الصفا

كل الأحزاب السياسية ليست جاهزة لخوض الانتخابات البلدية والإختيارية في ظل الوضع الراهن، ولا الدولة في كامل جهوزيتها بعد. بيد أن كل فريق يتلطّى خلف الفريق الآخر، ويرفض أن يكون صاحب المبادرة بطلب التأجيل. البحث جارٍ عن نقولا فتوش جديد للإنتخابات البلدية. فالنائب السابق كان السبّاق الى اجتراح الحلول متى استعصيت، وسجل سابقة حين تقدّم في السابق باقتراح قانون للتمديد لمجلس النواب، تم التصويت عليه وأقرّ التمديد بسحر ساحر. وطالما أن كل الدلائل تؤكّد أن لا استعداد لخوض غمار الانتخابات وإرباكاتها المتشعبة، فالمطلوب فتوش جديد وغب الطلب ينقذ القوى السياسية من ورطتها.

في الوقائع وخلف الكواليس أبلغ الثنائي الشيعي صراحة ميله الى تأجيل الإنتخابات البلدية والإختيارية، يلاقيه التيار الوطني الحر الذي يفضّل تأجيلها بالنظر الى الحساسيات التي ستتسبب بها في القرى والبلدات خاصة قبيل الانتخابات الرئاسية. بينما يراهن حزب القوات اللبنانية على نتائج الانتخابات النيابية معتقداً أن حظوظه متوافرة لحصد النتائج لصالحه في البلديات المسيحية على حساب التيار.

ليس الثنائي في وضع يخوله فرض مجالس بلدية بالتوافق كما في السابق. الحسبة اختلفت، حتى الجمهور اختلفت توجهاته، وصار هناك دور لرجال المال والأعمال والمستقلّين. كلها عوامل تؤخذ في الحسبان. وليس أفضل حالاً المسيحيين أو السنة في بيروت في ظل غياب تيار المستقبل.  في إحدى القرى في البقاع هناك 14 مرشحا من الفريق السياسي نفسه يعتزمون الترشح على عضوية مجلس بلدي مؤلف من تسعة أعضاء!

في 31 أيار 2023 تنتهي ولاية المجالس البلدية في لبنان. على مسافة شهرين تقريباً من موعدها المفترض في السابع من أيار، ليس محسوماً بعد الإلتزام بتمرير الإستحقاق في موعده الدستوري. تصريحات المسؤولين بالتأكيد على ضرورة إجراء الإنتخابات لا يؤشر الى عمق نيتهم بذلك، بدليل عدم استعداد الأحزاب لخوض الإنتخابات على أرض الواقع، لاعتبار أن الأولوية هي لانتخاب رئيس للجمهورية.

حتى الساعة لا تملك أي جهة رسمية الجواب اليقين على السؤال حول مصير الإنتخابات البلدية . وزارة الداخلية والبلديات من ناحيتها تبدي حماسة لإجراء الإنتخابات وإثبات جدارتها أمام المجتمع الدولي الملحّ على إجرائها. يصرّ وزير الداخلية والبلديات بسام المولوي على دعوة الهيئات الناخبة في الثالث من نيسان، لكن لا شيء جاهز بعد. الإقبال على التدقيق بلوائح الشطب ضعيف مقارنة مع المرات السابقة، القطاع العام لاسيما قطاع التعليم والقضاة ليسوا على إستعداد للمساهمة في الإنتخابات التي ستجرى في أربعة أيام وليس في يوم واحد كما الإنتخابات النيابية. وهل يقبل بالمساهمة في الانتخابات من يرفض استكمال العام الدراسي في ظل وضعه المالي المتردي؟

على أن كل ما تقدّم في كفة والتمويل في كفة ثانية. رغم اقتراب المهل لم تستطع الحكومة تأمين الإعتمادات اللازمة للإنتخابات البلدية. وطلب المولوي بفتح اعتماد مالي بمبلغ وقدره 9 ملايين دولار لتأمين تغطية التكاليف المالية المترتبة على إجراء الانتخابات البلدية لم يدرج على جدول أعمال الجلسة الوزارية المقبلة، قالها رئيس حكومة تصريف الأعمال لمراجعيه صراحة "لا آريد تحمّل هذه المسؤولية وليقم مجلس النواب بواجبه".

وفي ظل الإنقسام في الرأي والمقاطعة المسيحية، ليس معلوماً بعد إمكانية عقد جلسة تشريعية لمجلس النواب لفتح اعتمادات إضافية للإنتخابات  البلدية أو إقرار التمديد للمجالس البلدية الحالية وللمخاتير، طالما أن المولوي يعلن إستعداده لإجراء هذه الإنتخابات.فهل يعلن المجلس التأجيل فيخالف قرار الوزير المعني؟ هنا أيضاً حفلة مزايدات بين الحكومة ومجلس النواب.

