الجدارة الائتمانية للدّولة "ركيكة" وانعكاسات الإقراض أخطر بما لا يقاس على الاقتصاد
التحجّج ببعض مواد "قانون النّقد والتّسليف"، لتبرير إقراض الدّولة من مصرفها المركزي، شبيه بالقول: "لا إله" والسكوت. فيكون القائل "كافراً". فيما إكمال الشّهادة "إلّا الله" يضفي الإيمان على القائل ويعطيها معناها السامي. فقراءة مواد قانون النّقد والتّسليف كاملة، ومقاربتها مع الواقع الائتماني للدّولة، يبيّن أنّ الأخيرة غير جديرة بالاقتراض. وحتّى لو كان المصرف المركزي هو مصرف الدّولة العام، فإنّ نتائج الإقراض في الظّروف الراهنة ستكون أخطر على الاقتصاد بما لا يقاس.
سبق وأشرنا في المقال السّابق إلى المادّة 88 من قانون النّقد والتّسليف التي تقول "يجاز للمصرف أن يمنح الخزينة، بطلب من وزير المالية، تسهيلات صندوق لا يمكن أن تتعدّى قيمتها عشرة بالمئة من متوسّط واردات موازنة الدّولة العاديّة في السّنوات الثلاث الأخيرة المقطوعة حساباتها. ولا يمكن أن تتجاوز مدّة هذه التسهيلات الأربعة أشهر". وممّا يتبيّن أنّ الدّولة "لم تجرِ قطع الحساب منذ ثلاث سنوات"، يقول رئيس لجنة حماية حقوق المودعين في نقابة المحامين في بيروت والخبير في الشؤون المالية والضرائبية المحامي كريم ضاهر. "وهذه من البديهيّات التي تعيق الإقراض. أمّا في العمق فإنّ قانون النّقد والتّسليف حافل بالمواد التي لا تجيز الإقراض للدّولة، أقلّه في الشّكل الذي تراه الدّولة وبالطريقة التي تختارها وهذه أبرزها:
إقراض الدّولة خيار من حقّ المركزي
تنصّ المادة 33 البند 6 على أنّ "المجلس المركزي يتذاكر في طلبات القروض المقدّمة في القطاع العام." ما يعني أنّه لا يمكن فرض الاقتراض بالقوّة. أمّا المحاججة بالمادّة 15 التي تقول إنّ رأسمال المصرف المركزي مكتتب به من الدولة اللبنانية بصورة حصرية. وبالتاّلي يحق لها طلب الأموال لكونها المساهم الرئيس به. فهي تقابل بحسب ضاهر بالمادّة 13. التي تقول إنّ "المصرف" شخص معنوي من القانون العام ويتمتّع بالاستقلال المالي والإداري. وهو يعتبر تاجراً في علاقاته مع الغير. وعليه فإنّ "المصرف هو كيان مستقلّ عن المساهم، حتّى لو كان مكتتب بنسبة 100 في المئة. والمادّة 158 من قانون التجارة تمنع على الشركة إقراض مساهميها الذين يملكون أكثر من 5 في المئة أو حتّى أعضاء مجلس إدارتها. والأمر نفسه ينطبق على مصرف لبنان. ولا يمكن من هذه الزاوية الادّعاء أنّ الدولة يمكنها تعويض خسائره في ما بعد وفقاً للمادّة 113 من قانون النّقد والتّسليف".
الإقراض يخلّ بسلامة الاقتصاد
مما يؤكّد عدم جواز الإقراض هي المادة 70 من قانون النّقد والتّسليف التي تحدّد وظيفة المصرف المركزي بـ: "المحافظة على سلامة النّقد اللبناني. المحافظة على الاستقرار الاقتصادي. المحافظة على سلامة أوضاع النّظام المصرفي". وهي كلّها شروط تتعارض مع الإقراض من التوظيفات الإلزامية بالدّولار التي تعود ملكيّتها للمودعين. وتؤدّي إلى ضرب النظام المصرفي لأنها تُعجز القطاع المصرفي عن ضمان إعادة أيّ مبلغ مهما كان صغيراً من حقوق المودعين. ويعجز من بعدها المركزي عن تأمين الاستقرار الاقتصادي. لأنّ "المتبقّي من هذه الاموال يؤمّن الحدّ الأدنى من الاستيراد للسّلع الأساسية والأدوية وغيرها"، برأي ضاهر. "وإذا تمّ الإقراض من أجل تسديد النفقات التشغيلية للدّولة، يكون المركزي يخلّ بموجباته كمصرف مركزي. وتلقى المسؤولية بالمباشر على نوّاب الحاكم".
يهدّد استقرار الليرة
أكثر من ذلك، يوجب "قانون النّقد والتّسليف" على المصرف المركزي تأمين ثبات القطع. والإقراض يؤدّي إلى استنزاف احتياطيّات النّقد الأجنبي، ويُعجز المركزي عن التدخّل بسوق القطع. مما يؤثّر سلباً على العملة الوطنية، وتالياً على التضخّم والقدرة الشرائية للمواطنين. أمّا إذا كان الإقراض بالليرة اللبنانية فهي ستتأمّن حكماً من طباعة المزيد من الليرات، ممّا ينعكس مزيداً من التضخم، وتدهوراً بقيمة العملة. وبرأي ضاهر فإنّ "المادّة 85 تقول إنّ المصرف المركزي هو مصرف القطاع العام وبهذه الصفة "يدفع (المصرف) المبالغ التي يأمر بصرفها القطاع العام حتى قيمة موجودات هذا الأخير لديه". وبالتّالي لا يمكن للدّولة برأي ضاهر أن "تطلب تحويل كميّة من الأموال تفوق ما هو موجود في الحساب 36"، (حساب الدّولة المفتوح لدى مصرف لبنان).
عقبات تطبيق المواد التي تجيز الإقراض
أمام كلّ ما تقدّم يظهر أنّ الطريقة الوحيدة لإقراض الدّولة محدّدة حصراً ضمن المواد 88 ولغاية 94. إلّا ان ما يتبين بالبحث أنّ الاعتماد على هذه المواد ساقط حتماً للأسباب التالية:
المادة 88، تتحدّث عن تسهيلات صندوق لا يمكن أن تتخطى 10 في المئة من متوسّط واردات موازنة الدولة العاديّة ولمدة 4 أشهر. واستناداً إلى هذه المادة، يحقّ للدولة اقتراض 100 مليون دولار بالحدّ الأقصى، إذا سلّمنا جدلاً أنّ متوسّط واردات الدّولة هو مليار دولار سنوياً.
المادة 89، تشترط التالي: "الإجازة بالاقتراض لا يمكن استعمالها أكثر من مرّة واحدة خلال اثني عشر شهراً والدولة تريد الاقتراض على مدار 6 أشهر وبمعدل 200 مليون دولار شهرياً.
يبقى المادة 91 التي تقول إنّه في ظروف استثنائية الخطورة، أو في حالات الضرورة القصوى، إذا ما ارتأت الحكومة الاستقراض من المصرف المركزي. تحيط حاكم المصرف علماً بذلك. وإذا سلّمنا بصحّة الافتراض، فإنّ "المركزي يشترط بهذه المادّة على الحكومة "إجراء توفيرات في بعض بنود النّفقات الأخرى أو إيجاد موارد ضرائب جديدة"، يقول ضاهر. وهذا ما يجب على الدّولة أن تفعله كبديل.
وسنتطرّق للبدائل بالتفصيل في المقال اللاحق تحت عنوان "بدائل الاقتراض موجودة ولكنّ العبرة في التطبيق"