طارق ترشيشي

"قضي الامر الذي به تستفتيان"، رئيس تيار "المردة" سليمان فرنجية رئيساً للجمهورية والقاضي نواف سلام )أو الرئيس تمام سلام( رئيساً للحكومة، هذا ما تم الاتفاق عليه ضمناً بين الولايات المتحدة الأميركية وفرنسا والمملكة العربية السعودية وباتت مسألة إخراج الاتفاق إلى العلن مسألة وقت فقط، على حد تأكيد قطب سياسي بارز.

ويبدو أن تسويق هذا الاتفاق داخلياً، يقول هذا القطب، يحتاج إلى بعض الوقت لأنّ بعض الأفرقاء السياسيين اللبنانيين يقبل به والبعض الآخر يرفضه أو يتحفظ عنه، وإن تذليل هذين الرفض والتحفظ يحتاج إلى فترة زمنية ربما تنتهي سريعاً، وربما تتأخر قليلاً ولكن ليس لأكثر من مطلع حزيران المقبل على أبعد تقدير، خصوصاً وأن بعض القوى الإقليمية يزامن اهتمامه بهذا الاتفاق باهتمامات وانشغالات أخرى يريد أن ينتهي منها، بحيث ينطلق الحل اللبناني على وقع انفراجات واسعة في الأزمات الإقليمية ولا سيما منها أزمة اليمن والعودة العربية الواسعة المتوقعة إلى سوريا وبينهما إعادة تطبيع العلاقات العربية ـ الإيرانية عموماً والخليجية ـ الإيرانية خصوصاً، في ضوء المفاوضات الجارية بين الرياض وطهران مباشرة وعبر أكثر من قناة.

ويؤكد سياسيون ومتابعون للاستحقاق الرئاسي أن من المؤشرات الدامغة على حصول هذا الاتفاق الأميركي ـ الفرنسي ـ السعودي، هي الآتية:

ـ أولاً، الموقف التصعيدي والمتشدد الذي أعلنه رئيس حزب "القوات اللبنانية" الدكتور سمير جعجع الأسبوع الماضي ضد انتخاب فرنجية رئيساً للجمهورية، وهو موقف وصل إلى حدود التهديد بمقاطعة نهائية لجلسة أو جلسات الانتخابات الرئاسية وذلك بعدما كان أكّد في الاسابيع الاخيرة أن "القوات" ربما تقاطع جلسة او جلستين انتخابيتين فقط، ثم تحضر من دون أن تنتخب إذا تبيّن لها أن الأكثرية النيابية المطلقة أو أكثر تؤيّد مرشحاً معيناً للرئاسة حتى ولو كانت "القوات" ترفضه أو لا تؤيده على قاعدة عدم تعطيل العملية الديموقراطية. على أنه يلتحق بهذا الموقف "القواتي" أو يشبهه موقف كتلة نواب حزب الكتائب اللبنانية أيضا، ولكنه يبدو أقلّ صراحة في الموقف الرافض لترشيح فرنجية، من دون أن يعني ذلك أنّه قد يتحول قبولاً بالرجل لاحقاً، مع العلم أنّ التجارب تشير إلى أن لا موقف دائماً أو ثابتاً في السياسة، إذ أن ما يمكن أن يكون مرفوضاً اليوم قد يصبح مقبولاً غداً.

ـ ثانياً، تنقُّل رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط بين أغصان "شجرة المرشحين" الرئاسيين، فمرّة يغطّ على غصن المرشح ميشال معوض ومرة أخرى يغطّ على أغصان مرشحين آخرين، ثم يغطّ على غصن قائد الجيش العماد جوزف عون، ليعود إلى غصن معوض فيما مبيته أو مربط خيله الأخير هو عند رئيس مجلس النواب نبيه بري، حيث سيبيت معه في النهاية على غصن واحد هو سليمان فرنجية مهما كلّفه الامر وأياً كانت التبعات. مع العلم أن ما يقوم به جنبلاط في هذه الأيام بل ومنذ دخول البلاد في مدار الاستحقاق الرئاسي منسّق تماماً ومسبقاً بينه وبين رئيس مجلس النواب، مع أخذه هامشاً واسعاً للمناورة ضمن "عدة الشغل" التي يتطلبها العمل لتظهير الصورة النهائية التي سيرسو عليها الاستحقاق الرئاسي من دون أن ينسى كيف أن صوت والده الزعيم الراحل كمال جنبلاط هو الذي رجّح فوز الرئيس الراحل سليمان فرنجية على الرئيس الراحل الياس سركيس في الانتخابات الرئاسية عام 1970.

