الصفا
عند وقوع هزة أرضية أو زلزال مهما يكن حجمه يحضر فوراً إسم ريختر، ويبدأ الحديث عن قوة الزلزال وقدرته التدميرية ومركزه، ولكن من هو ريختر وما هي قصة هذا المقياس؟
تشارلز فرانسيس ريختر، مخترع قياس قوة الزلازل الذي سمي باسمه ولا يزال مستخدماً حتى يومنا هذا. ولد عام 1900 في إحدى مدن ولاية أوهايو، قبل أن ينتقل مع عائلته إلى لوس أنجلوس، حيث التحق بعد تخرجه من مدرسة لوس أنجلوس الثانوية بجامعة ستانفورد وحصل على شهادته الجامعية في عام 1920، وبعدها انتقل إلى متابعة الدكتوراه في العام 1928 في الفيزياء النظرية من معهد كاليفورنيا للتكنولوجيا. كان مهتما بعلم الزلازل والأمواج، عمل بداية في مختبر الزلازل في مدينة باسادينا في ولاية كاليفورنيا تحت إشراف عالم زلازل الماني-أميركي بينو غوتنبرغ، حيث طورا معاً عام 1932 مقياسًا للأحجام النسبية لمصادر الزلازل سُمي مقياس ريختر نظراً لأن غوتنبرغ كان يكره الأضواء والمقابلات. في العام 1937 عاد ريختر إلى معهد كاليفورنيا للتكنولوجيا حيث أمضى بقية حياته المهنية، كأستاذ علم الزلازل، وتوفي ريختر عام 1985.
جاء المقياس تلبية حاجة، حيث كان معهد كاليفورنيا للتكنولوجيا يرغب بنشر تقارير منتظمة عن الزلازل، وكان بحاجة كبيرة لنظام قياس قوة الزلازل لإنجاز هذه التقارير. فصمم ريختر وغوتنبرغ جهاز قياس الزلازل ووضعا مقياساً لوغاريتمياً لقياس قوتها، وهو يعتمد على قياس كمية إزاحة الأرض بواسطة الموجات الزلزالية. وتبنّى علماء الزلازل المقياس بعد نشره في العام 1935 لاستخدامه في قياس شدة الزلازل.
ونشر ريختر في العام 1958 كتاب علم الزلازل الأساسي بناءً على ملاحظاته التدريسية الجامعية. أمضى ريختر عامي 1959 و1960 في اليابان كباحث في برنامج فولبرايت. وانخرط في مجال هندسة الزلازل من خلال تطوير قوانين البناء للمناطق المعرضة للزلازل. وأزالت حكومة مدينة لوس أنجلوس العديد من الزخارف والبروزات من المباني في الستينيات نتيجة لحملات التوعية التي قام بها ريختر.
قبل مقياس ريختر كانت الطريقة الوحيدة لتقييم قوة الزلازل هي مقياس طوره الكاهن والجيولوجي الإيطالي جوسيب ميركالي في عام 1902. ويصنف الزلازل من المرحلة الأولى إلى الثانية عشرة اعتمادًا على كيفية استجابة المباني والناس للهزة.
عدد درجات مقياس ريختر
[caption id="attachment_4143" align="aligncenter" width="1024"] تخلّف الزلازل دماراً هائلاً خصوصاً في المدن المكتظة[/caption]
ويبلغ عدد درجات مقياس ريختر 10 درجات، ويتدرج من صفر إلى عشرة، ومقياس ريختر يقيس قوة الزلازل، عن طريق تحديد أكبر موجة زلزالية تم رصدها، تم تصميم مقياس ريختر لقياس الزلازل التي تتراوح قوتها من 3 إلى 7 درجات، على أن المقياس تم تطويره لاحقاً لقياس الزلازل الأقوى.
وتتوزع درجات مقياس ريختر للزلازل على الشكل التالي:
1- أقل من 2.0 دقيق، لا يشعر به أحد.
2- 2.0 إلى 2.9 صغير، لا يشعر به أحد، ولكن يتم رصده.
3- 3.0 إلى 3.9، صغير، يشعر به الناس، ولكنه لا يسبب أضرارًا في العادة.
4- 4.0 إلى 4.9 خفيف، يتسبب في حركة الأشياء، ولكنه لا يسبب أضرارًا جسيمة.
