في العشرين من هذا الشهر يتولي الرئيس دونالد ترامب منصبه لولاية ثانية وسيجد نفسه ملزما بمعالجة الملفات الداخلية المتراكمة بالقدر نفسه لتصدّيه للملفات الخارجية المتفاقمة والتي لم تعد تحتمل التأجيل.
في الداخل تبرز قضايا ألحّ ترامب عليها في حملته الانتخابية وهي إصلاح نظام الهجرة وقوانينها، والسياسة الاقتصادية، والتربية والتعليم، وإصلاح العدالة الجنائية.
ملف الهجرة
في ملف الهجرة ينوي ترامب تنفيذ سياسات صارمة تكون استكمالاً للسياسات التي اعتمدها في ولايته الأولى. هذه السياسات تتعلّق بأمن الحدود وإكمال يناء الجدار الحدودي بين الولايات المتحدة والمكسيك. وتخطط إدارة ترامب لتعزيز إنفاذ التدابير الحدودية بإصلاح اقتراح تقدّمت به وزارة الأمن الداخلي ودمجها مع وحدات إنفاذ قوانين الهجرة الأخرى لإنشاء نظام أكثر قوة.
ومن هذه السياسات برنامج ترحيل المهاجرين غير الشرعيين وأولئك الذين تجاوزوا في إقاماتهم مدة التأشيرات. وقد وصف ترامب البرنامج بأنه "أكبر برنامج ترحيل في التاريخ الأميركي."
وإذا كان الجمهوريون وكثيرون من الديمقراطيين متفقين على ضرورة إصلاح نظام الهجرة المعطوب وقف تسييسه ووقف مدّ الهجرة غير الشرعية، فإنهم يطالبون بعدم المس بمبدأ فائدة الهجرة الشرعية.
يرافق هذا الإجراءَ تشديدُ نظام إعطاء تأشيرات الدخول وإلغاء فئات معيّنة منها وزيادة الرسوم للمهاجرين. لكنْ، كُثُرٌ هم الذين يشكّكون في قدرة إدارة ترامب على تنفيذ هذا الإصلاح رغم سيطرة الجمهوريين على مجلسَي الكونغرس. فالأغلبية الجمهورية، كما اختبر ترامب في رئاسته الأولى، لا تعني تجانس الموقف. يوجد فصيل جمهوري يطالب بسياسة هجرة أكثر اعتدالا. ويقول أصحاب هذا الرأي إنّ للمهاجرين إسهامات اقتصادية أساسية، سواء أكانوا قوة عاملة متدنية الكلفة في قطاعات حساسة كالبناء والزراعة والضيافة (مطاعم، فنادق، ملاهٍ)، أو على مستوى الأدمغة المتخصصة التي أدّى بقاؤها في الولايات المتحدة واكتسابها الجنسية إلى تفوّق أميركي في مختلف المجالات.
وإذا كان الجمهوريون وكثيرون من الديمقراطيين متفقين على ضرورة إصلاح نظام الهجرة المعطوب ووقف مدّ الهجرة غير الشرعية، فإنهم يطالبون بعدم المس بمبدأ فائدة الهجرة الشرعية. وعليه، قد يتحرك الرأي العام ومجموعات الضغط المناصرة للقطاعات التي تستفيد من الهجرة للتأثير على المترددين من أعضاء الكونغرس فيمتنعوا عن المصادقة على الموازنات المطلوبة لإصلاح نظام الهجرة.
للتغلب على هذه التحديات ، قد يلجأ ترامب إلى المراسيم التنفيذية التي تتيح له تنفيذ تغييرات فورية عند توليه منصبه في كل ما لا يحتاج تعديله أو إقراره إلى قوانين. وقد يلجأ أيضاً إلى التشريعات المستهدفة التي تسمح له باتخاذ إجراءات محددة بدلا من متابعة إصلاحات واسعة النطاق.
ملف الاقتصاد
وعد ترامب في حملته الانتخابية أن يعيد الصناعة الأميركية إلى مجدها القديم وتنشيطها على الأراضي الأميركية. ووعد أيضاً أن يعزز استقلال الطاقة، ولا يزال شعاره “Drill, baby, drill” يتردد إلى الآن. هذا الشعار كان شعبياً إلى درجة أنه أجبر منافسته الديمقراطية على تغيير موقفها في سياسة الطاقة.
وأكد ترامب في حملته الانتخابية أنه سيمدّد قوانين التخفيض الضريبي على الأفراد والشركات التي كان وقّعها في العام 2016 لمدة ثماني سنوات. وقد يلغي ترامب الاحتياطي الفدرالي ليدرس العودة إلى العملة المدعومة بالذهب
يتضمّن الملف الاقتصادي أيضاً الرؤية التجارية. وفي هذا الإطار لن يكون مستغربا أن يستمرّ ترامب في سياسة فرض رسوم جمركية مرتفعة على الصادرات الصينية وعلى السلع المصنّعة خارج الولايات المتحدة على وجه الإجمال، بما فيها كندا والمكسيك. وليس مستغرباً أن يثير فرض الرسوم العالية على ما تستورده الولايات المتحدة احتجاج وغضب المستهلكين الأميركيين بسبب ارتفاع الأسعار، وبسبب انخفاض الصادرات الأميركية لأنّ سائر الدول ستردّ بفرض رسوم على تلك الصادرات.
