يشير أحد المشاركين البارزين في اجتماعات باريس أن ليس هناك اسماً محدّدا تم الاتفاق على تظهيره، فهناك أسماء كثيرة مطروحة

لم ينته لقاء الاليزيه بين الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون وولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان بن عبد العزيز آل سعود إلى اتفاق نهائي، لا على صيغة محددة لإنجاز الاستحقاقين الرئاسي والحكومي اللبنانيين سواء عبر معادلة سليمان فرنجية رئيساً للجمهورية ونواف سلام (أو تمام سلام) لرئاسة الحكومة، ولا على معادلة مماثلة مع تغيير في الأسماء، تأخذ في الاعتبار أن يكون رئيس الجمهورية من خارج الاصطفافات السياسية القائمة، أي رئيس غير محسوب على أيّ فريق، ويكون ملمّاً في شؤون الإصلاح المطلوبة للدولة اللبنانية لكلّ مستوياتها وبتعاون فاعل مع حكومة قادرة على وضع البلاد على سكة التعافي.

الجلسة الانتخابية الرئاسية الأخيرة لم تكن في مصلحة فرنجية ولا المرشح جهاد أزعور

ويشير أحد المشاركين البارزين في اجتماعات باريس أن ليس هناك اسماً محدّدا تم الاتفاق على تظهيره، فهناك أسماء كثيرة مطروحة. ويعتبر أنّ الجلسة الانتخابية الرئاسية الأخيرة لم تكن في مصلحة فرنجية ولا المرشح جهاد أزعور، وبات المطروح في ضوء اجتماعات باريس الذهاب إلى خيار انتخاب رئيس من خارج الاصطفافات السياسية و"غير متورّط في الفساد السياسي والمالي" وهو ما كانت المملكة العربية السعودية نادت به منذ بدايات البحث في الاستحقاق الرئاسي.


كلمة السر

إلّا أنّه على الرّغم من كل الغبار المنثور والزوابع السياسية التي تدور أو تُدار حول الاستحقاق الرئاسي، يؤكّد بعض المعنيين الأساسيين بالاستحقاق الرئاسي، إنّ ماكرون وبن سلمان كانا وما يزالان يعتمدان، على ما يبدو، سياسة "الغموض البنّاء" إزاء هذا الاستحقاق، ويحتفظان بـ"كلمة السر" التي ستفضي في الوقت المناسب إلى انجازه، ويبدو أنّ توقيت إمرارها إلى المعنيين لم يحن بعد. حيث أنّهما يدركان حدّة الاشتباك السياسي القائم في لبنان حول ترشيح فرنجية، الذي تعترض عليه أكبر كتلتين سياسيتين ونيابيتين مسيحيتين ما تزالان تستعصيان على التطويع أو الترويض، بما يجعلهما تتقبلان التسوية أو معادلة فرنجية – سلام في شقّها المسيحي، أي رئاسة الجمهورية. ولذلك قد يكون إيفاد ماكرون ممثّله الشخصي جان ايف لودريان إلى لبنان محاولة لتغطية فترة إضافية مطلوبة من الوقت الضائع في انتظار تذليل العقبات وتحديد السّاعة صفر لانتخاب الرئيس اللبناني العتيد.

على أنّ الدليل إلى حصرية "كلمة السر" في يد ماكرون وبن سلمان هو أنّ الرجلين اجتمعا "رأسا برأس" على غداء عمل في قصر الاليزيه لم يشارك فيه أيّ من أعضاء الفريقين السعودي والفرنسي المكلّفين الملفّ اللبناني، وقد جلسوا في أحد صالونات القصر ينتظرون تلقّي خلاصة ما انتهى إليه البحث بين الرجلين في ضوء الخلاصات التي كانوا رفعوها إليهما بنتيجة اجتماعاتهم على مدى أسبوع في العاصمة الفرنسية، باحثين في مقاربات جديدة حول الملفّ اللبناني بشقّيه الرئاسي والحكومي توصّلاً إلى تسوية له.

معادلة فرنجية ـ سلام

ويعتقد هؤلاء المعنيّون بالاستحقاق أنّه وخلافاً لكلّ ما قيل وسيقال فإنّ المبادرة الفرنسية التي تقول بمعادلة: فرنجية ـ سلام لا تزال قائمة، ولم يلغها لقاء القمّة الأخير بين الرئيس الفرنسي وولي العهد السعودي على رغم قول البعض أنّ الجانب السعودي عَدَل عنها بعد قبول، مع العلم أنّ أيّ شيء رسمي بهذا المعنى لم يصدر عن باريس أو الرياض.

