في انتظار تبلور ردود محور المقاومة منفردة أو موحّدة على الاغتيالات الإسرائيلية الأخيرة تضجّ الأوساط المعنية والمهتمّة بـ"وابل" من السيناريوهات حول ما يمكن أن يعقبها من ردّ إسرائيلي، ربما تتوقّف على طبيعته وحجمه مستقبل الأوضاع في لبنان والمنطقة سلماً أو حرباً.

ويقول أحد المطّلعين على الموقف الأميركي "إنّ الحرب آتية تحت جناح ردّ محور المقاومة والرد الإسرائيلي المتوقّع عليه، لكنها لن تكون بين إسرائيل وإيران على رغم أنّ الأخيرة ستردّ على اغتيال رئيس حركة "حماس" اسماعيل هنية في قلب طهران، وإنّما ستكون بين حزب الله وإسرائيل. فالولايات المتحدة الأميركية أبلغت إلى تل ابيب أنّها تريد اتفاقاً لوقف إطلاق النار، وأنها تقف إلى جانبها في الدفاع عن أمنها، لكنّها لا تريد خوض حرب ضد إيران أو حتّى توجيه ضربات عسكرية إليها مباشرة أو بواسطة آلة الحرب الإسرائيلية. وفي المقابل، فإنّ روسيا أبلغت إلى طهران أنّها تقف إلى جانبها وتقدّم لها ما يساعدها في الدفاع عن نفسها، ولكنّها لا تريد أن تخوض حرباً ضدّ إسرائيل.

لكنّ قطباً سياسياً يرى أنّ هاتين المعادلتين اللتين أرساهما الموقفان الأميركي والروسي ممّا يجري ستمنعان نشوب حرب شاملة في المنطقة، ليقتصر الأمر على ردّ محور المقاومة ورد إسرائيل عليه، على غرار الرد الإيراني في 14 نيسان الماضي وما تلاه من ردّ إسرائيلي بسيط.

وفي المقابل، يتحدّث المطّلعون على الموقف الاميركي عن أنّ "شيئاً كبيراً سيحصل في لبنان انطلاقاً من جبهة الجنوب، حيث أنّ إسرائيل وضعت، على ما يبدو، خططاً لاجتياح منطقة جنوب الليطاني لأنّ قدرة الأميركيين على كبح بنامين نتنياهو "الهائج" منذ زيارته الأخيرة لواشنطن هي "في الدرجة صفر"، فلا شيء سيردعه عن خوض مغامرة من هذا النوع ليلاقي بها نتائج المفاوضات الجارية حالياً بين واشنطن وطهران، والتي قد تؤسس لاحقاً لمفاوضات بين لبنان وإسرائيل من خلال الموفد الرئاسي الأميركي عاموس هوكستين الذي لم تنته مهمته بعد، خلافاً لما يردّده البعض، وهي تهدف إلى تأمين توافق على تنفيذ القرار الدولي 1701 ومعالجة الخروق الإسرائيلية للحدود اللبنانية المرسّمة دولياً منذ العام 1923 من القرن الماضي.

ويشير هؤلاء المطلعون إلى "أنّ الحرب آتية لكنها لن تكون بين إسرائيل وإيران، وإنّما بين حزب الله وإسرائيل، لأنّ الدولة العبرية تعتبر موضوع إعادة سكّان المستوطنات الشمالية إلى منازلهم أمراً ملحّاً ولا يمكن التهاون فيه، وغالب الظنّ أنّها تريد تحقيق هذه العودة قبل تشرين الأول المقبل، بدء الموسم الدراسي لأبناء هذه المستوطنات".

الحرب آتية لكنها لن تكون بين إسرائيل وإيران، وإنّما بين حزب الله وإسرائيل...

أيام قتالية؟

على الرغم من ذلك، فإنّ البعض يتوقّع أن يقتصر الوضع بعد رد "محور المقاومة "على إسرائيل، على "أيام قتالية" هي عبارة عن قصف عنيف متبادل وتنتهي باتفاق على وقف إطلاق النار في الوقت الذي تتحدث "هيئة البث الإسرائيلية" عن أنّ الرد الإسرائيلي على رد المقاومة "سيكون أكبر من الرد الذي كان في 14 نيسان الماضي من دون أن يؤدي إلى نشوب حرب"، فيما تردّد أنّ إسرائيل مررت رسائل إلى عدد من دول المنطقة والعالم مفادها أنّها "ليست المعنية بحرب شاملة أو مواجهة إقليمية". وهذا ما ينسف كلّ ما يقال عن أنّها تستعد لشن حرب واسعة تنشأ عقب ردّ محور المقاومة على عمليات الاغتيال والقصف في لبنان وإيران والعراق واليمن.

