كركي: كلّ المحاولات لتعديل قيمة السحوبات، باءت بالفشل...

يجمّد آلاف المضمونين سحب تعويضاتهم من الضمان الاجتماعي بانتظار تعديل قيمتها. فمع بدء العملة الوطنية مشوارها الانهزامي أمام الدولار الأميركي في خريف العام 2019، و"تعب العمر" المجمّع ليرة وراء ليرة في صندوق نهاية الخدمة يتآكل أمام أعينهم. وكلّما انتظروا تصحيحاً ينصفهم ويعوّض عليهم خيبات الزمن، كلّما غرقوا في الأوهام أكثر.. حتّى أضحت القيمة الفعلية لتعويضاتهم لا تساوي إثنين في المئة من قيمتها الإسمية.

سعيد، وهو اسم مستعار لمضمونٍ على حساب الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي، فُصل من عمله في نهاية العام 2020 على إثر تعمّق الأزمة الاقتصادية. مثله مثل الكثيرين، فضّل سعيد التريّث بسحب تعويض نهاية الخدمة الذي يقارب الثلاثين مليون ليرة، بانتظار تعديل سعر الصّرف. فالقيمة الحقيقة لتعويضه لن تتجاوز 4000 دولار على سعر صرف السوق آنذاك البالغ 7500 ليرة، وذلك بعدما كانت تعادل 20 ألف دولار على سعر صرف 1500 ليرة. وكانت كلّ الآمال معلّقة على إمكانية دعم مصرف لبنان للتعويضات، على غرار ما حصل مع الودائع، واحتسابها على أساس 3900 ليرة، فترتفع قيمة التعويض بمقدار الضعف تقريباً وتصل إلى حدود 8000 دولار. واليوم، أصبحت قيمة التعويض 300 دولار.. وما زال سعيد ينتظر تعديل سعر الصرف لسحبها على سعر، سيقلّ حتماً، عمّا كان عليه قبل ثلاث سنوات.

لا تعديل في قيمة السحوبات

إذاً، التعويضات المستحقّة لعشرات آلاف العمال في الضمان الاجتماعي، تبخّرت، ولم تعد تكفي لشراء علبة دواء. وما يزيد الأمر سوءاً هو فقدان المضمون للتغطية الصحّية والاستشفائية بعد تقاعده. وهو الوقت الذي يصبح فيه بأمسّ الحاجة إلى الحماية الاجتماعية. "كلّ المحاولات لتعديل قيمة السحوبات، باءت بالفشل"، يقول مدير عام الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي الدكتور محمد كركي. "والمسؤولية تقع على عاتق كلّ من انتهج السياسات الاقتصادية والمالية والاجتماعية التي أوصلتنا إلى ما نحن عليه اليوم. فالتعويضات في نهاية المطاف تدفع على أساس قيمة وعملة الاشتراكات المتراكمة عبر السنوات. ومثلما يتقاضى الصندوق الاشتراكات بالليرة، يدفعها بالليرة.

على الرّغم من إمكانيات الضمان المحدودة والهامش الضيّق للتحرّك المحكوم بالقوانين، فقد جرى عدة محاولات مع الحاكم السابق لمصرف لبنان رياض سلامة لتعديل قيمة السحوبات. حيث تمّ بحث إمكانية احتساب التعويضات على 3000 و3900 ليرة ومن ثم 8000 ليرة، و15 ألف ليرة اليوم. إلّا أنّه مع الأسف، فإنّ "كلّ المحاولات اصطدمت بسياسة المصرف المركزي التي تعمل على سحب السيولة اللبنانية من الأسواق (للحدّ من التضخّم وانهيار سعر الصرف)"، يقول كركي. "ولا يوجد لغاية اللحظة أيّ إمكانية بتعديل سعر قيمة السحوبات وزيادة التعويضات من الضمان. اللهمّ إذا ارتأت الدولة المساعدة على حلّ الموضوع تحت ضغط التحرّكات المطلبية".

