الجميع في الداخل والخارج يستعدون لـ"الخميس الكبير" اللبناني الاسبوع المقبل، وسط تساؤلات كثيرة وتوقعات متناقضة عما سيؤول اليه، مشفوعة تارة بكلام عن وجود "كباش" اقليمي ودولي حول اسم الرئيس العتيد، وطورا عن وجود "توافق" اقليميى ودولي في اعتبار ان الاسم او الاسماء المتداولة والمرشحة لرئاسة الجمهورية اللبنانية مهما كانت تبقى في كنف رعاة الحل في الداخل والخارج.

السيناريوهات التي تتجاذب الاستحقاق الرئاسي قبل ايام من جلسة "الخميس الكبير" المقررة لانجازه كثيرة ومتنوعة ومنها على سبيل المثال لا الحصر:

ـ السيناريو الاول، يقول بوجود تفاهم تركي ـ قطري، ايران ليست بعيدة منه، ويحبّذ انتخاب المدير العام للامن العام بالانابة اللواء الياس البيسري، وان عددا من الكتل النيابية الوازنة تؤيده ومنها كتلتا "الثنائي الشيعي" وحلفاؤهما وكتلةُ التيار الوطني الحر" وكتل صغيرة ونواب مستقلون يؤيدونه، وخصوصا أنّ انتخابه رئيسا للجمهورية يحتاج الى تعديل قانون لا دستور.

ـ السيناريو الثاني، يقول بتفاهم اميركي ـ فرنسي ـ خليجي يدفع في اتجاه انتخاب قائد الجيش العماد جوزف عون الذي له مؤيدوه من الكتل، ولكنه يحتاج الى قوة دفع تمكنه من النفاذـ اقلّها تأييد الثنائي الشيعي وحلفائه، وخروح بعض كتل المعارضة من "موقفها الرمادي" منه الى موقف يؤيده بصراحة وعلناً ان لم يكن لديها خيار آخر. وبحتاج الى قائد الجيش إلى تعديل دستوري يجيز انتخابه، أو اعتماد الطريقة نفسها التي انتخب بها قائد الجيش السابق الرئيس ميشال سليمان بمجرّد ان تؤيد أكثرية الثلثين النيابية (86 نائبا) انتخابه، وهي الأكثرية نفسها المطلوبة لتعديل الدستور.

ـ السيناريو الثالث، يقول إنّ لا حماسة لدى الجميع لابقاء رئاسة الجمهورية ضمن خيار الترشيحات العسكرية والأمنية وأنّه يكفي الحدّ والعدد الذي اعتمد به الى الآن بعد "اتفاق الطائف" من الرئيس العماد إميل لحود الى الرئيس العماد ميشال سليمان وصولا الى الرئيس العماد ميشال عون، وبات المطلوب إعادة الرئاسة الى خيار الترشيحات السياسية بانتخاب رئيس من القيادات والشخصيات السياسية المارونية وهي كثيرة ومتنوعة وبينها من هي جديرة بتولي رئاسة الجمهورية ورأس هرم السلطة في البلاد.

ـ السياريو الرابع، أن يعلن رئيس حزب "القوات اللبنانية" الدكتور سمير جعجع ترشيحه للرئاسة بما يعيد خلط اوراق الاستحقاق الرئاسي ويجعل السباق الرئاسي محصورا بينه وبين رئيس تيار "المردة" سليمان فرنجية، أو بينه وبين مرشح آخر في حال انسحاب فرنجية من السباق حسبما يتوقع البعض.

ـ السيناريو الخامس، أن يخرج رئيس مجلس النواب نبيه بري في ربع الساعة الاخير "أرنباً" من "كمّه" أي اسم مرشح يكون قد اتفق عليه مسبقا وبعيدا من الأضواء مع "كبار القوم" المؤثرين في الداخل والخارج ويكون من بين الأسماء المطروحة ويلقى قبولاً لدى الجميع او لدى الغالبية النيابية.

ـ السيناريو السادس، فشل جلسة الانتخاب أو إفشالها، في الانتخاب او بإفقادها نصاب أكثرية الثلثين قبل انعقادها أو في الدورة الثانية من الانتخاب في حال لم ينل أي مرشح تأييد اكثرية الثلثين في الدورة الاولى، الأمر الذي إذا ما حصل قد يؤخر إنجاز هذا الاستحقاق الدستوري إلى ما بعد تسلم الرئيس الأميركي دونالد ترامب مقاليد الرئاسة في العشرين من الشهر الجاري، وربما يمتد هذا التأخير حتى الربيع المقبل حين تبدأ إدارته ممارسة مسؤولياتها عمليا بعد عبورها المحطات المطلوبة في الكونغرس. قد يكون للتطورات المرتقبة في الإقليم طوال هذه الفترة أيضا تداعياتها وانعكاساتها على لبنان وقد تفرض تغيّرا وتبدّلا في الخيارات الرئاسية المطروحة.

