من حيث الشكل، فإن موعد التاسع من الشهر الجاري قائم، أما في المضمون فالمتغيّرات المتسارعة قد تقلب الوقائع. واضح أن لا اهتمامَ دوليًا كبيرًا بجلسة الانتخاب بدليل عدم سماح الإدارة الأميركية للموفد الرئاسي آموس هوكستين بالمشاركة فيها، وتراجع السعودية عن السماح بزيارة وزير خارجيتها.
لا يحتاج دليلاً القولُ إن الرئاسة في لبنان كانت وستبقى انعكاساً لوضع المنطقة والعلاقات بين دولها. رئيس جمهورية محدودُ الصلاحيات تتداخل في انتخابه عوامل إقليمية ودولية، وتشابكُ مصالح وسياسات وحسابات معقدة خارج لبنان وداخله. انتخابات تحددها موازين القوى والتغيّرات في المنطقة أكثر مما تحددها مصالح البلد واحتياجاته إلى الإصلاح المالي والاقتصادي وصونا لسيادة أراضيه. وبناء على ذلك وربطاً بالتغيّرات المتسارعة من حول لبنان فقد يكون انعقادُ الجلسة النيابية لانتخاب الرئيس محسومًا من حيث التوقيت ولكن انتخاب الرئيس موضع تشكيك.
من حيث الشكل، فإن موعد التاسع من الشهر الجاري قائم، أما في المضمون فالمتغيّرات المتسارعة قد تقلب الوقائع. واضح أن لا اهتمامَ دوليًا كبيرًا بجلسة الانتخاب بدليل عدم سماح الإدارة الأميركية للموفد الرئاسي آموس هوكستين بالمشاركة فيها، وتراجع السعودية عن السماح بزيارة وزير خارجيتها.
داخلياً لا يزال رئيس حزب القوات اللبنانية يبحث عن عرّاب لتبنّي ترشيحه. يبذل قصارى جهده ليكون التيّار الوطني الحر في هذا الموقع ولكن الأخير لم يقفل الباب على دعمه بعد اذا كانت ثمة فرصة حقيقية لانتخابه على قاعدة أنه يملك حيثية نيابية. ولكنه لم يذهب بعيداً ويتصرف وكأنه هو عرّاب الترشيح ما يعني أن التيّار بقي بمنزلة بين المنزلتين: متجاوب مع جعجع بحقّه في أن يكون مرشحّاً ومبدياً استعداده للمشاركة في الجلسة ولكنه لن يذهب بعيداً لدرجة تبنّي ترشيحه. والقوى المعارضة الأخرى لن تذهب هي أيضاً إلى ترشيحه وإن وافقت على التقاطع معه على ترشيح جهاد أزعور.
كتلة الاعتدال بدّلت التكتيك في التعاطي، وبدأ نوابها بالانفتاح على المرشّحين، وسجلت زيارة للمرشح فريد هيكل الخازن إلى النائب نبيل بدر الذي اعتبر أنّ الخازن مرشّح له حيثيته وبالتالي تُعَدّ هذه أوّل إشارة من النواب السنّة تقول إنّ المملكة لم تُدلِ بدلوها بعد، وما من أمر عمليات واضح بهذا الشأن.
بري أميل إلى تبني ترشيح أزعور وهو ابن شقيقة صديقه الراحل جان عبيد
هذا في الوقائع المتصلة بجلسة التاسع من الجاري. أما لناحية تصنيف المرشّحين، وخلافا للأيام الماضية التي أظهرت تحسّناً في حظوظه، يبدو ان ترشيح قائد الجيش قد تراجع لحاجته إلى تعديل دستوري ترفضه أكثر من كتلة نيابية. لكنه لا يزال المرشح الأقرب للمملكة وإن لم تحسم خيارها بعد، وكذلك قطر التي لا تريد تجاوز المملكة في خيارها. وعلى ما يبدو فإن الدولتين تتريثان في انتظار الموقف الأميركي الرهين بتسلّم الرئيس دونالد ترامب ولايته.
ويأتي في تصنيف الضباط السابقين الياس البيسري وجورج الخوري، لا يملكان نقطة تقاطع حقيقية مع الغرب ولا يمثلان جزءًا من انتصار أميركي في المنطقة.
أما في ما يتعلق بالفئة الثالثة أي المدنيّون من المرشحين، ففيها على الأقلّ أربعة أسماء بارزة هم زياد بارود وجهاد أزعور وسمير عساف وجان لوي قرداحي. واضح أن التغيرات السياسية حرمت قرداحي من أن يكون مرشحاً لكونه محسوباً على محور المقاومة. أمّا عساف فيتمتّع بدعم فرنسي ولكن يأخذ عليه بعض الكتل "عدم إلمامه بالتفاصيل السياسية اللبنانية وهو يبدو وكأنه يهبط بالمظلة على الرئاسة." بالنسبة إلى زياد بارود يعتبر الكثيرون أنّ المرحلة تستلزم رئيساً أكثر صلابة في المواقف. ويبقى جهاد أزعور، المرشح الذي عادت حظوظه لتكون مقبولة ويتمتّع بميزة تفاضلية لاعتبارات عدة أهمها موقعه في البنك الدولي الذي يعتبر المرجع الرئيسي لعملية الإصلاح الاقتصادي في لبنان، وهو يعرف الادارة اللبنانية وسبق وان كان وزيرا للمالية، وتجمعه علاقة طيبة بالطبقة السياسية. والرجل استحصل على تقاطع لم يسبق لأحد أن سجّله بين الأطراف المسيحية الثلاثة أي التيار والقوات والكتائب وبعض المستقلين، وحصد 59 صوتاً وكادت ان تزيد لولا خرق الاجماع داخل كتلة لبنان القوي بما جعله يلامس عتبة الرئاسة بالفعل، والأكثر قابلية للوصول للرئاسة. بيد أنّ أزعور يحتاج إلى دعم الثنائي الشيعي المتحفظ رئاسياً ولو أن هناك من يقول إن رئيس مجلس النواب نبيه بري أميل إلى تبني ترشيح أزعور وهو ابن شقيقة صديقه الراحل جان عبيد. لا فيتو سعوديا أو أوروبيا على أزعور، وهو يلقى من الداخل قبولا نيابياً وربما إجماعا مسيحياً مع تأييد من نواب سنّة. ولكنّ السؤال: هل يمشي بري وحزب الله في انتخاب أزعور ويمهّدان لجلسة انتخابه أم ستُرجأ الجلسة لعدم الاتفاق على مرشح؟
لا شيء موكداً بعد وإن كانت المصادر السياسية تقول إن الايام القليلة المقبلة ستشهد زخما أكبر في الاتصالات وحركة المرشحين بالتزامن مع حركة الموفدين الخارجية. لكن كلّ ذلك قد لا يجد من يصرفه في صندوقة الاقتراع ما لم تصل كلمة السر الرئاسية.