أعرب دونالد ترامب عن رغبته في فرض تعرفات جمركية تصل إلى 10% أو 20% على جميع الواردات، حسب طبيعة المنتجات، بل وحتى 60% على الواردات الصينية، و200% على السيارات القادمة من المكسيك. أوروبا وفرنسا في مرمى النيران... والحكومة الفرنسية قلقة من الآثار الانكماشية المحتملة. فما رأي الخبراء؟

يمكن للرئيس الأميركي أن يستغلّ بعض السلطات الاستثنائية في مجال التجارة الدولية. على سبيل المثال، تسمح المادة "301" الشهيرة للرئيس بفرض رسوم جمركية ضد الدول المتهمة بممارسات غير عادلة (كما يكرر ترامب). كما يمكنه فرض رسوم جمركية باسم الأمن القومي، وهو ما فعله ترامب خلال فترته الأولى. في عام 2022، صرحت منظمة التجارة العالمية أن سياسة ترامب الجمركية انتهكت التزامات الولايات المتحدة. ولكن منظمة التجارة العالمية لا تمتلك سلطة تنفيذية وتعمل فقط بناءً على حسن نية المشاركين فيها والرغبة المشتركة في تسهيل التجارة الدولية.

يعتبر ترامب أن العولمة ونظامها متعدد الأطراف، بما في ذلك منظمة التجارة العالمية، يضرّ بالمصالح الأميركية. لذلك، من غير المرجح أن يهتم بالأحكام الصادرة عن منظمة يراها جزءًا من المشكلة. هذا مجرد عرض من أعراض عدم الثقة بالعزلة الاقتصادية، وهو توجه أعمق وأشمل. بين سقوط النظام القاري النابليوني والحرب العالمية الأولى، شهد العالم ازدهارًا في التجارة الدولية، تلاه انكماش انعزالي في فترة ما بين الحربين. منذ عام 1945، وخاصة منذ التسعينيات، شهدنا نموًا كبيرًا في التجارة الدولية والعولمة. النمو الناتج كان هائلًا ولكنه غير متساوٍ، مما دفع البعض إلى التشكيك في النظام، وعلى رأسهم ترامب.

ترامب تعهد بالقضاء على التضخم. دفع الديمقراطيون ثمناً انتخابيًاً باهظًا بسبب ارتفاع الأسعار في عهد بايدن. ترامب وعد بخفض فواتير الطاقة إلى النصف في السنة الأولى من ولايته. هل هذه وعود انتخابية أم أنها قابلة للتحقيق؟

السياسة مليئة بالمفارقات! كملا هاريس دفعت ثمنًا انتخابيًا باهظًا بسبب ارتفاع الأسعار في الولايات المتحدة، رغم أن جو بايدن لم يكن مسؤولًا عن ذلك (سياسة "بايدنوميكس" هي قضية أخرى، لكنها ليست سبب التضخم). كما شرح لنا ميلتون فريدمان، التضخم دائمًا وأبدًا كظاهرة نقدية. أنفقت الحكومة الأميركية 5 تريليونات دولار للتصدي لجائحة كوفيد. نظرًا لأنّ الدين الفيدرالي كان مرتفعًا بالفعل، وزيادة الضرائب كانت مستحيلة سياسيًا، لجأت الحكومة إلى الاحتياطي الفيدرالي الذي قام بتمويل الدين وخلق 5 تريليونات دولار جديدة. التضخم (20% بين 2020 و2024) قد تفاقم بسبب الطلب بعد كوفيد ومشاكل سلاسل التوريد، لكنّه يعود أساسًا إلى هذه الكتلة النقدية الجديدة.

أمًا بالنسبة لأسعار الطاقة، فقد كان سعر برميل النفط 70 دولاراً في يناير 2017 عند بدء فترة ترامب الأولى. انخفض السعر خلال كوفيد ولكنّه عاد إلى 70 دولاراً في أبريل 2021. ثم ارتفع لمدة عامين لأسباب جيوسياسية قبل أن يستقر مجدداً عند 70 دولاراً. خفض فواتير الطاقة إلى النصف هو وعد انتخابي، والتضخم تم احتواؤه بالفعل. ومع ذلك، فإن ترامب يعتزم معالجة اللوائح التي تجعل الاقتصاد الأميركي أقل كفاءة مما يمكن أن يكون عليه.

