بسرعة لم تكن متوقعة، بدأ الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترامب ترشيح شخصيات كاملة الولاء له في المناصب الحكومية. وقد رشّح إلى الآن شخصيات محافظة لملء ثمانية عشر منصبا من أصل ستة وعشرين بدرجة وزير. وحين سيبدأ ولايته الثانية سيكون عليه ملءُ نحو أربعة آلاف منصب رفيع في الإدارة، يحتاج أكثر من ألف منصب منها إلى موافقة مجلس الشيوخ.

تسلح ترامب بما سمّاه "وكالة" منحه إياها الناخبون لترشيح أشدّ أنصاره ولاء لمناصب قال إنه من خلالها يريد أن يغيّر طريقة عمل واشنطن. وإذا كان العرف أن يتعاون مجلس الشيوخ مع الرئيس المنتخب ويقبل بمرشحيه، فإن المجلس قد يقرر حجب الثقة عن مرشح ما لأسباب تتصل إما بـ (سوء) سمعته أو بعدم كفاءته للمنصب.

ما يفسّر سرعة ترامب في إعلان مرشحيه أنه يعتبر الحزب الجمهوري تابعا كليا له، باعتبار أنه انتصر بالتصويت الشعبي وتصويت المجمع الانتخابي، وأعاد الأغلبية الجمهورية إلى مجلس الشيوخ وحافظ على الأغلبية في مجلس النواب. وقد نجح ترامب في إعادة تشكيل الحزب على صورته ومثاله منذ انتخابه رئيسا قبل ثماني سنوات. فمعارضوه خرجوا من الحزب إما طوعا أو خسروا أمام مرشحين يدعمهم. أما المعارضون الذين بقوا فيعرفون حجم معارضتهم وأن عليهم أن يختاروا معاركهم معه، وقد يكون مجلس الشيوخ ساحة معركة.

ما ظهر في الترشيحات التي أعلنها ترامب لمناصب أساسية في الإدارة، لا سيّما تلك المتعلّقة بالأمن القومي أنه لم يُقِمْ وزنا كبيرا للخبرة والسيرة الحسنة رغم مغرفته أن التعيينات تحتاج إلى موافقة مجلس الشيوخ. بل رشح مَن يثق أنهم لن يقولوا له لا. أبرزهم النائب الجمهوري عن ولاية فلوريدا مات غيتز Matt Gaetz المرشّح لمنصب المدّعي العام (وزير العدل) ومقدّم برنامج على شبكة فوكس الإخبارية في نهاية الأسبوع بيت هِغسِثPete Hegseth المرشح لوزارة الدفاع، وتولسي غابارد النائبة الديمقراطية السابقة التي تحوّلت إلى نصيرة لترامب والمرشحة لمنصب مديرة الاستخبارات الوطنية وجون راتكليف المرشح لإدارة وكالة الاستخبارات المركزية.

مصدر انزعاج بعض الأعضاء الجمهوريين المؤثّرين في مجلس الشيوخ هو قلة الخبرة والسمعة الشخصة السيئة لبعض المرشحين. فغيتز خضع لتحقيق أجرته وزارة العدل في ارتكابه اعتداءات جنسية وترويج الدعارة وتعاطي المخدرات وممارسة الجنس مع قاصرة. ورغم الأدلة المجموعة امتنعت الوزارة عن الادّعاء عليه، لكن لجنة الأخلاق في مجلس النواب أجرت تحقيقا موسعا آخر وكان يفترض إعلان نتائجه آخر الأسبوع الفائت، لكن غيتز استقال من مجلس النواب قبل ذلك بيومين، عقب إعلان ترشيحه، ثم أعلن انسحابه من ترشيحه لوزارة العدل يوم الخميس الفائت بعدما أعلمه ترامب بأنه لن يحصل على الأصوات الكافية في مجلس الشيوخ.

قلة الخبرة تخيف أيضاً أعضاء لجنة الاستخبارات في مجلس الشيوخ.

لم ينتظر ترامب طويلاً فرشّح للمنصب بام بوندي Pam Bondi التي شغلت منصب المدّعي العام لولاية فلوريدا سنوات طويلة وكانت عضوا في فريق الدفاع عنه في جلسات مجلس النواب لعزله.

بانسحاب غيتز انتقلت الأضواء إلى هِغسِث. حين رشّحه ترامب وزيرا للدفاع، كشفت التحقيقات الصحافية شكوى عليه من امرأة عليه تتهمه بالاعتداء الجنسي. يقول محاميه إنه اشترى سكوت تلك المرأة خوفا من أن يؤدّي انتشار الخبر إلى طرده من فوكس. ومنذ يومين انتشر في وسائل الإعلام تقرير للشرطة يفصّل ما نُسِب إلى هغسث الذي لا يزال إلى الآن بؤكد براءته. وليس معروفا بعد إن كان قادرا على جمع الأصوات اللازمة لتثبيته وزيرا للدفاع.

النقطة الأخرى التي تؤرّق الجمهوريين في لجنة القوات المسلحة في مجلس الشيوخ هي قلة خبرة هغسث في إدارة مؤسسات كبيرة، خصوصاً أن وزارة الدفاع تضم أكثر من ثلاثة ملايين شخصا بين مدنيين وعسكريين موزعين على مختلف أرجاء الكوكب. فهو يحمل شهادة في السياسة العامة من جامعة هارفارد وشارك في الحرب في أفغانسان والعراق كضابط برتبة رائد في الحرس الوطني، ثم عمل في موكس نيوز.

قلة الخبرة تخيف أيضاً أعضاء لجنة الاستخبارات في مجلس الشيوخ. فالمرشحة لمنصب مدير الاستخبارات الوطنية Tulsi Gabbard ستكون واجهة وكالات الاستخبارات الفدرالية الست عشرة لدى ترامب وهي التي ستقدّم له التقرير اليومي الصباحي عما يجري في العالم ويقول عدد من الشيوخ الجمهوريين إن لا خبرة لها على الإطلاق في شؤون الاستخبارات.

مرشح آخر مثير للجدل هو روبرت كينيدي الإبن المرشح لتولّي وزارة الصحة. وإذا تركنا حياته الشخصية جانبا، يبقى موقفه من عدة قضايا صحية، كالتلقيح مثلا، مثيرا للجدل. وكذلك علاقته بالشركات الكبرى للإنتاج الغذائي. وأكثر ما يأخذ عليه منتقدوه أن أراءه لا تستند إلى الوقائع العلمية.

وتوقّع عضو جمهوري بارز في مجلس الشيوخ أن تشهد جلسات تثبيت بعض المرشحين مواجهة مع البيت الأبيض.