قبل ساعات من كتابة هذه السطور، كان مساعد وزير الخارجية الأميركي السابق ديفيد شينكر، وقبل إدلاء رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو بخطابه أمام الكونغرس في 24 من تموز الجاري يقول "إنّ اندلاع حرب واسعة النطاق بين إسرائيل وحزب الله قد تصبح أمراً لا مفرّ منه".

ربما تكون "معركة بدل عن ضائع" تلك التي يخوضها نتنياهو في واشنطن هذه الأيام ضدّ إدارة الرئيس جو بايدن لتجنيب نفسه الحساب الذي ينتظره جراء فشله في تحقيق "النصر" الذي وعد الإسرائيليين به في حربه على غزّة وعلى الجبهة الشمالية مع لبنان، معوّلاً على عودة صديقه الرئيس السابق دونالد ترامب إلى البيت الأبيض، علّها تحرّره من هذا الحساب بفعل دعم ترامب الموعود له مقابل الإسناد الانتخابي الذي يقدّمه في مواجهة منافسه بايدن.

لذلك، فإنّ "النصر" الذي يطمح نتنياهو إليه يبقى "نصراً موعوداً" ورهناً بنتائج السباق الرئاسي الأميركي، وكذلك بنتائج الميدان في الوقت الذي انحسر التهديد والوعيد الإسرائيليان باجتياح لبنان على ألسنة صقور الحكومة الإسرائيلية ليحلّ مكانهما إبداء الرغبة بـ"حلّ ديبلوماسي"، وهو ما أبلغه وزير الدفاع يوآف غالانت إلى المسؤولين الأميركيين خلال زيارته الأخيرة لواشنطن.

غير أنّ المطّلعين على أجواء العلاقة الأميركية ـ الإسرائيلية يقولون إنّ نتنياهو وأركانه ارتأوا تهدئة اللهجة هذه الأيام الفاصلة عن موعد خطابه أمام الكونغرس الأميركي وذلك لتأمين "عبور آمن" لها بغية تحقيق أغراضه منها، وأبرزها تهشيم صورة بايدن الانتخابية لمصلحة ترامب، الذي تدلّ كلّ الاستطلاعات والمعطيات حتى الآن إلى ارتفاع حظوظه، خصوصاً بعد المناظرة الأولى قبل أيام بينه وبين بايدن، والتي يبدو أنّ نتائجها دفعت الديموقراطيين، على ما يبدو، إلى التفكير في استبداله بمرشّح آخر.

خطّة نتنياهو

ويكشف سياسي مطّلع على الموقف الأميركي أنّ نتنياهو سيطرح في خطابه  أمام الكونغرس ما يسمّيه "خطة متكاملة للحلّ" في قطاع غزة، وعلى الجبهة الشمالية ومع لبنان، وعناوينها هي:

ـ أوّلاً، تطبيع إسرائيل العلاقات مع المملكة العربية السعودية.

ـ ثانياً، إعطاء العرب دوراً أكبر في إدارة شؤون الفلسطينيين في قطاع غزة والضفة الغربية.

ـ ثالثاً، عقد اتفاق أمني مع لبنان لإنهاء الوضع السائد هناك، فإذا لم يحصل هذا الاتفاق يتّخذ نتنياهو من ذلك ذريعة لاجتياح الجنوب اللبناني، بحجة إبعاد حزب الله عن الحدود تمهيداً لإعادة سكان المستوطنات الشمالية النازحين إلى منازلهم، حيث أنّهم يقيمون منذ "طوفان الأقصى" في فنادق ومنازل مستأجرة تكبّد الحكومة الإسرائيلية تكاليف باهظة، في ظلّ الوضع الاقتصادي الصعب الذي أنتجته الحرب.

وفي رأي هذا السياسي، أنّ بايدن، وبعد أدائه الرديء في المناظرة الأخيرة بينه وبين ترامب، لم يبقَ في إمكانه وضع أيّ خطّ أحمر أمام إسرائيل. ففي الآونة الأخيرة، أوفد آموس هوكستين إلى نتنياهو ليهدّده، ولكن بعد كلّ ما حصل قد تكون مهمة هوكستين انتهت وانقلبت الآية وصار نتنياهو هو المُهدِّد وليس المُهدَّد. ومعنى هذا أنّ مهمة هوكستين لتنفيذ القرار 1701 في الجنوب قد انتهت، لأنّه لم يعد يقوى على انتزاع أيّ تنازل من تل أبيب لتسهيل الوصول إلى اتفاق مع لبنان.

