مرة جديدة تسقط الإدارة الضريبية في فخ احتساب نفس الضريبة على أكثر من سعر للصرف. فالهمّ على ما يظهر لا يزال محصوراً بتأمين الواردات لتغطية الزيادة على الرواتب والأجور مرحلياً، ولو أدّت إلى نتائج بالغة الخطورة مستقبلياً.   

في 18 نيسان 2023، أقرّت حكومة تصريف الأعمال المرسوم 11230. وقد عدّلت بموجبه المرسوم 7308 الصادر في العام 2002، والمتعلق بتحديد طريقة استحقاق الضريبة على القيمة المضافة وأسس فرضها. فعدّلت المادة 18 التي نصّت، بتصرّف، على أنّه في حال كان ثمن السّلعة محدّداً بعملة أجنبية، يحوّل هذا المبلغ إلى الليرة اللبنانية وفقاً لسعر الصّرف الرّسمي المعتمد بتاريخ اتمام العملية. وأصبحت على الشكل التالي: "يعتمد سعر صرف الدولار الأميركي الذي يحدّد بقرار مشترك بين وزير المالية وحاكم مصرف لبنان لاستيفاء الرسوم الجمركية، وأيضاً للضريبة على القيمة المضافة وسائر الرسوم التي تفرض عند الاستيراد".

ثلاثة أسعار لاحتساب TVA

بناءً على هذا التعديل أصبحت الضريبة على القيمة المضافة TVA تقتطع بناء على ثلاثة أسعار صرف:

- الأول، سعر الاستيراد، ويحدّده وزير المالية بالتعاون مع حاكم مصرف لبنان. وقد حدّد حالياً بـ 60 ألف ليرة. وللمثل: فلنفترض أنّ تاجراً استورد سلعة من الخارج بقيمة دولار واحد، فيدفع عليها ضريبة على القيمة المضافة بنسبة 11 في المئة على أساس أنّ ثمنها 60 ألف ليرة.

- الثاني، يطبّق على عمليات البيع والشراء بين التجار والشركات، وقد حدّد على أساس سعر منصة صيرفة أي 86500 ليرة. وعليه فإنّ تاجر الجملة الذي سيشتري السلعة بسعر 1 دولار من المستورد سيحتسب الضريبة على القيمة المضافة عليها على أساس أنّ ثمنها 86500 ليرة.

- الثالث، وهو السعر الذي يوضع على عمليات البيع بالتجزئة ويدفعه المستهلك النهائي، وقد حدّد على أساس سعر الصّرف في السوق الموازية أي 96 ألف ليرة راهناً. وبالتّالي فإنّ المستهلك سيدفع الـ TVA على السلعة بقيمة 1 دولار على أساس أنّ ثمنها 97200 ليرة.

إرباكات محاسبية

هذا التفاوت في احتساب سعر الصّرف للضريبة على القيمة المضافة يخلق فرقاً شاسعاً بين الإيرادات والنفقات مثل الرواتب، التي ما زالت تحتسب على أساس سعر الصّرف الرّسمي المحدّد من قبل مصرف لبنان بـ 15 ألف ليرة"، يقول نديم ضاهر المدير التنفيذي لمكتب التدقيق ضاهر وشركاه. وهذه مشكلة قديمة جديدة تضاف على مشاكل القطاع الخاص في ظل الأزمة التي يمرّ بها.

استمرار التخبّط الضريبي

جذور هذه الفوضى الضريبية "تعود إلى 31 كانون الأول من العام 2020، تاريخ إصدار القرار 893، الذي حدد بموجبه أصول تسجيل العمليات التجارية وعناصر الأصول والخصوم التي تتأثر قيمتها بتقلّبات أسعار العملات الأجنبية في السجلات المحاسبية"، يقول خبير المحاسبة المجاز والعضو في "جمعية مدراء مؤهلون لمكافحة الفساد"، الاستاذ جوزف متّى. و"ذلك بتكلفة الحصول عليها بالليرة اللبنانية وفقاً للقيمة الفعلية للعملية بتاريخ الحصول على تلك الأصول. وتعتمد تلك القيمة عند وقف الحسابات ويتم استهلاكها على هذا الأساس، مع وضع آليات تفصيلية للمقبوضات أو المدفوعات بواسطة الشيكات المصرفية أو نقداً، على أن تقفل أرصدة الحسابات الجارية الممسوكة بالعملات الأجنبية على أساس سعر الصّرف الرّسمي، وترحّل فروقات الصّرف السلبية أو الإيجابية الناتجة عن العمليات التي نفّذت كلياً إلى حساب النتيجة. أمّا الفروقات على العمليات التي لم تنجز كلياً فيتم إظهارها في جانبي الميزانية ضمن حساب فروقات صرف أصول أو فروقات صرف خصوم، واستثناء العمليات المالية التي تقوم بها المصارف والمؤسسات المالية ومؤسسات الوساطة المالية".

