة؟
ما حصل أن "الكهرباء لم تحصل إلا على 63 مليون دولار فقط لشراء الفيول، قسماً منها (قد يصل إلى 3 ملايين دولار) سيذهب كغرامات تأخير تفريغ الفيول بسبب عدم فتح الاعتمادات في وقتها. الأمر الذي قلص ساعات التغذية إلى 4 ساعات"، تقول المحامية المتخصصة في شؤون الطاقة كرستينا أبي حيدر. فتحوّل الرهان إلى إمكانية جباية المبلغ المطلوب للاستمرار في شراء الفيول. "وإذا لم تتحقق الجباية، وبقية المقومات الموضوعة في خطة الطوارئ ومنها المؤازرة الأمنية والقضائية لرفع التعديات عن الشبكة، فنحن ذاهبون لإهدار السلفة حكماً، والعودة إلى العتمة الشاملة". وما يزيد من احتمال عدم تحقق شرط الجباية هو تراجع الاستهلاك بسبب اقتصار التغذية على أربع ساعات وبشكل متقطع. ارتفاع سعر الصرف على منصة صيرفة الذي يحتسب على أساسه الكيلوواط/ ساعة، من 27200 ليرة وقت إقرار الخطة إلى 73100، واشتراط مصرف لبنان إضافة 20 في المئة عليه. ما يعني أن سعر الكيلوواط في شطر الاستهلاك الذي يقل عن 100 كيلواواط سيبلغ 8772 ليرة، و23684 لشطر الاستهلاك الذي يتعدى 100 كيلوواط. يضاف اليها كلفة ثابتة على معظم المشتركين كبدل عدّاد وتأهيل بقيمة 7.65 دولار (671000 ألف ليرة، اليوم) سواء تأمنت الكهرباء أو لم تتأمن. تزايد الدعوات إلى عدم تسديد الفواتير، واتجاه عدد من المواطنين إلى تقديم طلبات إيقاف عداداتهم. التوسع بإنتاج الكهرباء من الطاقة الشمسية حيث تصل الكمية المنتجة من ألواح الطاقة إلى ما بين 800 وألف ميغاواط، تشكل 40 في المئة من الحاجة إلى الكهرباء.
لا إصلاحات
باختصار لم يتحقق من خطة الكهرباء إلّا رفع التعرفة. وهي ستحمّل المستهلكين، بأسعار اليوم، كلفة تشكل ربع الحدّ الأدنى للأجور حتى لو انعدمت التغذية. فالهم يقتصر على شراء فيول وإعطاء كهرباء بالحدّ الأدنى. مع غياب كلّي للبحث في كيفية زيادة الإنتاج وتطويره وتنويع مصادره". أما في ما يتعلق بشرط تشكيل الهيئة الناظمة لقطاع الكهرباء، فتلفت أبي حيدر إلى أن "الوزير وضع آلية التعيين ولكن هذه الآلية لا تحوز على الرّضى الدولي، وتحديداً من البنك الدولي، والوزير يعلم هذا. ذلك أن المطلوب هو تعيين هيئة ناظمة مستقلة، لا هيئة تدور في فلك الوزير وتخضع لمشيئته، هذا من ناحية، أما من الناحية الثانية فإن تعيين الأعضاء متعذر في ظل عدم وجود حكومة أصيلة. وعليه "لا يخرج عن وزارة الطاقة إلا الفقاعات الإعلامية، التي تحاول إيهام المجتمع الدولي بتنفيذ الشروط الإصلاحية، فيما الحقيقة على أرض الواقع أبعد ما تكون عن الإصلاح"، تؤكد أبي حيدر.
يضاف إلى فشل السلطة التنفيذية في إصلاح قطاع الكهرباء، تعذر إقرار السلطة التشريعية مشروعي قانونين أساسيين يتعلقان بتنظيم قطاع الطاقة، وهما: مشروع قانون انتاج الطاقة المتجددة الموزعة. ومشروع قانون كفاية الطاقة. وهو ما يمثل عائقاً مهماً جداً أمام تطور قطاع الطاقة"، برأي أبي حيدر، و"تركه فريسة للفوضى والعشوائية". وهذان القانونان يعتبران من وجهة نظرها "بالغا الأهمية لجذب القطاع الخاص وتحفيزه على الإنتاج وتوفير مصدر كبير وموثوق ومنظم من الطاقة المتجددة".
ينص قانون حماية المستهلك رقم 659/2005 على "حماية المستهلك من الغش والإعلان الخادع والحؤول دون استغلاله". وكل هذه التجاوزات متوفرة في سياسة الكهرباء، وتوجب مقاضاتها أمام مجلس شورى الدولة لوقف هذه التعديات على مصلحة المواطن. فهل من يحاسب؟!