ترافق الإعلان مع التطوّرات العسكرية في فلسطين المحتلّة وجنوب لبنان، ووضع النتيجة السلبية في خانة الضغط السياسي على الجانب اللبناني...
وقع عدم وجود غاز في البلوك رقم 9، وقوع دلو ماء بارد على ظهر غافل. فاللبنانيون الذين صاموا منذ تشرين الأول 2022، تاريخ توقيع ترسيم الحدود البحرية، على حلم وجود النفط والغاز، فطروا يوم أمس على الماء.
عملية الحفر في حقل قانا - الرقعة البحرية رقم 9، هي استكشافية. وكما يدلّ اسمها عليها، فإنّها ليست مضمونة ولا ينتج عنها بالضرورة نتائج إيجابية في المرّة الأولى. وهي تأتي من حيث الشّكل بعد المسوحات الزلزالية والثلاثية الأبعاد، لتقطع الشكّ بظهور مواد هيدروكربونية، بيقين وجود كمّيات تجاريّة من الغاز والنفط صالحة للاستخراج. وعليه لا يكون في الكثير من الحالات حفر بئر واحد كاف لإظهار النتائج الإيجابية. وعادة ما تنصّ اتفاقيات الحفر والتنقيب على ضرورة حفر أكثر من بئر في الرقعة الواحدة.
خيبة أمل اللبنانيين.. مبرّرة
إنّما في المضمون، فإنّ خيبة الأمل عند اللبنانيين بفشل عملية التنقيب الأولى في حقل قانا ناتجة عن أربعة عوامل جوهرية:
الأول، ويتعلّق بالتجربة السابقة، حيث اقتصر الحفر في البلوك رقم 4 منذ العام 2020 على بئر واحد جاف. وذلك بعد كمّ من الإشارات الايجابية عن وجود مكمن محتمل وواعد. وتعمد الكونسورتيوم المنقّب آنذاك (توتال، ايني، نوفاتيك) طمر البئر وعدم حفر واحد آخر لغاية اليوم.
الثاني، نقل عملية الحفر بتاريخ 13 أيلول 2023 في البلوك رقم 9 قرابة 31.7 شمال الموقع الأول، أي إلى جهة الداخل اللبناني، بعد مواجهة الشركة المنقّبة صعوبات تقنية خلال عملية الحفر. وبالتالي عدم مضي شهر على بدء عملية حفر البئر الثاني.
الثالث، الوصول إلى عمق 3900 متر، فيما ينصّ الاتّفاق على الوصول إلى 4400 متر أقلّه. هذا مع العلم أنّ عمليات الحفر في الحقول الإسرائيلية تظهر أنّ الغاز كان موجوداً على عمق 5000 متر تحت سطح البحر.
الرابع، ترافق الإعلان مع التطوّرات العسكرية في فلسطين المحتلّة وجنوب لبنان، ووضع النتيجة السلبية في خانة الضغط السياسي على الجانب اللبناني.
نعي رسمي لملفّ النفط اللبناني
ما حصل اليوم يمثل "نعياً رسمياً لملفّ البترول اللبناني"، يقول الخبير في مجال الطاقة فادي جواد، "وسبق أن حذّرت مراراً من مغبة بيع اللبنانيين وهم وجود حقل بكافة تفاصيله الجيولوجية قبل "دك" الحفارة أعمالها في أعماقه. واعتبرت وقتها بأنّه تم خلق هذا الحقل لتمرير الترسيم. والأهمّ تقديم التنازلات، والتراجع من الخط 29 إلى 23، وقضم مساحة من بلوك 8، واستبعاد خطّ العوّامات مقابل الناقورة. وعلى الرّغم من كلّ الدلائل على وجود كمّيات تجارية ممتازة في الرقع 8 و9 و10، إلّا أنّ تضخيمها من قبل جميع الأطراف وتصويرها على أنّها تتجاوز كلّ التوقّعات، "أوصلنا إلى خيبة الأمل التي جرى الكشف عنها يوم أمس من خلال التسريبات"، حيث لم يتجرّأ بعد مسؤول واحد على مصارحة اللبنانيين بما يحدث فعلياً. وقد ترافق هذا الواقع مع "تحذيري في العديد من المرّات من عدم وجود كفاءات في مفاوضات الترسيم. حيث تمّ إبعاد الخبراء الموثوقين من أمثال العميدين في الجيش اللبناني بسام ياسين ومنير شحادة. كما لم يضمّ الوفد اللبناني تقني بترول واحد ذو خبرة في شركات عالمية".
المصير المجهول
عدم التوصّل إلى نتائج إيجابية في حقل نفطي، "لا يعدّ أمراً غريباً لا يمكن حدوثه"، تقول خبيرة النفط والغاز لوري هايتايان. إنّما السؤال هو عن النتائج التي ستترتب عن عملية الاستكشاف هذه، ومصير التنقيب بالرقعتين البحريتين رقم 9 و4. فـ "بحسب الاتّفاق الموقّع، لا شيء يلزم الكونسورتيوم النفطي حفر أكثر من بئر في البلوك 9. أمّا في ما يتعلّق بالبلوك رقم 4 فتنتهي مع نهاية هذا الشهر المهلة المعطاة للكونسورتيوم التقرير ما إذا كان سيستأنف عملية الحفر أو يتخلّى عن الرقعة بشكل كلّي أو جزئي. واستتباعاً هل ستمضي الدولة بتلزيم الرقعتين 8 و10 للجهة الوحيدة التي تقدّمت لأعمال الاستكشاف والمتمثلة، بالكونسورتيوم نفسه (توتال، ايني، قطر للطاقة)؟ هذه الأسئلة، تتطلّب خروج بيان رسمي من وزارة الطاقة ليبنى على الشيء مقتضاه.