بعض المقاربات للتطورات المتسارعة في المنطقة، تحسم فرضيّة انّ الحرب واقعة، ربطاً بردّ إيران على اغتيال رئيس المكتب السياسي لحركة "حماس" اسماعيل هنية على اراضيها، وردّ "حزب الله" على العدوان الاسرائيلي على الضاحية الجنوبية واغتيال أحد أكبر قيادييه فؤاد شكر وايضا الرد اليمني على الاستهداف الاسرائيلي لمرفأ الحديدة في اليمن. وكذلك ربطا بالرد الاسرائيلي على هذه الردود. ولكن على الرغم من اتسام هذه الفرضيّة بالواقعيّة، إلّا أنّ ما تمرّره الدول عبر القنوات الديبلوماسية والسياسية والأمنية المفتوحة في اتجاه لبنان، من رسائل وتقديرات، يعاكس الجو الحربي.

ويبرز في هذا المجال ما أكده مرجع أمني كبير لصحيفة "الجمهورية" حول وجود ما سماها "معطيات استخبارية" تؤكّد أنّ اللغة الحربيّة المتصاعدة بوتيرة عنيفة، مضبوطة تحت سقف محاذرة كلّ الأطراف الإنزلاق إلى حرب واسعة، ويتجلّى ذلك بوضوح في حال الترقّب السائدة على كلّ الجبهات، وتجنّب كلّ أطراف الصراع الاقدام على اي خطوة تصعيدية".

وبناء على هذه المعطيات، يقول المرجع الأمني الكبير:" واضح ان كل الأطراف متهيّبة من الحرب ومخاطرها. واستتباعا لذلك، فإنّ ما يجري التلويح به من ردود مؤجلة او معجلة التنفيذ من قبل ايران و"حزب الله"، وردود من قبل اسرائيل على الردود، مضبوط بدوره تحت هذا السقف. إلّا أنّ ذلك لا يلغي احتمال خروج الأمور عن السيطرة ربطا بخطأ في الحساب أو التقدير، أو بصاروخ طائش يوجّه الأمور نحو دحرجة الى حرب صعبة".

ووفق معلومات موثوقة لـ"الجمهورية" فإنّ مسؤولاً أمنيّاً غربيّاً رفيع المستوى زار بيروت في الفترة الاخيرة، ونقل إلى كبار المسؤولين مخاوف بلاده مما سماه "التصعيد الخطير والمتنامي" على جبهة جنوب لبنان. وان بلاده تشجّع كل جهد من قبل لبنان يقود الى خفض التصعيد، وفي ذلك مصلحة كبرى للبنان".

وبحسب مصادر المعلومات فإن المسؤول الامني الغربي الرفيع نقل ما بدت انها رسالة واضحة تتضمن تأكيدا من جهة، على القرار 1701 كضابط للأمن والاستقرار في منطقة الحدود، وتحذيرا من مخاطر الحرب، وتنبيها للاطراف من ان لا مصلحة لأحد في التصعيد وانزلاق المواجهات الى حرب واسعة". وابرز ما فيها دعوة مباشرة للبنان إلى أن يبادر إلى خطوات تضيّق من احتمالات الحرب، ومحاولة ثني "حزب الله" عن القيام بأيّ فعل من شأنه أن يتسبب في تصعيد الموقف أكثر".

واشار الى انّ بلاده تتفهم مخاوف كل الاطراف، وتضع أمن واستقرار لبنان في قائمة اولوياتها، وفي الوقت ذاته ترى انّ له مصلحة اكيدة في خفض التصعيد والانخراط في حل سياسي ينهي الوضع القائم، وتتشارك في ذلك مع حلفائها، وخصوصا الولايات المتحدة الاميركية. ونحن نرى أن فرص هذا الحل ممكنة. وفي لقاءاتنا مع المسؤولين الاسرائيليين لمسنا جدية في انهم راغبون في الوصول حل للتصعيد مع لبنان بالوسائل الديبلوماسية".

على أنّ ما لفت الانتباه في مقاربته للتطورات الاخيرة في المنطقة والترقب للردود العسكرية على اسرائيل، قوله: ان الحرب إن وقعت، قد لا تبقى محدودة ومحصورة ضمن نطاق معين، بل قد تتطور الى حرب دمار شامل تتمدّد تداعياتها وتأثيراتها في كل الاتجاهات، ونخشى ان يكون لبنان اكثر المتضررين. وهذا الوضع بالتأكيد مبعثٌ للقلق ليس على مستوى المنطقة فحسب بل على مستوى العالم. ومن هنا فإن الجهود منصبّة، وبدفع قوي من قبل الولايات المتحدة، على تجنّب الحرب. وثمّة ما يعزز فرضيّة استبعاد هذه الرسائل. كاشفا عما سماها رسائل مباشرة وغير مباشرة يتم تبادلها عبر قنوات مختلفة، وتعكس بوضوح رغبة الأطراف في عدم دحرجة الأمور الى حرب".