شكّل رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي لجنة من القانونيين والاختصاصيين في عمل المصارف المركزية من أجل وضع اقتراحات لتعديل قانون النّقد والتّسليف. وقد تشكّلت اللجنة من وزيري العدل السابقين ابراهيم نجار وشكيب قرطباوي، والمحامي البروفسور نصري دياب، والخبراء عبد الحفيظ منصور، حسن صالح، وغسان العياش.

مع ذوبان "ثلج" السرّيّة التي أحيط بها عمل المصرف المركزي، وإظهار تقارير التّدقيق الدّوليّة "مرج" المخالفات الجسيمة، برز السّؤال عن دور "قانون النّقد والتسليف". فهذا القانون الذي يُطفئ هذا العام شمعته الستّين، هرم، وأصبح بحاجة للمراجعة. ويفترض المنطق السّليم التّدقيق في ما إذا كانت التجاوزات العديدة في إدارة المركزي السابقة ناتجة عن قصور في القانون، أو نقاط ضعف فرضتها حاجات الاقتصاد اللبناني، والتطوّرات الحاصلة في عالم المال والأعمال يجب معالجتها.

انطلاقاً من هذا الواقع شكّل رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي لجنة من القانونيين والاختصاصيين في عمل المصارف المركزية من أجل وضع اقتراحات لتعديل قانون النّقد والتّسليف. وقد تشكّلت اللجنة من وزيري العدل السابقين ابراهيم نجار وشكيب قرطباوي، والمحامي البروفسور نصري دياب، والخبراء عبد الحفيظ منصور، حسن صالح، وغسان العياش.

تعديل القوانين في السياق الطبيعي

ينطلق المحامي البروفسور نصري دياب في حديث خاص لموقع "الصفا نيوز"، من المبدأ الذي يقول إنّ "القوانين الموجودة عادة ما تكون كافية، والعبرة بتطبيقها. خصوصاً إنّ كانت هذه القوانين على غرار قانون النّقد والتسليف الذي يسمّى "code"، بالتعبير الحقوقي الفرنسي، وليس قانوناً عادياً. ويعتبر أساسياً في التركيبة القانونية اللبنانية، مثله مثل قانون الموجبات والعقود، وقانون التجارة، وقانون العقوبات، وقانون أصول المحاكمات المدنية والجزائية". إلّا أنّه من البديهي أنّ قانون النّقد والتّسليف المقرّ في العام 1963 أي منذ ستّين عاماً، يتطلّب إعادة النّظر ببعض بنوده، والتعديلات التي أدخلت عليها، والنظر فيما إذا كانت لا تزال تتماشى مع التطوّرات الجديدة في عالم المصارف المركزية وعلاقتها مع القطاع المصرفي والدولة. ولكل مستهجنٍ من إعادة النّظر بقانون النّقد والتّسليف، نذكّر بأنّه من الطبيعي تعديل القوانين بين الفترة والأخرى. وللمثال فإنّ "قانون التجارة المقرّ في العام 1943 جرى تعديله أكثر من مرّة، آخرها وبشكل معمّق كان في العام 2019"، يقول دياب، "وعليه هناك ضرورة للنّظر بالقوانين من وقت لآخر. خصوصاً إذ يُعتبر أنّها خرقت بطريقة جوهرية ومتمادية، كما حصل مع قانون النّقد والتّسليف. وعادة ما تقود المراجعة إلى احتمالين لا ثالث لهما: إمّا نقص في النّص سواء لجهة عدم تضمّنه ما يكفي من ضمانات لتطبيقه أو عقوبات لعدم تطبيقه. وإمّا تجاوزات ناتجة عن الممارسة. ليبقى الهدف في النهاية منع تكرار ما حدث في الماضي، وليس إصلاح المخالفات السابقة".