نيكولاي وينزل

هل ستستمر الإدارة الأميركية الجديدة في قانون تخفيض التضخم، سياسة الدعم لجذب الشركات الأجنبية إلى الولايات المتحدة؟

قانون تخفيض التضخم لعام 2022 هو ببساطة قانون ميزانية، ولكن تم إعطاؤه اسمًا جذابًا لتحقيق نقاط سياسية. كان في جوهره إنفاقًا بيئيًا، ودعمًا موجهًا للطاقة المتجددة وتقليل الانبعاثات الكربونية، وهو موضوع لا يثير حماس ترامب كثيرًا. ومع ذلك، من المتوقع أن يواصل ترامب توجه بايدن نحو السياسة الصناعية الوطنية ودعم الإنتاج المحلي.

خلال فترته الأولى في عام 2017، خفض ترامب معدل ضريبة الشركات من 35% إلى 21% بموجب قانون تخفيض الضرائب وفرص العمل. هل يمكنه تخفيض المعدل إلى 15% لبعض الشركات خلال فترة ثانية؟

متوسط معدل ضريبة الشركات في دول منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية هو 24%، لذا فإن تخفيض المعدل الأميركي من 35% إلى 21% لم يكن غير معقول. علاوة على ذلك، فإن ضريبة الشركات تمثل فقط 5% من إجمالي الإيرادات الفيدرالية. لذا، فإن إزالة هذه العقبة الإضافية أمام النمو الاقتصادي الأميركي يتماشى مع استراتيجية أوسع لدفع عجلة الاقتصاد الأميركي، الذي يتفوق بالفعل على متوسط منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية في النمو.

ومع ذلك، فإن التحدي الحقيقي يكمن في الإنفاق العام. الدين الفيدرالي الأميركي يتجاوز 120% من الناتج المحلي الإجمالي، والمدفوعات على الفوائد تمثل 11% من الميزانية الفيدرالية. خفض الضرائب يوفر الأكسجين للاقتصاد، ولكن يجب أيضًا تقليص الإنفاق العام.

إيلون ماسك، الذي عُين في حكومة ترامب المستقبلية كوزير "للكفاءة الحكومية"... هل يمكن إدارة الدولة مثل شركة؟

لا، لا يمكن إدارة الدولة مثل شركة، لأن الدولة ليست خاضعة لانضباط السوق. التحدي في الإدارة العامة يكمن في تعزيز المصلحة العامة ومعالجة إخفاقات السوق دون إهدار الموارد. يبلغ الإنفاق الفيدرالي حوالي 6 تريليونات دولار سنويًا (13% للدفاع، 11% فوائد على الدين، و60% للمساعدات الاجتماعية). يمثل الإنفاق الحكومي الفيدرالي 23% من الاقتصاد، إضافة إلى 13% تنفقها الولايات والبلديات و10% من الناتج المحلي الإجمالي تُنفق سنويًا للامتثال للوائح الفيدرالية.

سنرى كيف سيتطور المرشح ترامب ليصبح الرئيس ترامب. يريد خفض ضرائب الدخل، ولكنه أيضًاً يريد زيادة الضرائب على الاستهلاك (الرسوم الجمركية). يريد تقليص حجم الحكومة الفيدرالية ولكنه لم يعالج الدين أو الإنفاق خلال ولايته الأولى. نأمل أن يقدم إيلون ماسك وفيفيك راماسوامي، كوزيرين جديدين للكفاءة الحكومية، تخفيضات حقيقية في الإنفاق العام.

(*) نيكولاي وينزل هو أستاذ جامعي في جامعة لاس هيسبيريديس (إسبانيا) ومدير برنامج الماجستير في الاقتصاد هناك. هو زميل بارز في معهد الأبحاث الاقتصادية الأميريكي في ماساتشوستس، وعضو في الأكاديمية بمعهد البحوث الاقتصادية والمالية في باريس وعضو في جمعية مونت بيليغرين.