المراجعات مجمدة

وبحكم دورها وغاية وجودها، تقدّمت جمعية "مدراء مؤهلون لمكافحة الفساد" بمراجعة لدى مجلس شورى الدولة بتاريخ 31 أذار من العام 2021 اعتبرت فيه أنّ الإدارة الضريبية قد تجاوزت حدّ السلطة. وأنّ هذا القرار قد صدر خلافاً للانتظام العام وللدستور وللأصول الجوهرية المنصوص عليها في القوانين والأنظمة، واتخذ غاية غير الغاية التي من أجلها خول القانون السلطة المختصّة حق اتخاذها. وطلبت الجمعية في متن المراجعة اتخاذ القرار العاجل في غرفة المذاكرة بوقف تنفيذه نظراً لجدّية المراجعة، ولجسامة الضرر اللاحق بالمال العام، ولمخالفته المعايير الدولية للمحاسبة رقم 21 و29 و39 المعتمدة في لبنان، والمتعلّقة بتسجيل آثار التغييرات في أسعار صرف العملات الأجنبية على القوائم المالية وكيفية الاعتراف والقياس والافصاح عن الموجودات والمطلوبات المالية للمنشأة.

كما كان للعديد من الخبراء الاقتصاديين والهيئات الاقتصادية والنقابات المهنية المختصة، المواقف الرافضة لهذا القرار. وطالبت بالعودة عن القرار، مع تحديد الأضرار اللاحقة والناتجة عنه، على صعيد حضور لبنان في الاقتصاد العالمي أو في المنظمات المهنية الدولية، وتأثيرها على مستقبل الشركات الكبرى العابرة للحدود في ظلّ عدم وصول المراجعة إلى خواتيمها القضائية النهائية، للفصل بها وإحقاق الحق وتصويب مسار الإدارة الضريبية.

وبعد مرور السنتين والنيف على التخبّط المالي في أسعار سعر الصرف وتعدّده الذي شكّل ظاهرة غريبة لم يمرّ بها أي بلد في العالم، "استفاق مجلس وزراء تصريف الأعمال على تمرير المرسوم 11230 في جلسته الأخيرة التي انعقدت بتاريخ 27 نيسان 2023"، يقول متى. بحيث أقدم على تعديل المادة 18 من المرسوم 7308 لجهة تحديد كيفية احتساب سعر الصرف للعملات الأجنبية عبر الإنتقال من سعر الصّرف الرّسمي المعتمد في مصرف لبنان إلى سعر منصة صيرفة". وهذه مخالفة جسيمة.

بين التطبيق والتنظير

أمام كل هذه الإرباكات التي تسبّبها الإدارة الضريبية للمؤسسات الشرعية، والأكلاف الإضافية التي تحمّلُها للمواطنين، يظهر أنّ "نسبة التّهرب من الضريبة على القيمة المضافة تبلغ 50 في المئة"، بحسب وزير سابق. وحتى إذا عدنا عشر سنوات إلى الوراء لوجدنا مثلاً أنّ أكثر من 80 في المئة من المطاعم غير مسجّلة في الضريبة على القيمة المضافة. والحجّة تكون أن نسبة حجم الأعمال أو الدوران turn over تقلّ عن 150 مليون ليرة لبنانية، 100 ألف دولار في وقتها. من دون وجود أي رقابة جدّيّة ودقيقة تؤكّد أو تنفي صحّة ما تدّعيه هذه الشركات. أمّا بالنسبة لبقية القطاعات فإنّ مؤسساتها تتهرّب من الضريبة على القيمة المضافة من خلال إصدار الفواتير المخفّضة، وأيضا تخفيض الكمّيات الخاضعة للرسوم والضرائب. وإمّا من خلال تحميلها للمستهلك النهائي وعدم تسديدها للدولة. وبرأيه فإن التهرّب من TVA أصبح مهنة وهناك شركات متخصصة بالمضاربة من خلال عدم دفعها الضريبة على القيمة الضافة، وهي تستقطب الزبائن الذين يفضّلون عدم الحصول على فاتورة رسمية عن مشترياتهم. ذلك مع العلم أن ضبط الضريبة على القيمة المضافة يمثّل مصادر الايرادات الضريبية تلقائياً. وعليه إذا كانت الإدارة الضريبية غير قادرة على ضبط الضريبة على القيمة المضافة نتيجة لأي سبب من الأسباب، فلنلغيها مؤقتاً إلى حين تتفعل الرقابة ونزيد الرسوم الجمركية.

المؤسسات الخاضعة للـ TVA

ينصّ قانون الضريبة على القيمة المضافة أنّ كل مؤسسة يبلغ حجم أعمالها 150 مليون ليرة سنوياً ملزمة بالتسجيل بالـ TVA. بيد أنّ هذا الرقم الذي كان يشكّل 100 ألف دولار على سعر صرف 1500 ليرة، أصبح اليوم يعادل 1500 دولار سنوياً. وبالتالي من المفترض أن يشمل أصغر المؤسسات من فرن المناقيش وبسطة الشارع... وغيرها الكثير. وبالتالي يتم رفع الضرائب من جهة وإهمال ملاحقة المكلفين من جهة ثانية.

تشير مصادر مطّلعة أنّ قلّة من المشرّعين يميّزون بين الرسوم الجمركية والضريبة على القيمة المضافة، وهذه قمّة الخطورة. ففي حين تملك الحكومة تفويضاً من مجلس النواب للتشريع في الحقل الجمركي (ينتهي هذا العام)، فإنّه لا يحقّ لها إدخال أيّ تعديلات على الضريبة على القيمة المضافة الموضوعة بقانون، وأيّ تعديل عليها يتطلّب قانوناً يصدر من مجلس النواب. فهل من يلاحق؟