خالد أبو شقرا

 من المنتظر أن يتمخّض غداً، جبل مجلس الوزراء، ليلد "فأر" الزيادة على رواتب الموظفين في القطاعين العام والخاص. الفئة الأخيرة من العمّال قَرّرت مصيرها "لجنة المؤشر"، باتفاق بين أرباب العمل وممثلي العمال على مقدار الزيادة وبدل النّقل. أمّا موظفو الدولة فما زال التخبّط حول مقدار الزيادات وطريقة دفعها ومدتها سيد الموقف. ومن الواضح بحسب ما يرشح من معلومات أنّ الزيادات معاكسة للمطالب المحقّة والصّريحة، وهي توضع أساساً، لتُرفض.

قبل ساعات من الجلسة المزمع انعقادها يوم غد الثلاثاء، أصبح من شبه المؤكّد أنّ الزيادة على رواتب موظفي الدولة بمختلف مسمياتهم الوظيفية ستكون على شكل "بدل انتاج" وليس بدل غلاء معيشي. ما يعني أنّ الزيادات مربوطة بإلزامية الحضور لما لا يقل عن 4 أيام خدمة فعلية. أمّا في المضمون فإن الزيادة ستكون بالليرة اللبنانية، وستضيف بين راتبين وثلاثة رواتب، على ما حددته موازنة 2023، وهي ستدفع بالدولار على سعر منصة صيرفة المحدد من مصرف لبنان، وليس على أي سعر تفضيلي آخر. أمّا فيما يتعلق ببدل النقل فرفضت اللجنة الوزارية المكلّفة البحث بالزيادات، ربطه بليترات من البنزين، محدّدة إيّاه بـ 400 ألف ليرة كحدّ أقصى. على اعتبار أنّ هذا المبلغ يوازي راهناً سعر 5 ليترات من البنزين.

شمّاعة الزيادات

من الواضح أنّ الزيادات لم تأخذ بعين الاعتبار الامكانية العالية لعودة الدولار إلى الارتفاع، وما يتبعه من ارتفاع حتمي في سعر الصرف على منصّة صيرفة، وأسعار المحروقات وبقية الخدمات من كهرباء واتصالات. وهذا ما يدلّ على أنّ المسؤولين يبحثون بما يمكن أن يعيد الموظفين إلى أعمالهم وليس بما يمكّنهم من العيش الكريم"، تقول رئيسة رابطة موظفي الإدارة العامة نوال نصر. هذا إن صفّينا النيّة. أما إن صوّبنا الظن بعقلانية استناداً إلى التجارب السابقة، فيمكننا الاستنتاج أنّ "زيادة الرواتب ستكون الشماعة لرفع الضرائب والرسوم. ولاسيما منها الدولار الجمركي، المتوقع زيادته إلى رقم ما بين 60 ألف ليرة، والسعر المعتمد على صيرفة". وهذا ما يمكن الاستدلال عليه بوضوح من وجهة نظر نصر من خلال رفع الدولار الجمركي من 15 إلى 45 ألف ليرة في الفترة الماضية، بالتوازي مع الحديث عن زيادة الرواتب. فرُفع الدولار الجمركي ولم ترفع الرواتب.

بدل النقل

في الوقت الذي كان يعتبر فيه الموظفون، وتحديداً في الإدارة العامة، أنّ تحديد بدل النقل بـ 5 ليترات من البنزين غير كافٍ، ويطالبون بربطه بالكلفة الحقيقية للمسافة المقطوعة، حدّدت اللجنة المكلّفة حلّ أزمة الرواتب بدل النقل بـ 400 ألف ليرة. وذلك على اعتبار أنّ المبلغ يوازي سعر 4 ليترات من البنزين راهناً. لكن ماذا إذا عاد سعر البنزين إلى الارتفاع، وهو احتمال وارد بين يوم وآخر، فكيف يمكن للموظفين الاستمرار بالحضور إلى مراكز عملهم؟! سؤال لا جواب عليه. وذلك على الرّغم من أنّ حلّ هذه الإشكالية لا يتطلّب أكثر من وضع أجهزة التفتيش جدولاً بمراكز عمل الموظفين ومكان سكنهم. ومن ثم تقسيم تعويض بدل النقل إلى شطور من صفر إلى 10 كيلومتر، ومن 10 إلى 20 كيلومتر... إلخ. وهو ما يؤمّن مبدأ العدالة والإنصاف لكلّ الموظّفين.

