بالمبدأ يجب على أيّ قانون سيصدر، مراعاة المصلحة العامّة والانتظام العام والمبادرة الفردية بالتوازي مع الملكية الخاصة

عقد البرلمان اللبناني جلسة تشريعية، لدرس المشاريع واقتراحات القوانين المنجزة من اللجان، وسط تخبّط لم يشهد البلد مثيلاً له. فمن أصل سبعة مشاريع قوانين واردة بمراسيم من الحكومة، ومئة وخمسة اقتراحات قوانين مقدّمة من النوّاب، لا يوجد توافق بين أعضاء المجلس، على ما هو قاب قوسين أو أدنى من الإقرار، بما يفوق أصابع اليدين. والخلاف العامودي لا يرتبط بالملفّات "الحامية" كالتمديد لقائد الجيش، والكابيتال كونترول... إنّما يطال الملفّات "الباردة" كاقتراحات القوانين المتعلّقة بالإيجارات القديمة.

يتضمّن جدول أعمال الجلسة التشريعية ثلاثة مقترحات قوانين لوضع حلول نهائية للإشكالية التاريخية للإيجارات في لبنان:

الأوّل، يتعلّق بتحرير عقود أماكن الإيجارات غير السكنية من الاستثناء، المنجز والموضوع في الأمانة العامّة للبرلمان منذ العام 2018.  

الثاني، تثبيت مهلة بدء سريان قانون الإيجارات الجديد منذ العام 2014، وليس منذ العام 2017، مع نشر قانون التعديل.  

الثالث، اقتراح القانون المعجّل المكرّر الرّامي إلى إعفاء مالكي الأبنية الخاضعة لأحكام قوانين الإيجارات الاستثنائية، والتي كان آخرها قانون الإيجارات الجديد تاريخ 9/ 5 /2014 وتعديلاته، من المسؤولية القانونية مدنياً وجزائياً. 

إخلاء الإيجارات غير السكنية

على الرّغم من الأهمّية القصوى للقوانين الثلاثة وترابطها، فإنّ "أكثر ما يهمّنا من هذه الجلسة، هو إقرار قانون تحرير الإيجارات غير السكنية، المدرج منذ فترة على جدول الأعمال ويؤجّل بسبب الظروف"، تقول رئيسة الهيئة اللبنانية للعقارات المحامية انديرا الزهيري. ومن الممكن في ما بعد توضيح الإشكاليات العالقة في القانونين الآخرين من خلال مراسيم حكومية أو تعاميم". إذ بمجرّد تحرير عقود الإيجارات غير السكنية من الاستثناء يصبح بإمكان المالكين إعادة التموضع، والبدء باستعادة حقوقهم المهدورة، بشكل لا يظلم المستأجرين. فالتحرير سيتمّ تدريجياً في مهلة تتراوح بين العامين في حال حصول المستأجر على تعويض أو خلوّ، وأربعة أعوام في حال لم يدفع له التعويض. "ذلك مع العلم أنّ المستأجرين استمرّوا لغاية اليوم في إشغال المأجور، بسبب عدم إقرار القانون المنجز في العام 2018"، تقول الزهيري. أمّا عن قيمة التعويضات فهي "تحدّد من قبل لجنة التخمين التي تضم خبيرين، على أساس بدل المِثل، والمنطقة أو الزون، ونوعيّة العمل والنشاط التجاري في المأجور". وبحسب بيان نقابة "مالكي الأبنية"، فإنّ "أصحاب الملك ظلموا بما فيه الكفاية، ولا يجوز لهذا الأمر أن يستمر".

تحقيقاً للعدالة

"الظلم الذي يلحق بمالكي الوحدات غير السكنية، فيما يحقّق المستأجرون الأرباح نتيجة تقاضيهم قيمة السّلع والخدمات التي يقدّمونها بالدولار"، بحسب بيان نقابة المالكين، يترافق مع انعدام العدالة. "ففي ظلّ تمديد عقود الإيجارات كفّت الدولة يد المالك عن عقاره. فتركت عليه واجباته، وأخذت منه صلاحياته"، تقول الزهيري. "وهناك مالكون اليوم لا يستطيعون تنفيذ معاملات الانتقال بسبب عجزهم عن تحمّل القيمة التأجيرية الجديدة، أو الحصول على براءة ذمّة لأنّ المستأجرين القدامى لم يسدّدوا ما عليهم من رسوم وضرائب. وهذا الخلل في العقد يجب أن يعوّض من خلال إعفاء مالكي الأبنية الخاضعة لأحكام قوانين الإيجارات الاستثنائية من المسؤولية القانونية مدنياً أو جزائيا".