ويضيف السياسي نفسه أنّ المناظرة الأخيرة التي أظهرت قوة ترامب وتقدّمه أفادت نتنياهو، وربما ستدفعه إلى التصلّب على الجبهة الجنوبية اللبنانية، لأنّه تحرّر من القيود التي تكبّله إد لم يعد لدى إدارة بايدن القدرة على لجمه عن الاندفاع إلى اجتياح جنوب لبنان، وهذا الأمر، يضيف السياسي، لا بد لحزب الله من أن يأخذه باكراً في الحسبان بحيث يراجع كثيراً من الحسابات والمواقف والسياسات في ضوء انخراطه في الحرب. وكذلك فإنّ إيران ومن معها ومن خلفها سيراجعون حساباتهم في ضوء تلك المناظرة. فطهران تؤيّد بقاء بايدن في البيت الأبيض لأنّه كان مهندس الاتفاق النووي معها عام 2015 أيام الرئيس باراك أوباما إذ كان يتولى منصب نائب الرئيس، وذلك قبل أن يطيح ترامب هذا الاتفاق إثر وصوله إلى البيت الأبيض.

ويلفت السياسي عينه إلى أنّ طهران خاضت وتخوض عبر سلطنة عمان وقطر وغيرهما مفاوضات غير مباشرة مع إدارة بايدن، لكن بعد المناظرة الأخيرة ستبدو كأنها تفاوض إدارة أميركية "باتت في حكم الميتة"، لأنّ المؤشّرات تدلّ إلى أنّ الرئاسة ستؤول إلى ترامب الذي كان ألغى الاتفاق النووي معها، وفرض عليها عقوبات وطالب بتعديل الاتفاق في اتجاه فرض حظر على السلاح البالستي الإيراني. ولم يستبعد السياسي أن تكون إدارة بايدن فقدت قوّة التفاوض، وهذا ما سيدفع جميع من يتفاوض معها حول العالم إلى مراجعة حساباتهم سواء كانوا من الحلفاء أو من الخصوم. ولكن في تقدير السياسي أنّ المناظرة بين بايدن وترامب زادت من احتمالات حصول اتفاق قريب على معالجة الوضع على حدود لبنان الجنوبية، وتجنّب الذهاب إلى الحرب التي يعرف المعنيون بها كيف ستبدأ ولكن لا يعرفون كيف ستنتهي.

إسرائيل لا يمكنها شنّ حرب على لبنان أو غيره من دون موافقة ومساندة سياسية وعسكرية أميركية...

في هذه الغضون، يؤكّد ديبلوماسي مخضرم وخبير في السياسة الأميركية الداخلية والخارجية أنّ المناظرة بين الرئيسين الأميركيين الحالي والسابق أظهرت "ضعف بايدن وعدم أهليته لتولّي الرئاسة ولاية جديدة لتقدمه في السنّ ولأسباب أخرى". وقال إنّ أركان الحزب الديموقراطي كانوا ينتظرون هذه المناظرة لكي يثبّتوا بايدن مرشحاً نهائياً لهم من عدمه، ولكن جاءت نتائجها لتمهّد لهم الطريق لسحب ترشيحه لمصلحة مرشّح آخر هو حاكم كاليفورنيا غافين نيوسوم، وهو من الجيل الشاب وعضو في الكونغرس ولا يخرج عن توجهات بايدن، ولكن لديه أيضاً توجهات خاصة ومختلفة ويعتبرون أنّه ثوري فكرياً وسياسياً يمكنهم أن ينافسوا به ترامب بقوة.

