طارق ترشيشي
حسم الأمر... سليمان فرنجية رئيساً للجمهورية، وبدأ البحث يتركّز على اختيار رئيس الحكومة الأولى للعهد الرئاسي الجديد، وفيما بقية التسوية تقضي أن يكون القاضي نواف سلام فإن بعض القوى السياسية يحاول أن يفرض اسماً آخر بين أن يكون الرئيس تمام سلام أو بقاء الرئيس نجيب ميقاتي أو شخصية أخرى... فالأمر على همّة المملكة العربية السّعودية التي غالباً وتاريخياً ما تكون لها تزكيتها لمن يتولّى هذا المقام.
نواف سلام ما يزال المرجّح، والمنتظر أن يبقى لأن السعودية تزكّيه، وهو أعلن الأسبوع الماضي وبطريقة غير رسمية، برنامج ترشيحه لرئاسة الحكومة في مداخلة دعي إليها خلال احتفال جمعية المقاصد الخيرية الاسلامية بعَيْد تأسيسها الـ145 قبل أن يقفل عائداً إلى لاهاي حيث عمله في محكمة العدل الدولية.
ويؤكّد مرجع كبير أن مجرّد إعلان كل من رئيس مجلس النواب نبيه بري والأمين العام لحزب السيد حسن نصرالله بما يمثلان دعمهما ترشيح فرنجية، فذلك دليل على أن التسوية دخلت حيز التنفيذ والبقية تأتي وفق معادلة رئيس جمهورية يدعمه فريق 8 آذار، مقابل رئيس حكومة من كنف المعارضة أو ما كان يسمى فريق 14 آذار. ولذلك باتت مسألة انجاز الاستحقاق مسألة وقت ترتبط بمدى سرعة المعنيين في تسويق الاتفاق لدى الأفرقاء السياسيين، خصوصاً أولئك الذين اعلنوا للوهلة الأولى معارضتهم انتخاب فرنجية مهدّدين بتعطيل جلسة انتخابه، علماً أن معارضة بعض هؤلاء تنطوي على رفع السقف بغية الحصول على مكاسب أكبر في التسوية وخلال العهد الرئاسي الجديد.
وأكثر من ذلك، يؤكّد هذا المرجع أن رئاسة فرنجية هي الثّمن الذي أراده "الثنائي الشيعي" مقابل ما قدّمه من تسهيلات وما بذله من ضغوط لتسهيل الاتفاق على ترسيم الحدود البحرية الذي ضغطت واشنطن وتل ابيب بشدّة للحصول عليه، وهذا الثمن لا يمكن لواشنطن وحلفائها في المنطقة التّهرّب من دفعه. ولعلّ ما يؤكد قبول الأميركيين بفرنجية ملبّين رغبة الثنائي الشيعي أن واشنطن لم يصدر عنها أي موقف علني أو في الكواليس أنها تضع "فيتو" على فرنجية أو أنها تعترض عليه، وكذلك الأمر بالنسبة إلى فرنسا وكل الدول الاوروبية التي بدأت تستفيد من اتفاق الترسيم البحري الذي وفّر لها غاز المتوسط تعويضاً عن الغاز الروسي نتيجة الصراع الذي نشأ نتيجة الحرب الروسية – الاوكرانية، حيث أن اسرائيل باشرت تصدير الغاز من حقولها وأبرزها حقل "كاريش" إلى الأوروبيين، فيما لبنان ينتظر تأمين الحفّارة ليبدأ الحفر في حقل قانا في أيلول وتعلن النتائج في نهاية السنة، حسبما أعلنت شركة "توتال" المتعهدة في الآونة الاخيرة.
ولذلك لم يأتِ ترشيح بري ونصرالله لفرنجية من فراغ وإنما يستند إلى معطيات ستظهر تباعاً في قابل الايام، وهنا ينبغي التوقف عند حراك السفير السعودي في لبنان وليد البخاري بعد تغريدته عن "التقاء الساكنين" التي أعطيت تفسيرات ذهبت بالبعض إلى حد اعتبار ترشيح "الثنائي الشيعي" لفرنجية بأنه إحراق أو "الساكن المحذوف" لمصلحة "الساكن الثاني" أي قائد الجيش العماد جوزف عون، حسبما فسّر البعض خصوصاً في صفوف المعارضة تغريدة البخاري الذي جاء كلامه للبطريرك الماروني بشارة الراعي ليضع حدّاً لهذا التأويلات، ويؤكد ان السعودية لا تتدخل في الأسماء وإنما تدعم انتخاب رئيس انقاذي للبنان غير متورط في الفساد المالي والسياسي.
