هل كان صدفة أن تحمل استضافة لعبة كرة القدم بنسختها الـ23 المقرّرة في عام 2030 والّتي تتزامن مع الذكرى المئويّة لانطلاق أوّل كأس العالم في كرة قدم، اسم 3 قارّات و6 بلدان؟
ما هو أكيد أنّه في عالم الـ"فيفا"، لم يعد هناك للصدف من مكان، لا بل كلّ شيء أصبح مخطّطاً له من سنوات طويلة في خريطة طريق رسمتها الأروقة المخفيّة في الـ"فيفا" بعناية وتروٍّ وتخطيط حرفيّ عالي الدقّة، وأبرز أهدافها تجاريّة أوّلاً واقتصاديّة ثانياً، وبينهما تدخل السياسة والسلطة وأخيراً تأتي الرياضة والـ"فير بلاي".
فمن لا يزال يعتقد أنّ كرة القدم هي مجرّد لعبة هو طبعاً واهٍ وبعيد جدًّا من الواقع، خصوصاً بعد ما حملته الساعات الأخيرة من سيناريوهات غبر مسبوقة. فللمرّة الأولى في تاريخ اختيار الجهة الّتي ستنظّم المونديال لم يكن الاختيار بتصويت الجمعيّة العموميّة للفيفا كما درجت العادة، بل جاء الاختيار بالتعيين وذلك بحجّة أنّ الاختيار وقع بعدما انتهى موعد تقديم ملفّات الترشّح لاستضافة كأس العالم 2030، ولم يكن أمام الفيفا سوى ملفّ المغرب والبرتغال وإسبانيا وهو الملفّ الوحيد الّذي تمّ التقدّم به لتنظيم المونديال وبذلك فهو فائز حكماً بشرف الاستضافة.
ولكن ما لم يعلن هو أنّ الفيفا بحنكتها ودهائها عملت على عدم إدراج منافس لهذا الملفّ عبر سحبها لملفّ القارّة الأميركيّة الجنوبيّة، وذلك باعتمادها للترغيب عبر استعمال الاتّحاد الدوليّ هديّة مفخّخة لتلك القارّة بإهدائها إقامة ثلاث مباريات ضمن مونديال المغرب وإسبانيا والبرتغال ومعها مباراة الافتتاح في الأورغواي بحجّة الذكرى المئويّة لانطلاق النسخة الأولى لكأس العالم في عاصمتها مونتيفيديو في عام 1930.
وكان رئيس اتّحاد أميركا الجنوبيّة لكرة القدم أليخاندرو دومينجيز، كرّر على مدار أشهر ضرورة تنظيم المونديال في القارّة، حيث بدأ لأوّل مرّة في عام 1930، لكنّه أقرّ في وقت لاحق بأنّ الملفّ لا يمكنه أن ينافس بسبب صعوبة الالتزام بتمويل الحدث بسبب الانهيار الاقتصاديّ الّذي تمرّ به معظم بلدان القارّة اللاتينيّة، فجاءت جائزة الترضية بإقامة ثلاث مباريات ضمن ملفّ المغرب في تلك القارّة .
وعلى الرغم من أنّ صور إظهار رئيس الاتّحاد الأميركيّ الجنوبيّ دومينجيز فرحًا بهذا القرار ونشره على x (تويتر سابقاً) تغريدات تحتفي بعودة التنظيم لهذه القارّة، لكنّ مواقع التواصل التابعة للمشجّعين في القارّة الأميركيّة الجنوبيّة أجمعت كلّها وبسخرية كبيرة على أنّ التنظيم الحقيقيّ لم تفز به القارّة وعلى أنّ ما حدث أشبه بمسرحيّة كبيرة أحيكت على ظهر شعوب تلك القارّة "المنسيّة".
والمفاجأة الثانية الّتي حملها اجتماع مجلس الفيفا عندما حصر باب الترشّح لمونديال الـ2034 بالقارّتين الأوقيانيّة والآسيويّة فقط، حيث لاقت ذلك سريعاً المملكة العربيّة السعوديّة بإعلان نيّتها الترشّح لاستضافة الحدث بعدما كان الاتحاد الدولي قبل فترة أعطى الضوء الاخضر لقارة أميركا الشمالية من خلال الولايات المتحدة وكندا ومعها المكسيك عن وسط القارة وممثلة لبلاد "الكاراييب" لتنظيم مونديال 2026.
من هنا يكون نجح وبالعلامة الكاملة الاتحاد الدولي - الفيفا ورئيسه جياني إنفانتينو بإرضاء جميع اقطاب لعبة كرة القدم كلٌ في دوره وعلى مساحة كامل الكرة الارضية.