قبل يومين تقدم معاون رئيس مجلس النواب النائب علي حسن خليل باسم كتلة التنمية والتحرير، بإقتراح قانون لفتح إعتماد إضافي لتأمين تمويل إجراء هذه الإنتخابات في مواعيدها، والذي يفترض أن يحال إلى جلسة اللجان المشتركة لإقراره، تمهيدًا لعرضه في الجلسة التشريعية. وجاءت الخطوة في معرض الرّدّ على اتهام القوات اللبنانية للثنائي بتعطيل حصول الإنتخابات وفي محاولة لإحراج المسيحيين والدفع بهم للموافقة على عقد جلسة تشريعية لمجلس النواب. ويقع الأمر في سياق التناقض في التعاطي المسيحي مع المسألة. فمن جهة تصرّ هذه القوى علانية على إجراء الإنتخابات في موعدها ومن جهة أخرى تتمسك بمقاطعة الجلسة التشريعية لتأمين الأعتمادات اللازمة لإجرائها، وتطالب بصرف الإعتمادات من خلال الأموال التي قدمها صندوق النقد الدولي على سبيل مساعدة للظروف الإستثنائية، وهذه شارفت على نهايتها.

على مسافة شهرين ليس معلوماً بعد ما هي خطة الحكومة لمقاربة هذا الإستحقاق وعلى أي أساس سيدعو وزير الداخلية الهيئات الناخبة.

مصادر وزارة المالية تؤكد أن لا أموال متوافرة لصرفها على الإنتخابات النيابية . تبدي الأمم المتحدة إستعدادها للتمويل، إنما لا شيء ملموس بعد ولا خطوات خارج إعلان النوايا. وإذا لم يتوافر المبلغ المطلوب من خلال المساعدة الخارجية فإن لبنان على موعد مع معضلة كبيرة تتعلق بتوقف عمل البلديات البالغ عددها 1055 بلدية عن العمل بينها 42 بلدية منحلّة أصلاً، ويتوقف المخاتير عن أداء أعمالهم، وإذا كان تسيير شؤون البلديات ممكن من خلال المحافظين والقائمقامين، فإن توقف عمل المخاتير لعدم وجود قانون ينص على من ينوب عنهم هو المشكلة بعينها. فتصبح شؤون الناس عرضة للتعطيل، ونحن نتحدث هنا عن كل معاملات الأحوال الشخصية والأوراق الثبوتية وغيرها الكثير.

ترفض أي جهة سياسية تلقف كرة النار والإعلان عن رغبتها التأجيل. لا يريد أي مسؤول تحمل مسؤولياته. يعبّر مصدر وزاري عن خشيته من أن الإستحقاق يسير بإتجاه التأجيل حسب ما تشير المعطيات.

مصادر نيابية أكّدت منحى التأجيل بقرار يصدر بهذا الشأن عن المجلس النيابي، لأنّ معظم النواب بما فيهم التيار وباستثناء القوات والكتائب وبعض التغيريين، سيحضرون جلسة سيتحدد موعدها بعد اجتماعات اللجان المشتركة. مصادر التيار الوطني الحر قالت إن التيار يحضر حكماً جلسة تشريعية لبت موضوع مصير الإنتخابات البلدية.

مسألة إضافية ستكون سبباً في التأجيل وهي مطالبة المسيحيين بتقسيم العاصمة بيروت، ورفض السنّة لهذا الطلب. أي انتخابات تحصل في ظل الوضع الراهن قد تنتهي بانتخاب مجلس من المسلمين على حساب التمثيل المسيحي الذي صار معتاداً على توافره بالتوافق قبيل كل إنتخابات. فكيف سيكون عليه الحال اذا ما حصلت الإنتخابات؟ ومن الجهة التي ستؤمّن التوافق؟

يركن التيار الوطني الى مشروع سبق وتقدم به الوزير السابق زياد بارود موجود في مجلس النواب، ويقسّم بيروت إلى 12 دائرة لكنّه مرفوض من الثنائي. يعتبر رئيس المجلس نبيه بري أن اللامركزية بمثابة تقسيم، فيردّ عليه رئيس التيار شاجباً ونافياً .

وطالما أنّ الظروف طبقاً للوقائع غير مؤاتية، فالسؤال من سيتخذ القرار بالتأجيل ويطلب هذا الاسبوع تمديد ولاية البلديات والمخاتير؟ ومن هو فتّوش عصره؟

الجواب رهن الأيام القليلة المقبلة اللهم إلا إذا أمّنت التمويل بسحر ساحر قوى دولية فانصاع الجميع للرغبة الخارجية وهذا مستبعد حتى الساعة.