وقبل كل هذا لم يكن كلام بري عما سمّاه المرشّح "الأنبوبي" لفريق المعارضة، والذي أعقبه بإعلان ترشيحه فرنجية سبب التصعيد الذي يتسم به موقف هذا الفريق من الاستحقاق الرئاسي، فهذا التصعيد سابق لذلك بأشهر وكان يَعْنف حيناً ويخفّ أحيانا، تبعاً للمعطيات التي تتوافر لديه حول ما يدور في اللقاءات والمشاورات الداخلية والاقليمية والدولية في شأن مصير الاستحقاق الرئاسي.
ويقول متتبعون لهذه المشاورات أن هذا التصعيد الذي ينتظر أن يعنف أكثر في الأيام والاسابيع المقبلة يؤكّد بما لا يقبل الشك أن التسوية حول الاستحقاق الدستوري بشقّيه الرئاسي والحكومي قد حصلت. وأن ردّات الفعل العنيفة من هنا وهناك، وتحديداً في موقفي "التيار الوطني الحر" و"القوات اللبنانية" هي خير دليل على أن التسوية أُنجزت ولم تأتِ وفق ما تشتهيه سفنهما، ولذلك يندفعان إلى التصعيد لاعتقادهما بأنه قد يغيّر ما في نفوس واضعيها فيعدلوا فيها ويبدلوا آخذين مواقفهما في الحسبان.
لكن بين القادة المسيحيين من لهم رأي آخر، ويؤكدون أن التسوية حصلت أو هي قيد الحصول، وأنها ستأتي فعلاً على حساب "التيار" و "القوات" اللذين لن يتمكنا من تغيير وجهتها والمعادلة التي تقوم عليها، وتأخذ في الاعتبار الربط بين طبيعة الاستحقاق الرئاسي ـ الحكومي، وطبيعة ما يطبخ للمنطقة من تسويات بغية إطفاء الجبهات الملتهبة فيها.
ويجزم أحد هؤلاء القادة المسيحيين في أن لا هدف لـ"التيار" و "القوات" من التصعيد سوى استبعاد فرنجية كخيار جدي لرئاسة الجمهورية. وينقل هذا القيادي عن فرنجية تأكيده أن "التسوية آتية لا محالة" وانه ليس في وارد أي لقاء مع أي من "القوات" و "التيار" لأن خطابهما السياسي منغلق وليس في مصلحة المسيحيين ومستقبلهم، وأنه لا يمكن التلاقي معهما في هذا الخطاب. ولذلك، يؤكد هذا القيادي أن لا خيار أمام "التيار" و"القوات" سوى السير بالتسوية الآتية. ويشير إلى "ان فرنجية كان ولا يزال وسيبقى طارحاً نفسه رئيساً توافقياً ولا يمكن أن يقبل إلّا أن يكون توافقياً".
ومن هذا المنطق يتمسك فرنجية، حسب القيادي نفسه، في أن يكون على تواصل وتوافق مع الجميع عبر كل السبل، لأن قوة رئيس الجمهورية بعد "اتفاق الطائف" ليس في ما له من صلاحيات، وإنما بتوافقيته التي تفرض عليه أن يكون مع الجميع وللجميع وحَكَماً بينهم بالعدل، وفي تصويب أي اعوجاج يمكن أن يضرّ البلاد أو يحرفها عن مواضعها الصحيحة. وفي ضوء هذه العقلية والمواصفات يرى فرنجية نفسه الأكثر مقبولية لرئاسة الجمهورية، مهما كانت المواقف الخارجية التي لم يتبلغ أن أي منها يضع "فيتو" عليه، وإذا كان بعضها لا يؤيده فإنه في الوقت نفسه لا يرفضه عبر "فيتو" أو غيره. أمّا موضوع توافر الميثاقية في الانتخاب فهي ليست في عدد النواب المسيحيين الذين ينتخبون الرئيس، وإنما هي في نصاب أكثرية الثلثين من أعضاء المجلس النيابي الذي بمجرد توافره لانعقاد الجلسة، فإنه سيجمع في عداده نواباً من جميع الطوائف حتى وإن كان بينهم من لا ينتخب الرئيس.