5- 5.0 إلى 5.9 متوسط، يتسبب بأضرار في المباني الضعيفة، ولكنه لا يؤثر على المباني المبنية بشكل جيد.
6- 6.0 إلى 6.9 قوي، قد يكون مدمر، ويصل تأثيره إلى 160 كيلومتر في المناطق المسكونة.
7- 7.0 إلى 7.9 كبير، قد يتسبب بمخاطر كبيرة لمساحات كبيرة.
8- 8.0 إلى 8.9 عظيم، قد يتسبب بأضرار كبيرة لمساحات تصل إلى عدة أميال.
9- 9.0 إلى 9.9 مدمر، يدمر مساحات تصل إلى آلاف الأميال.
10- 10.0 لم تُسجل بعد.
جهاز قياس الزلازل
[caption id="attachment_4136" align="aligncenter" width="1024"] جهاز السيزموغراف[/caption]يتمّ رصد وتسجيل الزلازل باستخدام جهاز خاص يُسمى السيزموغراف (Seismograph) ، ويتكوّن من كتلة مُعلّقة على قاعدة ثابتة، وعند حدوث الزلزال تتحرك هذه القاعدة مع حركة الأرض ولكن تبقى الكتلة ثابتة، ويتم تسجيل تلك الحركة على مادة معينة كالورق، أو الأشرطة المُمغنطة، أو غيرها من المواد، والجدير بالذكر أنّ عملية التسجيل هذه نسبية لحركة الكتلة المُعلّقة بالنسبة للأرض، وللحصول على قياسات تتعلق بالحركة المُطلقة للأرض يتمّ تحويل التسجيلات السابقة إلى حسابات رياضيّة.
ويتمّ تثبيت أجهزة السيزموغراف في الأرض حول العالم وتعمل كجزء من شبكة رصد الزلازل، ويتكون جهاز السيزموغراف من جزئين أساسيين، وهما:
- السيزموميتر (Seismometer) وهو الجزء الداخلي للسيزموغراف، وهو عبارة عن كتلة أو رقّاص معلّق بنابض.
- السيزموغرام (Seismogram) وهو جهاز تسجيل حركة الأرض، ويتكوّن من محورين، وهما: المحور الأفقي لقياس الوقت بالثواني، والمحور العمودي لقياس إزاحة الأرض، وعادة تُقاس بوحدة المليمتر.
آلية عمل جهاز قياس الزلازل
يتمّ حالياً تسجيل الهزات الأرضية بشكل إلكتروني والاحتفاظ بالبيانات الرقميّة، لكن في السابق كان يتمّ تسجيلها على الورق، حيث كان يتمّ تثبيت جهاز السيزموغراف على سطح الأرض بشكل صحيح، وعند حدوث أي هزّة أرضيّة فإنّ جهاز السيزموغراف بأكمله سيهتز باستثناء الكتلة المعلّقة بالنابض التي تبقى ثابتة تقريباً في مكانها بسبب تعرّضها للقصور الذاتي، ثمّ يسجل السيزموغرام الحركة النسبيّة بين الكتلة الثابتة وبقية أجزاء الجهاز ويُعدّ هذا التسجيل هو حركة الأرض.
وعند حدوث الزلزال ينتج جهاز السيزموغراف بيانات الموجات الزلزاليّة التي يُسجلها السيزموغرام على شكل رسم يشبه الرسم البيانيّ، وتحدد هذه البيانات قوّة الزلزال، ومُدّة استمراره، وعن بعده عن جهاز الرصد، كما تحدد مقدار وحجم الزلزال من خلال سعة الموجة التي يتمّ رصدها.
الفرق بين الزلزال والهزة
الزلزال هو نفسه الهزة الأرضية، وهو أيّ اهتزاز مفاجئ للأرض ناتج عن مرور الموجات الزلزالية عبر صخور الأرض، وتنتج هذه الموجات الزلزالية عندما يتمّ إطلاق شكل من أشكال الطاقة المخزنة في قشرة الأرض. وتحدث الزلازل غالبًا على طول الصدوع -مناطق ضيقة تتحرك فيها كتل الصخور بالنسبة لبعضها البعض- وتقع خطوط الصدع الرئيسية في العالم على أطراف الصفائح التكتونية الضخمة التي تُشكل قشرة الأرض.
