خالد أبو شقرا

"بلغ سيلُ" إهمال الدولة للمعالجات الجدية في مؤسساتها العامة وقطاعاتها الخدماتية "زُبى" قطاع الاتصالات الأرضية. فلم تكد وزارة الاتصالات "ترتق" ما فتقه إضراب موظفي "هيئة أوجيرو" في أيلول 2022، حتى عاد الشلل ليسيطر تدريجياً على قطاع الاتصالات والانترنت، مهدداً بتعطيل المصالح العامة والخاصة، وفصل لبنان عن العالم.

قبل نحو نصف عام رضي موظفو هيئة أوجيرو بالمساعدة الاجتماعية التي تراوحت بين مليون ونصف وثلاثة ملايين ليرة، مضافاً إليها بدل إنتاجية، ما رفع أصل الراتب بحدود 2.2 مرة. إلّا أن هذه الزيادة اليتيمة ما لبثت أن توقفت بعد نحو شهرين من إقرارها، ليعود الدخل الشهري ويقتصر على أساس الراتب مضاعفاً مرتين بحسب ما أقرّته موازنة العام 2022، لكل موظفي القطاع العام بمختلف مسمياتهم الوظيفية. "إلا أنّه في الوقت الذي يتقاضى فيه موظفو الدولة الزيادة وهم مضربون، يحضر موظفو "الهيئة" طيلة أيام الأسبوع"، يقول أحد الموظفين. وبدل النقل المحدد بـ 95 ألف ليرة لم يعد يكفي لقطع مسافة تزيد عن 6 كلم. ما حتّم على كل الموظفين المقدّر عددهم بحوالي الألف موظف، أن يدفعوا من جيبهم الخاص للوصول إلى مراكز عملهم. و"هذا ما لم يعد مقبولاً"، بحسب الموظف. "فقد نرضى بالعمل المجاني، إلاّ أن يصل الأمر لندفع من جيوبنا وحقوق عائلاتنا لتشغيل القطاع، فهذا ما لا نستطيع تحمّله مهما كانت النتائج".

تعزيز إيرادات الهيئة

ما يميّز الإضراب هذه المرة أن المطالب لا تنحصر بقبض المستحقات القديمة، وزيادة الرواتب ودفع جزء منها بالدولار، أسوة ببقية شركات الاتصالات، إنما بتحسين إيرادات أوجيرو. وهو الأمر الذي يؤدي بحسب مصادر النقابة إلى زيادات الإيرادات العامّة للخزينة العامّة، ويسمح برفع موازنة الهيئة. فالموازنة العامّة المخصصة لأوجيرو ما زالت 48 مليار ليرة سنوياً، أو ما يعني 436 ألف دولار بحسب سعر صرف 110 آلاف ليرة. وإذا وضعنا كل المصاريف التشغيلية وتلك المتعلّقة بالصيانة للهيئة جانباً، يكفي الإشارة إلى مصروفين باهظين، وهما:

  • كلفة شراء المازوت بـ "الفريش" دولار لتشغيل حوالي 320 سنترالاً على مدار الساعة. خصوصاً بعدما انتقلت المولّدات من مصدر الطاقة الاحتياطي إلى المصدر الأساسي الوحيد لتأمين الكهرباء نتيجة عدم توفر كهرباء الدولة.
  • تسديد ثمن شراء الانترنت من الخارج بـ "الفريش" دولار.

المفارقة أن أوجيرو بصفتها المستورد الوحيد للانترنت إلى البلد تسدّد الفواتير بالدولار النقدي، وتبيعه لشركات الانترنت الخاصة، ولشركتي الاتصالات الخليوية بسعر أقل من 4000 ليرة للدولار، فيما هما يبيعانه إما بـ "الفريش" دولار كحال مزودي الانترنت، أو على سعر صيرفة 90 ألف ليرة كحال شركات الاتصالات"، يقول أمين سر نقابة أوجيرو عبدالله اسماعيل. وعليه من الطبيعي أن تذوب إيرادات الهيئة مقابل ارتفاع نفقاتها. الأمر الذي أصبح يهدد بلحاقها بقطاع الكهرباء. وهو ما يمثل ضرراً فادحاً للموظفين وللمواطنين وللاقتصاد على حد سواء.

الإيرادات بالمقارنة مع الأكلاف

في الوقت الذي أقرّت فيه حكومة تصريف الأعمال تخفيض فواتير الهاتف الخلوي بمقدار 3.3 مرة وضربها بسعر صيرفة في أيار العام 2022، زادت فاتورة الهاتف الأرضي بمعدّل 2.5 مرة بالليرة فقط. فيما بقي الرسم الثابت الذي يدفعه المشترك، من دون تعديل. وعلى سبيل المثال ارتفع اشتراك الانترنت DSL غير المحدود لغاية 6 ميغابايت من حدود 65 ألف ليرة إلى 175 ألفا، أي 1.5 دولار شهرياً فقط. فيما يبلغ سعر خط الهاتف الثابت مع إيجار تركيبه ووصله 13 ألف ليرة، في حين تتكبد المؤسسة كلفة لا تقل عن مليونين ليرة كبدل سعر الخط ووصلاته، ومصروف فريق العمل المؤلف من شخصين على الأقل، وتأمين الانتقال إلى الموقع بآليات الهيئة... وبقية متطلبات العملية اللوجستية.  وهذه الكلفة مقدرة بمليونين إن كان الموقع قريباً من السنترال، وكلما ابتعد كلما زادت الكلفة أكثر نتيجة ارتفاع أسعار المواصلات. وهو الأمر الذي يجافي المنطق ويؤدي إلى إفلاس المؤسسة حرفياً.

زيادة الأسعار على الشركات

على الرغم من التعريفات المتهاوية لأسعار خدمات الاتصالات الأرضية والانترنت، فإن نقابة الموظفين لا تطرح تحميل العبء على المواطنين واحتساب التسعير على صيرفة كما حصل مع الكهرباء والاتصالات الخليوية، إنما زيادتها على الشركات التي تتقاضى فواتيها بـ "الفريش" دولار. وبحسب مصادر النقابة فإن خدمات E1 التي تقدّم لشركات DSP مثل: جي بي أس، وكايبل وان، وسوديتال... ولشركات ISP، وشركتي الخلوي "تاتش" و"ألفا"، تباع بالليرة وعلى سعر أقل من 4000 ليرة، فيما الشركات تبيعه بالدولار. ويكفي احتساب الأسعار بالدولار للشركات وإبقائها كما هي للأفراد لرفد الهيئة بالكثير من الإيرادات".

حسبما يظهر لغاية الآن فإن موظفي الهيئة مستمرون بإضرابهم، والدولة عاجزة عن إعطاء الزيادات على الرواتب وفرض التقاضي من الشركات بالدولار. والنتيجة تعطّل السنترالات واحداً تلو الآخر نتيجة غياب الصيانة وعدم تزويد المولّدات بالمازوت. وعليه ستنقطع خدمة الانترنت عن مؤسسات القطاعين العام والخاص والمؤسسات الأمنية. وستتكبد مختلف قطاعات الأعمال خسائر بملايين الدولارات. ما سيدفع بمن تبقى من مستثمرين إلى ترك السوق اللبناني والانتقال إلى إحدى الدول المجاورة. وذلك على غرار ما فعله كثر من أصحاب المصانع ومعارض السيارات.

لعل أخطر ما في الأمر هو إصابة سنترالي رأس بيروت والجديدة اللذين يدخل عبرهما الانترنت إلى البلد، فينعزل لبنان حرفياً عن العالم.