بعد مئة عام على استضافتها الألعاب الأولمبّيّة، تستعدّ فرنسا اليوم ومعها عاصمتها باريس لإطلاق التعداد التنازليّ لأبرز حدث رياضيّ في العالم، باريس 2024 من 26 تموز 2024 إلى 11 آب 2024 والّتي تريد منه فرنسا أن يكون خريطة طريق جديدة لها تتعدّى برسالتها الرياضيّة والسياحيّة والاقتصاديّة نحو مفهوم لعالم جديد.
فدورة الألعاب الأولمبّيّة الصيفيّة 2024 في باريس، لن تكون محصورة سوى كعنوان في باريس بل ستمتدّ إلى كلّ فرنسا ومعها تاهيتي في رسالة أرادتها فرنسا لكلّ من تناسى أنّها دولة عظمة لها امتدادات في أقاصي العالم.
فسيكون داخل ألعاب باريس 2024 ما مجموعه 35 منشأة، إلى جانب 14 موقعاً ستحتضن 24 رياضة أولمبّيّة تقع كلّها ضمن 10 كلم من القرية الأولمبّيّة. وستجري الألعاب في مواقع عدّة حول باريس على غرار لي-زيفلين، أو-دو-سان، سان-ايه-مارن، وسان-سان-دوني. غير أنّ الألعاب الأولمبّيّة باريس 2024 ستّتسع لتشمل الكثير من المناطق الأخرى في فرنسا، حيث ستلعب بطولة كرة القدم في ستّ مدن أخرى (بوردو، نانت، ليون، سانت-إتيان، نيس ومارسيليا)، بينما ستقام منافسات القوارب الشراعيّة في مارسيليا، وتجرى منافسات ركوب الأمواج في موقع تياهوبو في تاهيتي على بعد آلاف الكيلومترات من العاصمة الفرنسيّة.
ومقابل كلّ استعدادات فرنسا لتجعل من نسخة ألعاب باريس 2024 النسخة الأجمل في تاريخ تلك الألعاب يخشى المراقبون أن تنعكس الظروف الداخليّة في فرنسا وأوروبّا على هذا الحدث.
ومن هذا المنطلق، سيواجه منظّمو أولمبياد باريس 2024 والحكومة الفرنسيّة ملفّات ساخنة وسط مخاوف مرتبطة بالأوضاع الاجتماعيّة الداخليّة، والمماطلة حول مشاركة الروس من عدمها والتخوّف من تهديدات قضائيّة بحقّ اللجنة المنظّمة. فاللجنة الأولمبّيّة الدوليّة لن ترسل إلى اليوم بطاقات دعوة لمشاركة رياضيّين من روسيا أو بيلّاروسيا، بل ستتطرّق للموضوع في الوقت المناسب.
لكنّ اللجنة المنظّمة تخشى أن تعود مقاطعة دول ورياضيّين بالمقابل للألعاب كما حدث في كلّ من أولمبياد موسكو في عام 1980 وأولمبياد لوس أنجيلوس في عام 1984 مع مقاطعة الولايات المتّحدة لألعاب موسكو ودول الاتّحاد السوفياتيّ لألعاب لوس انجيلوس وتترك بصمة سوداء شابت المفهوم الرياضيّ ورسالة السلام الّتي هي أساس انطلاق تلك الألعاب في أثينا في اليونان، لذلك أوصت الاتّحادات الرياضيّة الدوليّة بإعادة دمج الرياضيّين الروس والبيلاروس، شرط عدم دعمهم الحرب المندلعة في أوكرانيا. وكان وزير الرياضة والسياحة البولّنديّ حذّر من أنّ 40 دولة قد تقاطع الألعاب الأولمبّيّة في باريس، إذا دُعي إليها رياضيّون من روسيا أو حتّى بيلّاروسيا.
ويبقى أنّ الأزمة الاقتصاديّة في فرنسا تهدّد أيضاً مسار تلك الألعاب، حيث تناولت الصّحف البريطانيّة في الساعات الأخيرة تقارير عن انتقادات للرئيس الفرنسيّ إيمانويل ماكرون بمحاولات لطرد اللاجئين والمهاجرين من باريس استعداداً لدورة الألعاب الأولمبّيّة 2024، وتضيف التقارير الصحافيّة أنّ حكومة الرئيس ماكرون تريد نقل ما لا يقلّ عن 3600 شخص بلا مأوى، غالبيّتهم العظمى من المهاجرين، بعيداً من العاصمة تحت حجة منحهم حياة أفضل في الأقاليم، لكنّ الخطّة تثير القلق والغضب من التمييز البشريّ والدينيّ وانعكاس ذلك مجدّداً على الشارع الفرنسيّ.
ما هو أكيد أنّ فرنسا تضع كلّ إمكاناتها قبل عام من الحدث كي يعود دورها الرائد كما كان عند استضافتها لأولمبياد 1924 كجامع لكلّ دول العالم، فتعود إلى مركزها التاريخيّ بين كبار الدول أصحاب القرار في العالم.