أما الهزة الارتدادية فهي سلسلة من الزلازل الصغيرة التي تحدث بعد حدوث الزلزال الكبير على حدود الصدوع، ويُمكن أن تستمر الهزات الارتدادية على مدار أسابيع، وتصبح أقل تواترًا وتتناقص مع مرور الوقت. وتنتج الهزة الارتدادية عن التغيير المفاجئ في الإجهاد الذي يحدث داخل وبين الصخور، أو بسبب التحرير السابق للضغط الناجم عن الزلزال الرئيسي. ويبقى أنّ شدة الاهتزاز المرتبطة بمعظم الهزات الارتدادية صغيرة مقارنة بتلك التي حدثت في الزلزال الرئيسي.
الزلازل والتسونامي
[caption id="attachment_4140" align="aligncenter" width="1024"] تسونامي تقترب من الساحل[/caption]تُعتبر الزلازل المسبّب الرئيسي لنشوء أغلب أحداث التسونامي حول العالم. فعند حدوث الزلازل في عمق البحار والمحيطات نتيجة لتحرك الصفائح التكتونية في القشرة الأرضية باتجاه بعضها البعض فإن كميات كبيرة من المياه ترتفع إلى الأعلى لتؤدي في بعض الأحيان إلى حدوث التسونامي. مع العلم أنه ليس بالضرورة أن يؤدي كل زلزال يقع إلى توليد التسونامي، والتي ليست بالضرورة أن تُعد دائما مُدمرة وذات تأثير كبير.
ويعود أصل تسمية التسونامي (Tsunami) إلى اللغة اليابانية، وتعني أمواج المرفأ، وهي عبارة عن مجموعة من الأمواج الهائلة والقوية جداً والتي تنتج من تحرُك كمية هائلة من مياه المحيطات بفعل بعض الظواهر والأحداث المفاجئة كالزلازل. ويمكن لأمواج التسونامي أن تبلغ سرعات عالية تصل إلى 950كم في الساعة الواحدة.
هل من فوائد للزلازل؟
من الآثار الإيجابية للزلازل أنها تشكل ينابيع طبيعية وبنتيجتها تتكون الصدوع. يتأثر التدفق الجوفي للمياه والنفط والغاز الطبيعي بالزلازل التي بفضلها تنشأ قنوات السوائل تحت الأرض التي يمكن إما أن تتسرب إلى عمق الأرض أو تطفو على السطح مثل الينابيع. وحين تتحلل المواد الصخرية الموجودة على طول الصدوع قد تظهر الوديان، وسلاسل جبلية. فأثناء الزلازل، ترتفع الأرض وتنكسر وتتصدع. تؤدي هذه العمليات إلى تكوين التلال والمدرجات الساحلية وسلاسل الجبال.
وتوفر الزلازل فرصة لمراقبة باطن الأرض، ويمكن أن تساعدنا الموجات الزلزالية في معرفة ما يحدث تحت السطح. فالهزات حول البراكين، على سبيل المثال، تشير إلى أنها على وشك الانفجار. كما يمكننا رسم خريطة للبنية الداخلية للأرض عن طريق قياس الوقت الذي تستغرقه الموجات الزلزالية لتنتقل خلالها.
يمكن أن تتسبب الزلازل في تحول وتشقق قشرة الأرض، مما يؤدي إلى تعريض الرواسب المعدنية التي كان يتعذر الوصول إليها سابقًا والتي يمكن تعدينها لتحقيق فوائد اقتصادية.
تعزز الزلازل النشاط الحراري الأرضي عن طريق إنشاء مسارات جديدة للمياه الساخنة والبخار للوصول إلى السطح، مما يوفر مصدرًا للطاقة المتجددة. تساهم الزلازل أيضًا في تحسين خصوبة التربة عن طريق تفتيت التربة الصلبة والسماح للمياه والمغذيات بالتغلغل في عمق الأرض، مما يوفر ظروفًا أفضل لنمو المحاصيل.
تؤدي الزلازل في قاع البحر إلى خلق عالم جديد لآلاف الأنواع من النباتات والحيوانات، والتي تلعب بدورها أدوارًا مهمة في النظام البيئي البشري من خلال القيام بأشياء مثل امتصاص ثاني أكسيد الكربون وإطلاق الأكسجين من خلال عملية التمثيل الضوئي. من دون الحركة التي تسمح بالزلازل، لا يمكن أن يحدث أي من هذا على الارض.