على هامش المداولات بموازنة 2024 قراران قد يساهمان بفرملة الانهيار في الضمان الاجتماعي ويحولان دون إقفال أبوابِه

عندما يصبح "الضّامن" غير مضمون، يكون "سيل" التحلّل في مؤسّسات الدّولة قد "بلغ الزبى". فالصندوق الوطني للضمان الاجتماعي عالق منذ العام 2007، في متاهة مجلس إدارة ممدّد له، يتناقص عدد أعضاؤه تدريجياً بفعل القدر، والخلافات. "مجلسٌ"، لا يجمع التناقضات القطاعية بين العمال وأصحاب العمل والدولة فحسب، وإنما الحزبية أيضاً. الامر الذي شل عمله، وحرمه الاستفادة من الطاقات الشابة والأفكار الخلاقة في عالم التأمين، لتجاوز الازمات. ما ارتد سلباً على المضمونين والموظفين في آن معاً.

حتّى الأول من أمس ظلّت الموافقة على أيّ قرار في مجلس إدارة الصّندوق تتطلّب موافقة 14 عضواً، يمثّلون النّصف زائداً واحداً من مجمل عدد مجلس الإدارة البالغ 26 عضواً. إلّا أنّ المشكلة، أنّ عدد الأعضاء الفعليين الباقين هو 16 عضواً فقط. فهناك ثلاثة أعضاء مستقيلين. وأربعة متوفّين. وثلاثة أعضاء لا يحضرون الجلسات، من جملتهم رئيس المجلس المتواجد في فرنسا، والذي يناهز عمره التسعين عاماً. "يحضرونه إلى الجلسات عبر تقنية اتصال الفيديو، إن كان الموضوع حسّاساً"، بحسب مصدر متابع. هذا الواقع جعل الموافقة على أيّ قرار يتطلّب الأكثرية المطلقة وليس النصف زائداً واحداً، وفسح المجال واسعاً أمام تعطيل القرارات بالانسحاب من الجلسة عند الوصول التصويت على قرارات لا تتوافق مع توجّهات البعض ومصالحهم السياسية والحزبية. ولم ينفع تدخّل وزير العمل مصطفى بيرم في منتصف العام الماضي لتصويب الواقع، بإصدار قرار، حدّد بموجبه النّصاب القانوني بالنصف زائداً واحداً من الأعضاء المتبقّين فعلياً، أي أن يكون 9 أعضاء وليس 14 عضوا. حيث جرى سحب القرار وإيقاف العمل به.

الصراع الذي يدور في مجلس إدارة الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي، وعليه، ناتج بشقّ أساسي من التمديد له لأكثر من 15 سنة

الحكومة تفرمل انهيار الضمان ولا توقفه

أمام هذا الواقع الذي بدأ يهدّد جدّيّاً الضمان الاجتماعي بالانهيار، اتّخذ مجلس الوزراء على هامش المداولات بموازنة 2024 قراران قد يساهمان بفرملة الانهيار في الضمان الاجتماعي ويحولان دون إقفال أبوابِه، ولو أنّها وصفت بـ "الترقيعية" من قبل المصادر المتابعة، وهما:

- اعتماد نصاب النصف زائد واحد لاجتماعات مجلس الإدارة بناء على عدد الأعضاء الذين مازالوا موجودين فعلياً، وليس على العدد الإجمالي.

- تعيين لجنة فنية مؤقّتة. ذلك أنّ قرارات الضمان لا تعتبر نافذة قانوناً إلّا بعد إبداء رئيس اللجنة الفنية، أو من يمثُله، رأيَه فيها. ذلك مع العلم أنّ القانون لا يجيز إنشاء لجنة مؤقّتة.

وبحسب المصادر المتابعة فإنّ القرار الأول قطع طريق تعطيل الجلسات على ثلاثة من أكثر أعضاء مجلس الإدارة نفوذاً، عندما لا تعجِبُهم المقرّرات ومنها فتح الاعتمادات المالية لتسيير شؤون "الصندوق". ومنعت إدارة الضمان من التذرع بتعطّل مجلس الإدارة لفتح الاعتمادات وتسيير مطالب الموظفين، وفي مقدمتها الحقّ بحصولهم على الرواتب الأربعة التي أقّرتها الدولة لكلّ موظفي القطاع العام ومنهم الضمان. وعدّلت الخلل الكبير في التمثيل داخل مجلس الإدارة. حيث أنّ التوازن الذي كان قائماً بين أصحاب العمل، والعمال، والدولة؛ وهي الجهات الثلاثة التي يتكوّن منها مجلس الإدارة، أصبح مفقوداً. فهناك 8 ممثلين للعمل من أصل 10 أعضاء، و5 ممثلين لأصحاب العمل من أصل 10 أعضاء أيضاً. والدولة لديها 3 ممثلين موجودين فعلياً من أصل 6 أعضاء. وهذا ما يحول دون اتّخاذ القرارات، التي تتطلّب حصولها على النصف زائداً واحداً من كلّ قطاع، أي من ممثّلي كلّ جهة على حدة. وبحسب هذا المنطق، فإنّ أيّ قرار لا يمكن أن يحوز على موافقة ممثلي أصحاب العمل والدولة. فهو يتطلّب تصويت 6 اعضاء من ممثّلي العمال، و4 اعضاد من ممثّلي الدولة، في حين أن المتواجدين هم خمسة لأصحاب العمل وثلاثة للدولة.

وفي ما يتعلّق بالقرار الثاني المتعلّق بإنشاء لجنة فنّية مؤقتة، فقد اتخذ تحت ضغط بلوغ أعضاء اللجنة السابقة السن القانونية، وعدم إمكانية التمديد لهم.

على الرّغم من حؤول القرارات دون الانهيار الكلّي في الضمان الاجتماعي، إلّا أنّها لا تعتبر بحسب المصادر "إنقاذية". إذ كان من الأجدى إصدار مرسوم استثنائي يجيز تعبئة الشغور في مجلس الإدارة من جهة. وتطبيق قانون الضمان الذي يسمح له إجراء مباريات للتوظيف أو نقل موظفين من الفئة الأولى من الإدارات العامّة إلى ملاكه، وتعيينهم في اللجنة الفنية، من الجهة الثانية.

الضغوط أثمرت اتفاقاً مرحلياً

التسريع والقبول الجماعي بالتسويات التي حصلت بعدما ظلّت مرفوضة طويلاً، يعود بحسب المصادر إلى "تهديد وزير المالية ورئيس الحكومة، بتمديد العمل ببراءة الذمّة الممنوحة من الضمان للمؤسّسات لغاية نهاية العام، حتّى لو كانت منتهية الصلاحية. ذلك مع العلم أنّ مثل هذا الإجراء يعود حصراً للضمان، ولا صلاحية لوزير المالية، أو أي جهة أخرى البتّ به. وكيلا يعطّلوا مصالح أصحاب العمل ويسمحوا بلي يد الضمان وخسارة مصدر أساسي للتمويل، من قبل السلطة التنفيذية تنازلوا وقبلوا بالشروط".

الصراع الذي يدور في مجلس إدارة الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي، وعليه، ناتج بشقّ أساسي من التمديد له لأكثر من 15 سنة. فالمجلس الذي عيّن في العام 2003، كان يجب أن تنتهي ولايته في العام 2007. إلّا أنّ تحلّل مؤسّسات الدّولة من رأس الهرم إلى أسفله دفع نحو التمديد له مراراً وتكراراً، حتّى وصلنا إلى ما نحن اليوم عليه.