الاستشفاء لشهرين

بالإضافة إلى الزيادات على الرواتب، من المنتظر أن تقرّ الحكومة مبلغ 500 مليار ليرة للجهات الضامنة، وتحديداً منها تعاونية موظفي الدولة، من أجل تلبية الحاجات الصّحيّة والاستشفائية للموظفين. إلّا أنّ هذه الزيادة المقبولة، تقابل بتحديدها لمدة شهرين فقط. "فهل يفترض بالموظفين تحديد أوقات مرضهم ليضمنوا تلقّي العلاج؟"، تسأل نصر ساخرة، لتجيب أنّ هذه الزيادة كانت لتكون مقبولة لو كان حجمها 6000 مليار ليرة وتمتد على فترة سنة كاملة. أما وقد جرى اجتزاءها وربطها بمهلة مقيدة ففقدت المنفعة الحقيقية منها.

في الموازاة فإنّ الزيادات المعطاة على الرواتب والأجور ستكون أيضاً لمدة شهرين فقط. الأمر الذي يطرح العديد من علامات الاستفهام عن ربط الزيادات بنهاية شهر تموز، المصادف مع تاريخ انتهاء ولاية حاكم مصرف لبنان. فهل الامران مرتبطان؟ لا أحد يعلم. فمن ضمن الاحتمالات لتحديد المهلة بشهرين يبرز أيضاً، الأمل بانتخاب رئيس للجمهورية في هذه الفترة، ما يمكن مجلس النواب من العودة إلى استقبال مشاريع القوانين المحالة من الحكومة، وفي مقدمتها قانون موازنة 2023، الذي يجب أن يتضمّن حلّاً جذرياً لإعادة هيكلة القطاع العام وزيادة رواتبه وربطها بمصادر مستدامة للإيرادات.

 ما المطلوب

أمام هذا الواقع الضبابي تبدو مطالب الموظّفين واضحة كـ "عين الشمس"، ولو أنّ تحقيقها يتطلّب معجزة حقيقية. ومن أبرز ثوابت الموظفين لفك الإضراب والعودة بشكل طبيعي إلى العمل تحددها نصر بالتالي:

  • ربط الزيادات بسعر خاص وثابت على منصّة صيرفة. بحيث يكون السّعر المعتمد لا يقلّ عن نصف قيمة ما كان عليه سعر الصّرف الرسمي السابق.
  • ألّا يقل راتب موظف الفئة لخامسة عن 450 دولاراً أميركياً.
  • تغطية بدل الاستشفاء في تعاونية موظفي الدولة عن عام كامل.
  • دمج أي زيادة تعطى بأساس الراتب.
  • تطبيق ما يصحّ على الخدمة الفعلية، على المتقاعدين.
  • تصحيح تعويضات الصّرف.

الأكيد أنّ المقررات التي قد يخرج بها مجلس الوزراء يوم غد الثلاثاء، ستكون أبعد ما تكون عن طموحات الموظفين. وهذا ما يعيدنا إلى جوهر إشكالية الأزمة اللبنانية، بأن "الحل بالقطعة"، سامٌ. وهو كمن يسدّ "جوع" الاقتصاد وقطاعاته العامّة والخاصّة بألواح الشوكولا. فيشبعه مؤقّتاً من دون أن يؤمّن أي قيمة غذائية حقيقية. ويتركه مع طبقات من "دهون" المشاكل الضارّة، التي لن تلبث أن تعطّل قلبه.. آجلاً إن لم يكن عاجلاً.