مواد تصلح لكلّ زمان ومكان.. المطلوب تطبيقها

رداً على سؤال، يعتبر البروفسور دياب أنّه "من غير الضروري إجراء تعديل جذري المادتين 90 و91، المتعلقتين بشروط إقراض الدولة، إنّما يكفي تطبيقهما. وإنّ عدم تمويل الدّولة من قبل مصرف لبنان المكرّس في المادة 90 هو مبدأ سليم يحافظ على أموال مصرف لبنان وبالتّالي على الودائع. ومن المواد التي يجب تطبيقها أيضاً برأيه، هي المادة 113، التي تنصّ على أنّ الدولة ملزمة بتسديد خسائر مصرف لبنان. حيث تتضمّن المادةّ ما حرفيته "إذا كانت نتيجة سنة من السنين عجزاً (في مصرف لبنان)، تغطّى الخسارة من الاحتياط العام، وعند عدم وجود هذا الاحتياط أو عدم كفايته تغطّى الخسارة بدفعة موازية من الخزينة". وبرأي دياب "لو طبّقت هذه المواد لما كانت تحقّقت هذه الخسارات في مصرف لبنان أولاً".

الشفافية والاستقلالية

في الآونة الأخيرة تمّ نشر تقارير التّدقيق في محاسبة ومالية وموازنة مصرف لبنان من قبل الشّركات الثلاث المدقّقة المكلّفة من حكومة الرئيس حسان دياب وهي: Oliver Wyman، KPMG، Alvarez and Marsal. وعليه يجب قراءة التّقارير الثلاثة معاً بتمعّن، لأنّها تشكّل كلٌ يعطي صورة كاملة عن وضع مصرف لبنان. وذلك على الرّغم من أنّ هذه التقارير ليست نهائية.

على الرّغم من عدم وجود ترابط مباشر بين نشر تقرير التدقيق الجنائي في مصرف لبنان مع تشكيل لجنة للنظر في قانون النقد والتسليف، فإنّ الاطّلاع على التقارير الثلاثة المنفصلة تظهر ضرورة العمل المكثّف على أمرين على الأقلّ. الأول ضمان استقلالية الهيئات الرقابية عن مصرف لبنان والمصارف واعطائها الاستقلالية الكاملة. والثانية تتعلق بالشفافية والوضوح والإعلان عن كيفية اتّخاذ القرارات داخل المصرف المركزي، وعلى حساباته وعملياته.

على أيّ حال، من الطبيعي أن تكون أيّ تعديلات يتمّ إقرارها على قانون الّنقد والتسليف، كما على أيّ قانون آخر، لها مفعول للمستقبل فقط، ويجب عدم التعويل عليها بالنّسبة للماضي. فالمبدأ القانوني الأساسي هو التطبيق الفوري للقانون الجديد، وعدم إعطائه مفعول رجعي. فالهدف من أيّ تعديل هو أخذ العبرة من الماضي لمنع تكرار الأخطاء في المستقبل.


تنصّ المادة 90 على أنّه باستثناء تسهيلات الصندوق المنصوص عليها بالمادتين 88 و89 فالمبدأ أن لا يمنح المصرف المركزي قروضا للقطاع العام.
تنصّ المادة 91 على أنّه في ظروف استثنائية الخطورة أو في حالات الضرورة القصوى، إذا ما ارتأت الحكومة الاستقراض من المصرف المركزي. تحيط حاكم المصرف علماً بذلك. يدرس المصرف مع الحكومة إمكانية استبدال مساعدته بوسائل أخرى، كإصدار قرض داخلي أو عقد قرض خارجي أو إجراء توفيرات في بعض بنود النفقات الأخرى أو إيجاد موارد ضرائب جديدة الخ...وفقط في الحالة التي يثبت فيها أنّه لا يوجد أيّ حلّ اخر، وإذا ما أصرّت الحكومة، مع ذلك، على طلبها، يمكن المصرف المركزي أن يمنح القرض المطلوب. حينئذ يقترح المصرف على الحكومة، إن لزم الأمر، التدابير التي من شأنها الحدّ ممّا قد يكون لقرضه من عواقب اقتصادية سيّئة وخاصة الحدّ من تأثيره، في الوضع الذي أعطي فيه، على قوّة النقد الشرائية الداخلية والخارجية.