لا شيء يوحي، حتى كتابة هذه السطور، بامكانية إنطلاق ورشة إعادة إعمار ما هدمته الحرب سريعاً. 418 يوما من القصف الاسرائيلي المتقطع والمتواصل، خلّف خسائر مباشرة، قدرها عضو كتلة "الوفاء للمقاومة"، حسين الحاج حسن في حديث إذاعي، بـ 7 مليارات دولار. وقد بُنيت التقديرات المحدثة على عملية مسح الأضرار التي "باتت في مراحلها النهائية،" بحسب تصريح رئيس المجلس التنفيذي في حزب الله، الشيخ علي دعموش.
تحدي إعادة الاعمار لا يكمن بالحجم الهائل للخسائر مقارنة بمحدودية الإمكانات الفردية والعامة فحسب، إنما مرتبط بأمرين أساسيين:
- غياب الاحتضان الدولي للبنان.
- تطبيق آليات الرقابة والشفافية.
الانطلاقة البطيئة لاعمال النهوض والاعمار
في مقارنة سريعة بين حجم المساعدات، وسرعة انطلاق أعمال النهوض والإعمار بعد حرب تموز 2006، وبين ما يجري الآن عقب حرب 2023/2024 يظهر الفرق شاسعاً. فما إن توقف القتال في 14 آب 2006، حتى بدأت الهبات والقروض والأيداعات النقدية بالتدفق. فتلقى لبنان وعدا بالحصول على هبات بقيمة 1.9 مليار دولار، موزعة بين 1.3 مليار دولار من الدول العربية، و600 مليون دولار من الدول الأجنبية، بحسب ما يظهر التقرير الرسمي الصادر عن الحكومة آنذاك، "لبنان: في الطريق إلى إعادة الإعمار والنهوض." كما وُعد لبنان بقروض بقيمة 883 مليون دولار. وتلقى هبات فردية من مغتربين ورجال أعمال بقيمة 8.4 مليون دولار. وتعهدت كل من المملكة العربية السعودية ودولة الكويت بوضع ودائع نقدية في مصرف لبنان بقيمة مليار دولار، و500 مليون دولار على التوالي. وفي المحصّلة تلقى لبنان ما يقارب 4.3 مليار دولار من الهبات والقروض والمساعدات، في حين لم تتجاوز الخسائر المباشرة 2.8 مليار دولار، الامر الذي مكّن الاقتصاد من استعادة تعافيه سريعاً والعودة إلى تحقيق النمو. في المقابل فان كل ما وُعد به لبنان في خضمّ حرب 2023/2024 كان مساعدات، عينية بمعظها، بقيمة 800 مليون دولار تعهدت بها سبعون دولة ومنظمة دولية خلال "المؤتمر الدولي، من أجل دعم سكان لبنان وسيادته،" الذي عقد في باريس بتاريخ 24 تشرين الاول 2024. وقد حصرت أغلبية المساعدات بتأمين متطلبات النزوح والايواء من مواد غذائية وأدوية ومستلزمات لوجستية، وخصّص 200 مليون دولار لدعم القوى المسلحة.
ثلاثة شروط للحصول على المساعدات
بقدر ما كانت المساعدات التي تلقاها لبنان بعد حرب تموز 2006 نعمة على الاقتصاد، تحولت إلى نقمة بعد عدوان 23/24 نتيجة "فوضى إدارتها وسوء استخدامها في الكثير من المجالات خلال السنوات الماضية،" بحسب عضو لجنة الاشغال العامة والنقل والطاقة والمياه النائب ابراهيم ميمنة. "فغياب الحوكمة من جهة، ومعارضة الخيارات التي يأخذها حزب الله من الجهة الثانية، يُفقدان الدول العربية، التي وقفت دائماً إلى جانب لبنان، الشهية على تقديم المساعدات." وبرأي منيمنة، تؤخّر ثلاثة عوامل أساسية وصول المساعدات الدولية لإعادة الإعمار، هي:
- العامل السياسي، وتأكد الدول المانحة من تطبيق لبنان للقرار 1701، وبان أموال المساعدات لن تضيع مرة جديدة بالحروب والقتال مع العدو الاسرائيلي.