ملف التعليم والقضايا الاجتماعية والعدلية
ستعالج إدارة ترامب الإصلاحات التعليمية والقضايا الاجتماعية من خلال سياسة محافظة للغاية. فهي ستدعو إلى زيادة رقابة الوالدين على التعليم، وتعزيز مبادرات اختيار المدرسة مع السعي إلى القضاء على تعليم موادّ تتعلق بالتاريخ الأميركي وتجارة العبيد وسياسة الاستعباد والحرب الأهلية الأميركية والتعويض على الأميركيين من أصول أفريقية، وهو ما يرفضه المحافظون.
وفي المجال الثقافي تشمل التدابير المقترحة حظر المواد الإباحية وكل ما يتعلق بالثقافة الجندرية وتفكيك برامج التنوع والإنصاف والشمول في الإدارات الحكومية والمؤسسات التعليمية.
إما في المجال العدلي فقد تلاقي الإدارة صعوبة في تطبيق ما يريده ترامب، وخصوصاً التغييرات الجذريّة داخل الوكالات الفيدرالية لإنفاذ القانون، كإصلاح مكتب التحقيقات الفيدرالي الذي وصفه ترامب بأنه "منتفخ" قائلاً أنه سيقدّم اقتراحات تهدف إلى "إعادة ثقة الجمهور في تطبيق القانون الفيدرالي."
ومن الأمور التي ستواجه فيها الإدارة معارضة قوية رغبته في محاكمة المستشار الخاص جاك سميث الذي حقق في أربع قضايا تتعلق بترامب ووجه له اتهامات فيها. يُذكَر هنا أن المحكمة العليا قررت أن الرئيس مشمول بالحصانة عن القرارات التي تدخل في صلب مسؤولياته، فسقط عدد من الدعاوى ضد ترامب بعد انتخابه رئيساً.
بيد أن النقطة الشائكة تبقى تأمين حقوق الشعب الفلسطيني السياسية والسيادية، خصوصاُ في ظل التغيّرات الكبيرة نتيجة هجوم حماس والرد الإسرائيلي عليه في غزة وعلى سائر الأطراف المساندة
الأولويات الجيوسياسية
على المسرح الدولي، لن يكون مستغرَباً أن يرفع ترامب مستوى العدائية في خطابه السياسي بهدف إعادة تشكيل علاقات الولايات المتحدة مع اللاعبين العالميين الرئيسيين لمصلحتها حيثما يراها قد تراجعت.
سيكون أحد الأهداف الرئيسية لسياسة ترامب الخارجية التفاوض على إنهاء الحرب الروسية على أوكرانيا. وقد أعرب عن نواياه لإصلاح العلاقات مع روسيا، معتبرا ذلك ضروريا للمصالح الاستراتيجية للولايات المتحدة.
من خلال استقرار العلاقات مع موسكو ، يهدف ترامب إلى فكّ ارتباط روسيا بالصين بعدما عقدت الدولتان تحالفاً طويل الأمد قبل سنتين، مع إعادة تركيز أولويات الولايات المتحدة على مواجهة نفوذ الصين في آسيا.
في هذا الإطار من المتوقع أن يكون تعميق العلاقات مع تايوان جانبا حاسما من استراتيجية ترامب في آسيا، وسط تصاعد التوتر مع الصين. ويشجّع ترامب الحلفاء في منطقة المحيطين الهندي والهادئ على تعزيز قدراتهم الدفاعية ضد أي تحرك عسكري صيني محتمل.
ويبقى ترامب مهتما بمبادرات السلام في الشرق الأوسط، لا سيما في ما يتعلق بالصراع الإسرائيلي الفلسطيني. ومن المرجح أن تستأنف إدارته المفاوضات التي تعطلت بعد انتهاء ولايته، بهدف التوصل إلى اتفاق سلام شامل يحقق الاستقرار في المنطقة. بيد أن النقطة الشائكة تبقى تأمين حقوق الشعب الفلسطيني السياسية والسيادية، خصوصاً في ظل التغيّرات الكبيرة نتيجة هجوم حماس والرد الإسرائيلي عليه في غزة وعلى سائر الأطراف المساندة.
لكل ذلك يتوجه ترامب إلى تعزيز الإنفاق الدفاعي والتحديث العسكري بالعودة إلى عقيدة "السلام من خلال القوة" التي ميّزت سياسته الدفاعية. يستلزم هذا النهج استثمارات كبيرة في القدرات العسكرية، بما في ذلك التقنيات المتقدمة مثل أنظمة الدفاع الصاروخي. من المرجح أن يطالب ترامب حلفاءه في حلف شمال الأطلسي بزيادة إنفاقهم في جهود الدفاع الجماعي مع تعزيز الوجود العسكري الأميركي في مختلف أنحاء العالم.