تتصاعد الحملات الإعلامية بين السلطة الجديدة في سوريا وإيران، على خلفية اتّهام الأولى للثانية بالاستمرار في التدخل في الشؤون السورية الداخلية، والتحريض وافتعال الاشتباكات المسلحة، خصوصًا في مناطق اللاذقية وطرطوس وحمص وغيرها، على الرّغم من الانسحاب الإيراني العسكري والاستشاري من الأراضي السورية الذي كان بدأ قبيل سقوط النظام واستكمل نهائيًا بعده.
ويقول الإيرانيون، حسب مصدر ديبلوماسي، إنّ أيّ اتصالات مباشرة أو غير مباشرة لم تحصل بعد بين القيادة الإيرانية والسلطة السورية الجديدة لا قبل سقوط النظام ولا بعده، كما لم تتلق طهران بعد أيّ رسائل تطمين إلى مستقبل العلاقة مع دمشق.
ويؤكد المصدر الديبلوماسي أنّ طهران لا ترى من داع للتواصل في هذه المرحلة مع رئيس "هيئة تحرير الشام" أحمد الشرع "في انتظار خروجه من نشوة النصر التي يعيشها وفي ظل مواظبته على مهاجمة الجمهورية الإسلامية الإيرانية".
ويرى الإيرانيون، حسب المصدر، أنّ الشرع وبعد أن تسلّم أمور الدولة السورية سيجد نفسه عاجلًا ام آجلًا أمام مشكلات ومخاطر كبرى، ولن يكون له من مفر إلّا التواصل مع إيران كبلد مهم له دور مؤثر جدًا في الإقليم. ولكنّه الآن وبعد أن جلس في "قصر الشعب" (مقر الرئاسة السورية) يتصرّف وكأنّه يحكم العالم. ولذلك ينتظره الجانب الإيراني إلى أن يهدأ ليكون عندها تواصل معه. وفي انتظار ذلك لن تتخلّى إيران عن مصالحها ومصالح حلفائها في سوريا، حيث يتم العمل على تأمين هذه المصالح بالتواصل مع الجانب التركي الذي يلعب الآن دور الضامن لها، وهذه المصالح تتمثل في الحفاظ على المقامات الدينية والمراقد المقدسة والحفاظ على وجود الأقليات الدينية العرقية والإثنية في سوريا.
ويضيف المصدر أنّه عند الحديث عن سوريا الجديدة الآن إنّما يكون الحديث عن الخطاب الإسلامي الإخواني في قلب سوريا التي تتنازعها ثلاثة خطوط:
ـ الخط التركي الإخواني حيث تعمل تركيا ليكون لها اليد الطولى في النظام الجديد الموعود.
ـ الخط الإسرائيلي الذي احتلّ مساحات كبيرة من الأرض السورية الجنوبية الذي يؤسس لدور إسرائيلي على الساحة السورية في المرحلة المقبلة.
ـ الخط العربي الذي يدفع في اتجاه أن تكون سوريا ضمن الحاضنة العربية بعيدًا من أيّ خطوط نظرًا لرمزية سوريا التاريخية القوية العربية والإسلامية.
طهران تدرك إمكانية تعرض ايران لضربة إسرائيلية ـ أميركية في أيّ وقت
وفي ظلّ هذه الخطوط لم يعد للجانبين الروسي والإيراني ذلك الوجود الفعال، على رغم من بقاء القاعدتين العسكريتين الروسيتين في اللاذقية طرطوس والآيلتين الى الزوال على ما يبدو، بدليل ما أعلنته الاستخبارات الخارجية الروسية من أنّ "الاستخبارات البريطانية والأميركية تعد لهجوم على القواعد الروسية في سوريا"، لافتةً إلى أنّ "لندن وواشنطن تسعيان لإخراج القوات الروسية من سوريا". وأكّدت أنّ "الولايات المتحدة وبريطانيا تحاولان منع استقرار الأوضاع في سوريا بعد إطاحة الرئيس السوري بشار الأسد".