ويقول المعنيون أنفسهم أنّ ماكرون وبن سلمان متفقان مبدئياً على فرنجية، وكان المتوقع أن يترجم اتفاقهما "حضورياً" أو "خطياً" في لقاء باريس في ضوء ما شهدته الرياض من لقاءات بين المكلّفين الملف اللبناني فرنسياً وسعودياً، ولأنّ الحل يتطلّب تهيئة الساحة لتأمين قبوله، كان اتفاق ماكرون وبن سلمان على إيفاد لودريان إلى لبنان لهذه المهمة التي قد تحتاج إلى اسابيع وربما لأشهر لإنجازها، اللهمّ إلّا اذا حصل ما هو غير متوقع وسريع وأعاد "عقل الرحمن" إلى بعض الرؤوس الحامية، وحقّق "نبوءة" الرئيس نبيه بري بانتخاب رئيس الجمهورية خلال الفترة المتبقية من الشهر الجاري، ولكنّ هذا الاحتمال بات ضعيفاً في ضوء ما يجري في الواقع خصوصاً بعد فشل الجلسة الانتخابية الرئاسية الثانية عشر في انتخاب الرئيس العتيد، وخروجها بتعادل سلبي في السياسة كما في الأرقام بين المتنافسين، وجاءت بنتيجتها تكراراً متقدّما بعض الشيء عن سابقاتها التي لم يصل عدد أصوات المرشحين فيها إلى الستين صوتاً بل ظلت ضمن الخمسين وطار النصاب، فيما لم تجر فيها دورات الاقتراع الثانية.

أسباب التوافق

وثمّة من يبني أسباب التوافق السعودي ـ الفرنسي حول لبنان بما بين المملكة العربية السعودية وفرنسا من تقاطع مصالح يبدأ في لبنان وينتهي في إيران مروراً بسوريا والعراق ومعظم دول شبه الجزيرة العربية، وهذه المصالح يدركها الأميركيون وغيرهم.

ويقول أصحاب هذا الرأي أنّ الجانب الأميركي الذي يعتمد هو الآخر "الغموض البنّاء" في موقفه حول لبنان، يعرف ما هو مطلوب منه تقديمه بعد فوزه بـ"جائزة" الترسيم البحري للحدود البحرية بين لبنان واسرائيل، ولكنّه يهرب إلى الأمام محاولاً المناورة، علّه ينجح في تغيير قواعد الاشتباك السياسي التي أنتجت ذلك الترسيم، إلّا انّه لن يستطيع المناورة طويلاً لاصطدامه بحقيقة أنّ "الثنائي الشيعي" لا يمكن أن يتنازل عن دعم ترشيح سليمان فرنجية لأنّه يرى فيه الضمان الذي لا يطعن في الظهر على المستوى الاستراتيجي داخلياً وإقليمياً، وأنّ هذا الضمان يكسر أيّ اصطفاف سياسي أو طائفي داخلي، بعدما بات "التيار الوطني الحر" يغرّد في دائرة اصطفاف  يكاد ينهي مفاعيل "تفاهم مار مخايل" بينه وبين حزب الله، والذي يؤكّد كثيرون أنّه في ما مضى ومنذ 6 شباط 2006 حمى البلد من خطر الاصطفافات ومنع انزلاقه نحو حرب أهلية جديدة.

على أنّ منطق المصالح قبل المنطق السياسي، هو الذي يلزم فرنسا والسعودية في تأييد انتخاب رئيس لبناني جديد على وئام مع "الثنائي الشيعي"، بما يمثّل داخلياً وعلى مستوى المحور الإقليمي الذي ينتمي اليه، وكذلك على وئام مع سوريا والعراق وإيران وحتى مع دول الخليج نفسها، والتي باتت ملزمة  بالسير على هدي "رؤية المملكة 2030" التي يقودها ولي العهد السعودي بسياسة تصفير المشكلات مع دول الجوار العربي وغير العربي، خصوصاً وأنّ غايته منها هي تكريس السعودية قوّة اقتصادية وإقليمية عملاقة من جهة، وجعل الشرق الأوسط "أوروبا الجديدة" على غرار الاتحاد الأوروبي عندما كان في أوجّ تألّقه كقوّة سياسية اقتصادي ومالية عالمية.