احتفل لبنان والعالم في الثامن من آذار بالمرأة في يومها العالمي. المبادرة الأممية التي تبنّتها الأمم المتّحدة من الدول ذات الأنظمة الاشتراكية في العام 1977، تحوّلت إلى مشروع دولي يضيء سنوياً على قضية تتعلّق بحقوق المرأة. والشعار الذي اختارته لهذا العام هو "الاستثمار في المرأة لتسريع وتيرة التقدم".
رُب قائلٍ إنّ الأمم المتحدة بدأت تبالغ في عناوينها. فالمرأة في الألفية الثالثة هي المُستثمرة وشريكة النصف وأكثر في النمو. إلّا أنّ العجب الذي يبديه البعض، يَبطل عند معرفة سبب الدعوة إلى الاستثمار بالمرأة. فالعنوان الذي اختير لهذا العام لم يأتِ من فراغ. وقد سبقه تحذير من البنك الدولي في آذار 2023 من أنّ "الوتيرة العالمية للإصلاحات الرامية إلى المساواة في معاملة المرأة بموجب القانون، تراجعت إلى أدنى مستوى لها منذ 20 عاماً. إذ لم يُسجل سوى 34 إصلاحاً في 18 بلداً في أنحاء العالم، في حين أن الأمر يتطلب 1549 إصلاحاً إضافياً لتحقيق المساواة القانونية الجوهرية. علماً بأنّ معظم الإصلاحات ركّزت على زيادة الإجازات المدفوعة الأجر إلى الأمّهات والآباء، وإزالة القيود المفروضة على عمل المرأة، وفرض المساواة في الأجور بين الجنسين. ونبّه تقرير البنك الدولي إلى أنّ بلوغ المساواة الكاملة سيستغرق في المتوسّط 50 عاماً على الأقلّ، وذلك إذا استمرّت الإصلاحات بالوتيرة الحالية نفسها.
مشاركة اللبنانيات في القطاع الصناعي محدودة
من منظور اقتصادي بحت، تؤدّي المساواة الحقيقية إلى زيادة النمو. وهذا أكثر ما تحتاج إليه الدول عامّة، ولبنان خاصّة في هذه الظروف. فالتهميش المستمرّ عالمياً بحق المرأة كفاعلة اقتصادية، ينسحب على لبنان أيضاً. وفي استطلاع حديث عن النوع الاجتماعي في المؤسسات الصناعية والشركات الخاصّة تبيّن أنّ النساء يشكّلن حوالى 25 في المئة من مجمل أعداد الموظفين. ويتناقص عددهن كلّما ارتفعنا بالتصنيف الوظيفي، حيث لا يتجاوز عدد النساء في مركز المدير التنفيذي عن 10 في المئة، مقابل أكثر من 90 في المئة للذكور. وتتقاضى النساء في العديد من القطاعات أجراً أقلّ من أجر الرجل للوظيفة نفسها.
الاستثمارات النسائية تكاد لا تذكر
على صعيد قطاع الأعمال الخاصّة الوضع ليس أفضل حالاً، فـ "حصّة النساء من امتلاك الشركات الخاصّة تقلّ عن 5 في المئة، بحسب رئيسة جمعية السيدات القياديات مديحة رسلان. "وما زال حجم أعمال هذه الشركات وحصّتها من التوظيف وقدرتها على جذب التمويل ضئيلاً". إلّا أنّ هذا العائق ما هو إلّا تحدٍّ يثبّت الفوز به معادلة "رابح رابح" بالنسبة للمجتمع والسيدات. والجمعية التي رفعت منذ تأسيسها شعار تحفيز المرأة على الاستثمار، نظّمت من ضمن فعاليات مبادرة “Lebanon: an Edutainment Hub for Arab Women” في العام 2022 دراسة نموذجية لمعرفة حجم استثماراتهن ورقم أعمالهن وقدرة مؤسساتهن على خلق فرص العمل والتوظيف وحصتهن من التصدير.. وذلك بهف معرفة قدراتهن والفرص الموجودة في السوق اللبناني والقطاعات التي تتميز بها المرأة للمساعدة في تأمين التمويل. وخصوصاً من الجهات المانحة، نظراً لتوقّف المصارف اللبنانية عن الإقراض مع نشوب الأزمة.
على الرغم من الانعكاس الواضح للأزمة على مدِّ المشاريع، ومنها التي تقودها النساء، بالتمويل، فإنّ الجانب الإيجابي كان بحسب رسلان "توسّع السيدات بإنشاء أعمالهن الخاصّة. فمن بعد ترك الوظائف بسبب الأزمة وكورونا وانفجار المرفأ.. اتّجهت أعداد متزايدة من النساء لإقامة مشاريع صغيرة غلب عليها الطابع الاجتماعي. وهي مؤسسات تبتغي الربح من جهة وتقدّم من الجهة الثانية حلولاً للمشاكل التي يعاني منها المجتمع".
التمييز يمتدّ إلى الاعلام
المعاناة التقليدية للنساء على صعيد تقلّص الأجور، والتعيين في المراكز الإدارية العليا والحصول على الإجازات امتدت إلى القطاع الإعلامي أيضا"، بحسب الصحافية والناشطة النسوية مريم ياغي. إذ بيّنت دراسة لـ "سكايز" أن 35.7 في المئة من النساء يتقاضىن رواتب أقلّ من الذكور للوظيفة نفسها. وأعربت 64 في المئة من النساء عن عدم حصولهن على ترقية منذ أكثر من 5 سنوات ولا زيادة في الراتب، في الوقت الذي يتطوّر به الذكور بشكل أسرع في هذه المؤسسات. كما تعاني النساء في الحصول على الإجازات وتتعرضن للتنمّر. ويمتد التمييز في المؤسسات الإعلامية على تبوء المناصب الإدارية العليا، بسبب النظرة الدونية أو الاعتقاد بأنّ الرجل هو الأصلح للمناصب القيادية العليا.
أهمّية الاستثمار بالمرأة
الواقع الاقتصادي للنساء في لبنان، ما هو إلّا نسخة مصغّرة عّما يجري في العالم بشكل خاص. فتقرير البنك الدولي للعام 2023، آنف الذكر، بيّن أنّه "لا يزال هناك نحو 2.4 مليار امرأة في سنّ العمل لا يتمتّعن بنفس الحقوق التي يتمتع بها الرجال".
تكمن أهمية تعزيز الدور الاقتصادي للمرأة بـ "زيادة نصيب الفرد من إجمالي الناتج المحلّي على المدى الطويل بنحو 20 في المئة في المتوسط في مختلف البلدان"، بحسب البنك الدولي. "ووفقاً لتقديرات بعض الدراسات، فإنّ النساء إذا شرعن في أنشطة أعمال جديدة وقمن بالتوسّع فيها بنفس المعدّل الذي يحققه الرجال، فقد تتراوح المكاسب الاقتصادية العالمية جراء ذلك بين 5 و6 آلاف مليار دولار".
على الرغم من أهمية الشعار الذي رفعته الامم المتحدة في اليوم العالمي للمرأة، إلّا أنّه بحسب ياغي أتى من خارج سياق ما تتعرّض له النساء في فلسطين ودول عديدة حول العالم من قتل وتهميش واضطهاد. وكان الأجدى برأيها لو أتى عنوان اليوم العالمي متوافقاً مع معاناة النساء الانية ولا سيما النساء الغزّاويات.