- العامل الاصلاحي، والمتعلق بالشفافية في إدارة المساعدات والهبات، وضمان وصولها إلى مستحقيها من خلال مؤسسات موثوقة وبآليات واضحة ونزيهة. فالدول العربية لن تقبل هذه المرة بتكرار سيناريو العام 2006، إذ يُفترَض اعتمادُ مقاربة مؤسساتية شفافة تضمن أن تصل هذه الاموال إلى أصحاب الحقوق دون وساطة أو منّة من أحد. وهذا ما قد يتطلب مساهمة مؤسسات دولية في عملية الادارة، نظراً لغياب الثقة بمؤسسات الدولة.
- العامل اللوجستي المتمثل بإنجاز المسوحات المفصّلة والدقيقة. وهذه العملية التي يجب ان تتم من قبل الدولة واجهزتها الرسمية لم تنجز بعد. وهناك تقرير مبدأي وضعه معهد البحوث العلمية، ما زالت تنقصه الكثير من التفاصيل. أما في ما يتعلق بالمسوحات الخاصة التي تقوم بها جهات ومؤسسات حزبية، فهي لا تُغني عن المسح العام. خصوصا بالنسبة للمؤسسات الدولية والدول المانحة.
وبحسب منيمنة "من المستحيل حصول لبنان على قرش واحد لاعادة الإعمار، ما لم يتم انتخاب رئيس للجمهورية وتشكيل حكومة موثوقة تكون مسؤولة عن الملف بشكل واضح امام الدول المانحة. والحاجة ماسة اليوم إلى إتمام الاستحقاقات الدستورية لطمأنة الجهات المانحة إلى الجدّيّة في التعاطي، ولإظهار التزام الحكومة اللبنانية بصرف الأموال ضمن الشروط المتفق عليها."
بعد مرور 37 يوما على وقف إطلاق النار على معظم المناطق اللبنانية، باستثناء قرى الحافة الامامية التي لم ينسحب منها جيش العدو بعد، وبانتظار تطبيق الاستحقاقات الدستورية، أعلن وزير الاشغال العامة والنقل علي حمية، أن "ملف رفع الركام دخل مرحلة التنفيذ، بعد إقرار دفتر الشروط والتعاميم الصادرة عن رئيس الحكومة في إجتماع 17 كانون الأول 2024. وقد وافقت الحكومة على تحويل اعتمادات لكل من اتحاد بلديات الضاحية والهيئة العليا للإغاثة ومجلس الجنوب، بقيمة 900 مليار ليرة لكل جهة (30 مليون دولار للجهات الثلاثة)، للبدء بعملية رفع الأنقاض ومسح الأضرار في كل لبنان. وقد حضّرت هيئة الشراء العام دفتر شروط رفع الانقاض على نسختين، بحسب رئيس الهيئة جان علّيّه.
الاولى، دفتر شروط المناقصة العمومية، الذي يمثل القاعدة المفترض ان تُنفَّذ دائماً.
الثانية، دفتر الشروط الرضائي للحالات الاستثنائية جداً، في حال كان تحت الانقاض جثامين شهداء، أو إن كانت الانقاض تعيق إصلاح بنية تحتية وتعرقل حصول السكان على الخدمات الاساسية من مياه وطاقة.
وعما إذا كانت عمليات إزالة الانقاض قد بدأت فعليا، وتسير وفق الشروط والمعايير، لفت علّيّه إلى أن "من السابق لأوانه إعطاء نتيجة بالتدقيق، ونتابع على الموقع الالكتروني لهيئة الشراء العام نشر الاعلانات لمناقصات وأخرى لاتفاقيات رضائية ولكن الصورة الكاملة تتطلب وقتا كافيا لكي تتوضح."
إذاً من أصل خسائر بقيمة 7 مليارات دولار، بحسب أقل التقديرات، لم يرصد لغاية الان إلا 30 مليون دولار لعملية رفع الانقاض. وعدا عن محدودية المبلغ، فان العملية قد تواجه العديد من التحديات المتعلقة بالمهام المطلوبة من المتعهد من تكسير وتدعيم وفرم وفرز ونقل ضمن وقت محدد مقابل التسديد بالليرة اللبنانية. وبالنظر إلى التجارب السابقة بين المقاولين والدولة فمن المتوقع أن لا تنجز العملية بالسلاسة المتوخاة أو المطلوبة.
في المقال المقبل، سنسلط الضوء على المخاوف من تعدّد الجهات المعنية باعادة الاعمار، والوقت الذي ستطلبه العملية، وعن دور لجنة الطوارئ في الحكومة اللبنانية التي تولت خلال الحرب تنسيق المساعدات بين الخارج والداخل.