"الثنائي الشيعي" وحلفاءه تلقّوا عرضا خليجيا بغلاف أميركي هو عبارة عن سلة تفاهمات متكاملة للحل

وفي ظل هذه السيناريوهات ينقسم الافرقاء السياسيون المعنيون بالاستحقاق بين مستعجل إنجازَه ومتريث على رغم إصرار رئيس مجلس النواب على وجوب أن تكون الجلسة المخصصة لانتخاب الرئيس ناجزة وتأكيده أنّه سيبقيها مفتوحة لدورات انتخابية متتالية إلى أن تنتهي بانتخاب رئيس.

‏ويقول مصدر معني بالاستحقاق الرئاسي إنّ من أسباب تريث هذا الفريق أو ذاك هو رغبة المسؤولين والأفرقاء السياسيين في انتظار الوفود الديبلوماسية العربية والأجنبية التي تتقاطر إلى لبنان هذه الأيام استباقا لموعد جلسة الانتخاب الرئاسي وما تحمله في حقائبها من افكار ومقترحات حول الاستحقاق وأشياء أخرى تتعلق بمرحلة ما بعده سواء أُنجز أو أُرجىء إنجازه إلى جلسة أو جلسات لاحقة...

عرضان خليجيان

وتكشف مصادر ديبلوماسية في هذا المجال أنّ "الثنائي الشيعي" وحلفاءه تلقّوا عرضا خليجيا بغلاف أميركي هو عبارة عن سلة تفاهمات متكاملة للحل وفي مضمونها تشجيع على تأييد انتخاب قائد الجيش واستعداد للمساهمة بمبالغ ضخمة لتمويل إعادة إعمار ما هدّمه العدوان الإسرائيلي الأخير في الجنوب والضاحية الجنوبية لبيروت والبقاع وبقية المناطق اللبنانية. 

وفي الموازاة برز عرض خليجي آخر بغلاف تركي يشجع على انتخاب اللواء البيسري وفي مضمونه استعداد للمساهمة بمبلغ يراوح بين خمسة وستة مليارات دولار في عملية اعادة الاعمار. 

وتؤكد المصادر أنّ هناك تنافسا كبيرا بين العرضين وأصحابهما بتنافسون على خطب ود الثنائي الشيعي كونه طرفا مؤثرا في الاستحقاق الرئاسي وقادرا على ترجيح كفّة العرض الذي يمكن أن يميل اليه. 

على مسافة واحدة

لكنّ التقديرات تشير إلى أن "الثنائي" وحلفاءه يقفون على مسافة واحدة من العرضين ويرون أنّ لا مصلحة لهم في ترجيح كفّة عرض على آخر لكثير من الحسابات والاعتبارات الداخلية والخارجية، إذ يرون أنّ لكل عرض حسناته وسيئآته. ولذلك يرون أنّ الخيار الأفضل قد يكون الانتظار في ظل هذا الوضع، والمراهنة على عامل الوقت حتى لا يصبح الاستحقاق أسير التنافس بين العرضين وهذا ليس في مصلحة لبنان التي تكمن في أن تتلاقى الإرادات الخارجية ولا تتعارض على تزكية رئيس تتوافق كل المكوّنات النيابية والسياسية على انتخابه ويكون جامعا غير مفرّق وحريصا على تعزيز علاقات لبنان العربية خصوصا والدولية عموماً. وفي المعلومات أنّ اللقاء الاخير بين رئيس مجلس النواب نبيه بري ووفد من كتلة "الوفاء للمقاومة" (التي تضم نواب حزب الله وحلفائه) برئاسة النائب محمد رعد شدّد على هذا الموقف. ولم يرشح أيّ شيء بعد عن محادثات الموفد السعودي المسؤول عن ملف لبنان في الخارجية السعودية الأمير يزيد بن فرحان في بيروت وخصوصا محادثاته مع كلّ من برّي وجعجع.

تخوّف على الهدنة

وتتخوف اوساط ديبلوماسية من انعكاس تأخر إنجاز الاستحقاق الرئاسي في حال حصوله على الوضع في الجنوب تأخرا في الانسحاب الاسرائيلي من المنطقة الحدودية وخصوصا مع بدء صدور كلام إسرائيلي عن عدم الانسحاب في نهاية هدنة الستين يوما في 27 من الشهر الجاري، وأنّ إسرائيل ستبلغ هذا الموقف إلى الولايات المتحدة الاميركية، بحيث أنّ تل أبيب يمكن أن تتذرع بعد قليل بعدم وجود سلطة لبنانية دستورية لتطبيق القرار الدولي 1701. 

ولكن الأوساط الديبلوماسية تشير في الوقت نفسه الى أنّ هناك سيناريو يتوقع التزام إسرائيل الاتفاق والانسحاب الكلي من المناطق التي احتلتها في مقابل سيناريو آخر يقول بعدم الانسحاب نهائيا والذهاب إلى تمديد الهدنة لفترة شهر أو أكثر، وسيناريو ثالث يقول بالانسحاب مع البقاء على تمركز في نقاط استراتيجية. لكن حتى اللحظة ليس محسوما بعد أي من هذه السيناريوهات الذي ستذهب إليه إسرائيل. وإلى أن يتضح ذلك يتحدد ما سيكون عليه موقف لبنان الرسمي، وكذلك موقف حزب الله الذي بدأت قيادته توجّه رسائل تحذير لإسرائيل من مغبة عدم الانسحاب في نهاية الهدنة.