خفض السقف الإيراني

وإلى ذلك، يكشف مطّلعون أنّ الاتصالات الدولية التي تجرى مع إيران تركّز على اقناعها بخفض سقف ردّها المنتظر على اغتيال هنية، وقد حققت هذه الاتصالات تقدّماً ملموساً في هذا الاتجاه، وأبرزها زيارة مستشار مجلس الأمن القومي الروسي سيرغي شويغو لطهران حيث نقل إلى القيادة الإيرانية رغبة موسكو في أن يكون الردّ الإيراني دون المستوى الذي يمكن أن يتسبّب بإشعال حرب كبرى في المنطقة تريدها إسرائيل، وضمناً تريدها الولايات المتحدة الأميركية للإجهاز على إيران وقدراتها العسكرية ومنشآتها النووية. وتعهد شويغو للجانب الإيراني وقوف موسكو إلى جانب طهران وتزويدها كلّ ما تريده من أسباب قوة تمكنها من صدّ أيّ هجوم عليها أو منعه من تحقيق أهدافه. وبالفعل فقد استجاب الجانب الروسي طلب طهران تزويدها أجهزة تشويش رادارية وأنظمة دفاع جوي من طراز S 400 لحماية أجوائها من أيّ اختراق، ومنشآتها الحيوية النووية والعسكرية الاستراتيجية من أيّ قصف.

ويقال إن الإيرانيين طلبوا من الروس تزويدهم سرب طائرات من نوع "سوـ 35" التي توازي بقدراتها الهجومية والدفاعية طائرة أف ـ 35 " الأميركية التي تمتلك إسرائيل مجموعة منها يمكن أن تستخدمها في أيّ هجوم على إيران مثلما استخدمتها أخيراً في قصف ميناء الحديدة اليمني .

وثمّة من قال إنّ نتنياهو لم يعد من واشنطن أخيراً بضوء أخضر أميركي لشنّ حرب واسعة في المنطقة لطالما طمح إليها بغية ضرب إيران، هو لجأ إلى الاغتيالات الأخيرة العالية المستوى من أجل فرض أمر واقع على الأميركيين يدفعهم إلى دعمه بكل أسباب القوة وخوض هذه الحرب إلى جانبه وعدم الوقوف على الحياد وترك إسرائيل وحيدة فيها. وفي هذا السياق ارتكب نتنياهو مجزرة "مدرسة التابعين" قبل يومين تعبيراً عن رفضه غير المباشر للمبادرة الثلاثية الأميركية ـ المصرية ـ القطرية التي تدعو إلى وقف النار في غزة واجتماع المفاوضين الخميس المقبل في الدوحة أو القاهرة للتوصل إلى اتفاق.

فنتنياهو يريد في الدرجة الأولى من الحرب الشاملة، وكما يعلن، "القضاء" على حزب الله لما يشكّله بمقاومته من تهديد مباشر وغير مباشر لوجود إسرائيل، خصوصاً أنّ المقاومة تتمركز على مرمى حجر منها على طول الحدود الجنوبية اللبنانية، وفي عمق لبنان، فضلاً عن تسديد ضربة عسكرية إلى إيران بقصد تدمير منشآتها النووية والعسكرية الإستراتيجية التي ترى فيها تل أبيب "خطراً وجودياً واستراتيجياً" عليها منذ انتصار الثورة الإيرانية واعتناقها القضية الفلسطينة وفتح أول سفارة لفلسطين في العالم مكان السفارة الإسرائيلية في طهران، حيث كانت تقوم بين إسرائيل وإيران البهلوية علاقات قوية جداً، بل كانت الولايات المتحدة الأميركية تعتمد على إيران الشاه محمد رضا بهلوي قبل إسرائيل لحماية مصالحها في المنطقة.

وخلافاً لما شاع في بعض الأوساط السياسية عن حرب شاملة على وشك النشوب، فإنّ بعض المشاركين الكبار في الاتصالات يؤكّدون أنّها لن تنشب، ويقولون إنّه على رغم ردود محور المقاومة المتوقّعة على الاغتيالات الإسرائيلية الأخيرة، فإنّ المعطيات التي تلقّوها من المساعي الجارية محلياً واقليمياً ودولياً تدل، إلى الآن، على أنّ الحرب قد تكون باتت خياراً مستبعداً، لأنّ الجميع يحاذرون الانزلاق إليها بدءاً بالولايات المتحدة الأميركية وانتهاء بالأطراف الإقليمية والمحلية، فيما يبدو نتنياهو هو المتحمّس الوحيد لخوضها... فهل يكون له هذا؟

إنّ غداً لناظره قريب...