ويسأل المصدر الديبلوماسي المطّلع على الموقف الإيراني في هذا المجال: "هل يقبل العرب أن يكونوا خارج سوريا؟ أم سيعملون على أن يكون لهم حضورهم المباشر والفاعل فيها في ضوء تعددية الأطراف السياسية والمجموعات المسلّحة العاملة الآن على الساحة السورية؟" ويقول: "إن الحضور والدور التركييين الكبيرين في سوريا بما يثيرانه من قلق عربي قد يكونان سببًا إضافيًا يدفع إلى حصول تنسيق عربي ـ إيراني في ضوء تطوّر العلاقة بين إيران ودول الخليج العربي ومصر وغيرها، وذلك من أجل إعادة التوازن على الساحة السورية، خصوصًا في حال تمدّد الخطر الأخواني ليشمل الأردن وسواه من الدول العربية المجاورة".
ويعتبر المصدر "أنّ حديث بعض السياسيين اللبنانيين معطوفًا على ما يثار في الإعلام من أنّ ما يحصل في المنطقة سيمتدّ إلى إيران هو كلام بلا معنى، فطهران تدرك إمكانية تعرض ايران لضربة إسرائيلية ـ أميركية في أيّ وقت، لكنّه في المقابل يطرح السؤال الآتي: إذا حصلت الضربة لإيران فما هي المكاسب التي سيحققها أصحابها منها؟ وهل ضرب إيران يكفي لإسقاط نظام الجمهورية الإسلامية الإيرانية أو أذيته؟" ويقول المصدر: إنّ أيّ استهداف إسرائيلي أميركي لن يؤدّي الغرض الذي تريده واشنطن وتل ابيب أولًا لأنّ هذا الاستهداف لن يؤدّي إلى سقوط النظام الإيراني لأن الاجواء الإيرانية مؤمّنة بحامية كبيرة، بدليل أنّ الاستهداف الإسرائيلي الأخير لإيران حصل من الأجواء العراقية تحديدًا وليس من داخل الأجواء الإيرانية، فحتّى يكون هذا الاستهداف ناجحًا يجب أن يكون من الأجواء الإيرانية، وهذا يتطلّب صواريخ ذات مدى قصير وقدرات تدميرية كبيرة، في حين أنّ الصواريخ التي تقصف من بعد غالبًا ما تكون قدرتها التدميرية ضعيفة ولا تؤدي الغرض التدميري. علمًا أنّ المنظومات الجوية الإيرانية تشكّل حماية كبيرة جدًا لأجواء إيران والمنشآت النووية وغيرها.
ويسأل المصدر: "من يضمن كيف سيكون رد الفعل الإيراني على أي هجوم خصوصًا إذا ضرب أهدافًا أساسية وإستراتيجية نووية وغير نووية؟ ويقول المصدر إنّ الإيرانيين يعتبرون أنّ ما يحصل حتّى الآن إنّما يندرج في إطار التهويل ومحاولة محاصرة إيران داخل حدودها، وبالتالي إنهاء أيّ تأثير لها وتأثير محور المقاومة في الإقليم". ويكشف المصدر أنّ الردّ الإيراني الأخير على إسرائيل كان استهدف مجموعة كبيرة من منظومات الدفاع الجوي الإسرائيلية المضادة للصواريخ، وهو ما دفع تل أبيب إلى الطلب من الولايات المتحدة الأميركية تزويدها بمنظومة "ثاد" المتطورة المضادة، نتيجة تراجع قدرات الدفاع الجوي لديها وقد اكتشف حزب الله هذا التراجع في الأسابيع الأخيرة للحرب على لبنان، حيث كانت صواريخه تصل إلى أهدافها في العمق الإسرائيلي بلا أي اعتراض يذكر". ويضيف المصدر "أّن الجانب الإسرائيلي هو الذي يجب أن يخاف من ردّ فعل طهران على أيّ هجوم لأنّ لديها مدنًا صاروخية كثيرة وكبيرة جدًا تحت الأرض، وعندما تشعر بأيّ خطر فإنّها ستشعل كلّ هذه المدن بلا تردد وبنحو مباغت، على عكس ما مضى من ردود أُريد لها أن تكون مضبوطة ومدروسة ومحدودة الأهداف".