إقرار القانون غير دستوري

مقابل سعي المالكين لتحصيل حقوقهم قالت "اللجنة الأهلية للمستأجرين"، إنّ تحرير الإيجارات غير السكنية "يبتعد كلّ البعد عن أدنى معايير الموضوعية وعن الواقعية المفروض توفرّها في مقاربة ملف اجتماعي اقتصادي بهذا الحجم". واعتبرت في بيان أنّ "أيّ درس جدّي لموضوع غير السكني يقتضي معه التقيّد بقرار المجلس الدستوري (القرار رقم 1/2019 تاريخ 8/1/2019 الصادر عن المجلس الدستوري والقاضي بردّ الطعن بالقانون رقم 111 الصادر بتاريخ 2018/11/30 والمتعلّق بتعديل المادة 38 من القانون رقم 2 تاريخ 2017/2/28) الخاص بتمديد إيجارات الأماكن غير السكنية. ولاسيّما استناده إلى الظروف الاستثنائية التي يمّر بها لبنان والمنطقة، والتي أدّت إلى انكماش اقتصادي وتأزّم وتعثّر المؤسّسات التجارية والخدماتية والمهن الحرّة. وعليه فإنّ الوضع المأزوم سياسياً في ظلّ ظروف اقتصادية ومالية ونقدية صعبة، تحتّم التمديد تفادياً لحدوث فوضى كارثية".


المستأجرون يحبسون أنفاسهم بانتظار إقرار القانون من عدمه، يقابلهم اختناق جزء كبير من المالكين.

التحرير كارثي

بالمبدأ يجب على أيّ قانون سيصدر، مراعاة المصلحة العامّة والانتظام العام والمبادرة الفردية بالتوازي مع الملكية الخاصة، "وهذا ما لا نجده إطلاقاً في اقتراح قانون تحرير الإيجارات غير السكنية"، بحسب المستشارة القانونية للجنة الأهلية لحماية المستأجرين المحامية مايا جعارة. "فوضعه بالشكل الذي خرج فيه من لجنة الإدارة والعدل على جدول أعمال الهيئة العامة، يثبت للشعب اللبناني مرّة جديدة أنّ ممثلي الشعب في وادي والشعب في وادٍ آخر. ونحن إن كنّا مع وضع زيادات على قيمة الإيجارات، خصوصاً في ظلّ تدني قيمة الإيجارات نتيجة انهيار قيمة العملة الوطنية، نرفض تحريرها بشكل كامل. لأنّ قيمة الإيجارات ستصبح كارثية".

كم تبلغ الإيجارات الجديدة

ينص القانون الجديد على رفع قيمة الايجار إلى نسبة 7 في المئة من قيمة العقار المقيّم بحسب سعر الصرف في السوق الموازية. ويتم الرفع تدريجيا لمدة 4 سنوات على الشكل التالي:

25 في المئة من أصل السبعة في المئة في العام الأول.

50 في المئة من أصل السبعة في المئة في العام الثاني.

75 في المئة من أصل السبعة في المئة في العام الثالث.

100 في المئة من قيمة العقار في السنة الرابعة.

وبرأي جعارة فإنّ هذه "الزيادة كبيرة جداً ولا يمكن تحمّلها من قبل المؤسسات التجارية والصناعية والخدماتية، هذا عدا عن أنّها تضرب الخلوات أو التعويضات". فالظروف التي يمرّ بها الاقتصاد تحتّم تمسّكنا أكثر وأكثر بالأخذ بالظروف الاستثنائية التي استند إليها المجلس الدستوري والتي تحتّم التمديد للإيجارات غير السكنية لحين استقرار الوضع النقدي والاقتصادي في البلد، ولحين إعادة عجلة الاقتصاد إلى الدوران من جديد وعودة التغذية بالتيّار الكهربائي إلى طبيعتها"، برأي ممثلي المستأجرين. "وذلك كون الكلفة الإضافية التي يتحمّلها أصحاب المهن أصبحت رادعاً لكلّ نشاطات تجارية صناعية أو مهنيّة تقام في المأجور". وبرأيهم فإنّ "الظروف الاستثنائية تحتمّ التمديد، أقلّه لحين استقرار الوضع النقدي والاقتصادي ولحين إعادة عجلة الاقتصاد إلى الدوران. ومن واجبات المشترع تقدير الظروف واتّخاذ الإجراءات الاستثنائية استناداً إلى معطيات الواقع الاقتصادي بحسب الظروف التي يمرّ بها البلد واتّخاذ قرارات جريئة كوضع سياسات لدعم الاستقرار الاجتماعي. خاصّة مع تراجع النموّ بهدف محاولة الحدّ من موجة ازدياد نسبة الفقر والعوز وليس العكس. فنسبة الشغور أصبحت مقلقة، وهي تبلغ بحسب الإحصاء الذي أجرته لجنة تجّار بيروت 50 في المئة في المحلّات، و30 في المئة تتحضّر للإقفال.

المستأجرون يحبسون أنفاسهم بانتظار إقرار القانون من عدمه، يقابلهم اختناق جزء كبير من المالكين. فالعقارات التي تساوي ملايين الدولارات لا تكفي إيجاراتها ثمناً للخبز. والكارثة الكبرى تتمثّل في استمرار وضع المواطنين بعضهم في وجه البعض الآخر ونأي الدولة بنفسها عن تشريع سياسة اجتماعية شاملة تحمي الجميع تحت سقف القانون والعدالة.