أقرّت اللجان المشتركة قبل يومين مشروع القانون الوارد بالمرسوم رقم 13760 الرّامي إلى تعديل بعض أحكام قانون الضمان

نظام مؤقّت لتحويل التعويضات إلى راتب تقاعدي

العجز عن رفع قيمة التعويضات، قابله تطوير الضمان لنظام مؤقّت يسمح بتحويل تعويض نهاية الخدمة إلى راتب تقاعدي على مدى الحياة. "ولكن هذا المشروع ما زال عالقاً بين مجلس إدارة الضمان ومجلس الوزراء منذ أكثر من عام"، يضيف كركي. ومن شأن إقرار هذا المشروع حلّ مشكلة معضلة العمّال الذين تركوا، او سيتركون أعمالهم في الفترة الممتدّة بين العامين 2022 و2026". وفي الأثناء يتحضّر الضمان الاجتماعي للطلب من أصحاب العمل مع بداية العام الجديد تسديد تسويات نهاية الخدمة نقداً. الأمر الذي يتيح دفع التعويضات للمضمونين نقداً، بدلاً من الشيكات المسحوبة على البنوك. ومن شأن هذا الاجراء بحسب كركي "تقليل معاناة المضمونين في فتح الحسابات المصرفية وإمكانية عدم قبول المصارف للشيكات، وتقسيط المستحقات بالقطارة".

إحالة مشروع القانون  إلى الهيئة العامّة للبرلمان بعد طول انتظار

في الوقت الذي يعمل فيه الضمان على أكثر من مستوى لرفع منسوب الحماية الاجتماعية، أقرّت اللجان المشتركة قبل يومين مشروع القانون الوارد بالمرسوم رقم 13760 الرّامي إلى تعديل بعض أحكام قانون الضمان وإنشاء نظام التقاعد والحماية الاجتماعية، وأحالته إلى الهيئة العامّة. ومن شأن التصويت على هذا المشروع الذي يعود للعام 2004، وإقراره بقانون حماية المضمونين. إلّا إنّ القانون الذي طال انتظاره أُدخلت عليه تعديلات من شأنها أن تؤثّر سلباً على تطبيقه. وهذا ما لفت إليه نائب رئيس مجلس النواب الياس أبو صعب عقب انتهاء اجتماع اللجان إذ أشار إلى أنّه كان "هناك بعض الملاحظات، خصوصاً وأنّ المدير العام للضمان (محمد كركي) تحدّث عن موضوع برأيه عليه اعتراض، لاسيما أنّه تلقى مبالغ التسوية عن الأجراء المنتقلين إلى النظام الجديد. هذه الفقرة بالملاحظات الجديدة ألغيناها وأخذنا بالاعتبار ملاحظات الضمان. من أجل ذلك ستبقى الملاحظات في الهيئة العامة، لكن برأيي أصبحت ثانوية والهيئة العامة تقرّر". والاعتراضات المسجّلة على القانون هي لكونه يلغي مبالغ التسوية عن الأجراء المنتقلين إلى النظام الجديد من جهة، ويسمح لأصحاب العمل تقسيط المستحقّات للضمان لدفع تعويض نهاية الخدمة للأجراء الذين يبقون خاضعين إلى نظام التعويض لمدّة تصل إلى عشر سنوات، على أن تعفى أقساط السنوات الخمس الأولى من الفوائد. وهذا ما سيؤثّر حكماً على إمكانية الضمان تسديد التعويضات نقداً من دون الحاجة إلى المرور بالمصارف مع ما تضيفه من إشكاليات.

بانتظار عقد هيئة عامّة لمجلس النواب ستبقى معلّقة بانتظار انتخاب رئيس للجمهورية، وفي ظل الرفض القاطع بدعم سعر صرف التعويضات من مصرف لبنان سيبقى المتقاعدون أو الذين تركوا وظائفهم الحلقة الأضعف. ولعلّ أكثر ما يثير الاستغراب إن لم نقل الاشمئزاز هو عدم انسحاب سعر الصرف الرسمي الجديد (15000 ليرة) على تعويضات نهاية الخدمة. فكيف لدولة على وجه الكرة الأرضية ان تغيّر سعر صرفها، وتبقى التعويضات على السعر القديم. الأمر يتخطّى التناقض والتخبّط ليصل حدّ الاستخفاف بمصالح الرعية.