على أن الوضع السوري الجديد لن يرسو على صورة معينة قبل تبلور ما سينتهي إليه الانفتاح العربي عليه، ومدى تفاعله مع السلطة الجديدة التي تقلق فريقًا من العرب وتريح البعض الآخر. فيما يسود الأوساط الرسمية العربية تشاور يركّز على أن توجيه النصح للسلطة السورية الجديدة بأن تعتمد الخيار العربي في إقامة النظام الجديد، عبر اعتماد صيغة مشابهة للنظام الذي أرساه "اتفاق الطائف" في لبنان، نظرًا للتنوع السوري المشابه للتنوع اللبناني. إلى ذلك يسأل الجميع عن دور تركيا المستقبلي في سوريا بعدما دعمت قوى المعارضة المسلّحة السورية ومكّنتها من إسقاط النظام، وهل يمكن انقرة أن تتفرّد بالوضع السوري وتدفع في اتجاه إقامة سلطة سورية تواليها، وتكون على شاكلة السلطة التركية الإخوانية بما يبعد سوريا الجديدة عن الحاضنة العربية؟
لكن حتّى الآن تسود حال من الترقب في انتظار ما سيسفر عنه التواصل العربي الناشط مع قائد السلطة الجديدة احمد الشرع (ابو محمد الجولاني) الذي يبدي من جهته انفتاحًا على الجميع، ويؤكد استعداده للتعاون مع العرب كما يؤكّد في ما يتعلق بالعلاقة مع لبنان أنّه يريد لها أن تقوم على أساس الاحترام المتبادل، وعدم حصول أي تدخل في الشأن اللبناني كما كان الوضع أيام النظام السابق.
الاستحقاق اللبناني
وفي انتظار كلّ هذه التطورات السورية، فإنّ الاهتمامات في لبنان خلال الأيام الفاصلة عن موعد جلسة انتخابات رئاسة الجمهورية المقررة في 9 كانون الثاني المقبل ستنصبّ على البحث في الاتفاق على رئيس الجمهورية العتيد، في ظل تأكيد رئيس مجلس النواب نبيه بري وتشديده على أن تكون هذه الجلسة ناجزة بانتخاب الرئيس الجديد، خصوصًا أنّه دعا اعضاء السلك الديبلوماسي العرب والأجانب العاملين في لبنان الى حضورها تأكيدًا على إصراره على أن تكون مسك الختام للفراغ الذي بلغ اكثر من سنتين، في الوقت الذي يحاول البعض أن يدفع إلى تأجيل انتخاب الرئيس إلى ما بعد تسلّم الرئيس الاميركي دونالد ترامب مقاليد الرئاسة في 20 كانون الثاني المقبل.
بعيدًا من الأسماء المرشّحة لتولّي الرئاسة، هناك خياران لا ثالث لهما يتجاذبان الاستحقاق الرئاسي: أن يكون الرئيس من الطاقم السياسي أو من السلك العسكري.
المرجح حتّى الان أنّه سيكون عسكريًا إذا تم الإجماع على مرشح من اثنين قائد الجيش العماد جوزف عون أو المدير العام للأمن العام اللواء الياس البيسري. أمّا إذا كان سياسيًا فإنّ الاستحقاق سيتأخّر إنجازه خصوصًا إذا أعلن رئيس حزب "القوات اللبنانية" الدكتور سمير جعجع ترشيح نفسه أو رشّح من يمثله في مواجهة ترشيح رئيس تيار "المردة" سليمان فرنجية أو من يمثله، وربما في مواجهة مرشحين آخرين.