ويخالف السياسي المخضرم كلّ التوقّعات بحصول حرب واسعة النطاق ويقول أن لا مصلحة لأحد فيها من الولايات المتحدة إلى إيران وما بينهما. ويضيف أنّ الأميركيين تحديداً لا يؤيّدون الحرب لأنّها، في رأيهم، ستكون هدية مجانية إلى الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بحيث تمكّنه من إمرار السلاح إلى القوى المعادية لهم، ويفعل بهم مثلما يفعلون حالياً في أوكرانيا. فهناك ثلاثون ألف جندي أميركي في المنطقة إلى جانب القواعد والمواقع العسكرية، وكلّها محاطة بالمقاومات التي تدعمها إيران من "الحشد الشعبي" إلى "المقاومة العراقية" وحركة "أنصار الله" في اليمن وغيرها من المقاومات في لبنان وسوريا. وبالتالي يدرك الأميركيون أنّهم إذا استدرجوا إلى حرب في المنطقة فسيكون عليهم التدخّل فيها بعشرات آلاف الجنود، وهو ما لا يريدونه لأنّ النفسية الأميركية في ظلّ الانتخابات الرئاسية ترفض الحروب، حتّى أنّ ترامب أخذ على بايدن تورّطه في الحروب، مشيراً إلى أنّه في أيام رئاسته لم يتورّط في أيّ حرب، قائلاً له ما معناه "في أيام رئاستي لم تكن هناك حروب بينما أنت فعلت كذا وكذا من أفغانستان إلى العراق إلى سوريا وغيرها في حين أنّي أعارض الحروب، وأنّ الأميركيين وكثيرين في العالم يحترمونني ويعتبرونني رجل سلام".

على أنّ الديبلوماسي المخضرم نفسه يقول إنّ ترامب وبايدن يدعمان إسرائيل، لكنّ الفرق بينهما هو أنّ "بايدن عقائدي صهيوني وقد قال ويقول دوماً: لكي تكون صهيونياً لا ضرورة لأن تكون يهودياً". فيما الجميع يعتبرون أن ترامب ليس خطراً على مستقبل أميركا كونه يتعاطى السياسية بمنطق المصلحة و"البزنيس"، وهو ما يفيد أميركا واقتصادها في ظلّ الأوضاع الاقتصادية العالمية المضطربة والمتقلّبة، وأنّ الخطر على أميركا قد يكون بايدن وجماعته لأنّهم أصحاب عقيدة دينية مساندة للصهيونية العالمية".

ويضيف الديبلوماسي "أنّ الديموقراطيين الأميركيين الذين ينتمي إليهم بايدن لا يؤيّدون الحرب التي تهدد بها إسرائيل لبنان وغيره. فيما الجمهوريون بدأوا يعبّرون عن مخاوف من هذه الحرب، علماً أن الغطاء الأميركي لها غير متوافر. فعلى إثر عملية "طوفان الأقصى"، وعندما بدأت إسرائيل حملتها العسكرية للقضاء على حركة "حماس" في قطاع غزة، أنشأت الولايات المتحدة الأميركية جسراً جوياً لها مدّها بكل أنواع الدعم العسكري واللوجستي لتمكينها من الانتصار في هذه الحرب. ويومذاك تمكّن بايدن من تقديم كلّ هذا الدعم من الأسلحة والذخائر من دون إذن مسبق من الكونغرس لأنّ الحالة كان طارئة. أمّا اليوم فالحال هي عكس ذلك إذ عليه الحصول على إذن الكونغرس لكي يقدّم أسلحة وذخائر جديدة إلى الدولة العبرية. ولذلك فإنّ إسرائيل لا يمكنها شنّ حرب على لبنان أو غيره من دون موافقة ومساندة سياسية وعسكرية أميركية، وهذه المساندة غير موجودة نتيجة معارضة الحزبين الديموقراطي والجمهوري للحرب.

وبناء على ذلك، يقول الديبلوماسي إنّ زيارة نتنياهو المقرّرة لواشنطن ربما باتت محلّ تساؤل إذ بدأت تظهر حملة ضغط على الكونغرس وداخله لعدم استقباله وسماع خطابه  أو تأجيلها إلى موعد لاحق. لكن من الآن حتّى موعد زيارته في 24 تموز الجاري سيبدأ الحزب الديموقراطي بحملة في الكونغرس لمقاطعة هذا الخطاب.