ـ ثالثاً، موقف رئيس "التيار الوطني الحر" جبران باسيل الرافض انتخاب فرنجية، رغم إدراكه أن بين أعضاء تكتّل "لبنان القوي" عدد من النواب الذين يميلون إلى انتخابه وعلى رأسهم نائب رئيس مجلس النواب الياس بو صعب، الذي أعلن صراحة أنه لن يتردد في انتخاب فرنجية في حال خُيّر بينه وبين مرشحين آخرين. وعلى مستوى التفاهم القائم بين التيار وحزب الله، والذي اعترف الجانبان بأنه يمر "في مرحلة حرجة" وهي عبارة قالها باسيل قبل أسابيع، وكذلك قالها الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله في خطابه الأخير الخميس الماضي (16 شباط الجاري) لمناسبة الذكرى السنوية لـ"القادة الشهداء" في الحزب. ولذلك ثمة من يقول أن مصير "تفاهم مار مخايل" بات يتوقف على تأييد باسيل ترشيح فرنجية من عدمه. فإذا أيّده سيستمر التفاهم ويعمل طرفاه على تعزيزه وتطويره، وإذا لم يؤيده، سيصبح كل من الطرفين في حلّ منه غير آسف. إلّا أنّه رغم ذلك لا تزال هناك رهانات على تراجع باسيل عن رفضه لفرنجية في ربع الساعة الأخير من فجر يوم إنجاز الاستحقاق الرئاسي، لأن البعض يعتقد أن خروج "التيار" من "تفاهم مار مخايل" قد لا يكون في مصلحة مستقبله السياسي في ظل عهد الرئيس المقبل.

ـ رابعاً، أن المواقف التصعيدية الجدية العالية النبرة التي أعلنها الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله الخميس الماضي في مواجهة ما سماه مشروع الفوضى الشاملة، تؤكد بما لا يقبل الشك أن الأميركيين وحلفائهم قد تخلّوا عن هذا المشروع بعدما اكتشفوا فداحة الأخطار التي يمكن أن يرتّبها على لبنان ومصالحهم فيه، وهذه المصالح تمتد من الداخل اللبناني إلى نفط البحر المتوسط وغازه وصولاً إلى عمق المنطقة. فلبنان لم يحصل على الأثمان مقابل قبوله الاتفاق على ترسيم الحدود البحرية وما يستتبعه من ترتيبات أمنية على الحدود الجنوبية غير مكتوبة، وغير معلنة. وأول هذه الأثمان استقرار سياسي داخلي مشفوع بمعالجات عملية تدريجية للأزمات الاقتصادية والمالية والمعيشية. ومن هنا تلويح نصرالله بوقف استخراج الغاز من كاريش وغير كاريش في حال تبين أن هناك تسويفاً يعطّل استفادة لبنان من ثروته الغازية والنفطية. ولذلك ليس هناك من عاقل يمكن أن يصدّق أنّ واشنطن وتل أبيب يمكنهما أن يعطّلا حل الأزمة اللبنانية مقابل التضحية بالاتفاق على ترسيم الحدود البحرية الذي باشرا قطف ثماره.

ـ خامساً، إن رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي الذي تمسك الفرنسيون وأفرقاء داخليون ببقائه في رئاسة الحكومة في العهد الرئاسي الجديد لينفّذ خطّة التعافي التي وضعتها حكومته الحالية ومن ضمنها الإصلاحات البنيوية والاقتصادية والمالية المطلوبة بإلحاح داخلياً ودولياً، أبلغ إلى الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون وكل المؤيدين بقاءه في السراي الحكومي أنه لا يريد البقاء في رئاسة الحكومة، خصوصاً إذا كان هذا الأمر يسهّل إنجاز الاستحقاقين الرئاسي والحكومي، مؤكداً أنه سيدعم بقوة وبلا تردد من يقع الخيارعليه لتولي الرئاسة الثالثة في هرم السلطة اللبنانية.

وفي ضوء كل هذه المعطيات، يؤكد مسؤول كبير، أن ما يجري حالياً من تصعيد متبادل في المواقف بين الأطراف المحليين والخارجيين المعنيين بالاستحقاقين الرئاسي والحكومي وتوابعهما المتعلقة بالحكومة وتركيبتها الوزارية وبرنامجها، هو من قبيل الاستعداد للدخول في المفاوضات العملية لتحقيق المكاسب وحجز المواقع والأدوار في السلطة الجديدة... فالمسألة باتت مسألة وقت فقط لينتهي التفاوض الذي يرغب كل طرف فيه الخروج رابحاً، فيما المعنيون الذين يملكون زمام الأمور لا خيار أمامهم سوى دفع المفاوضات إلى الخروج بنتيجة "رابح ـ رابح"، أي أن يشعر الجميع أنهم رابحون لضمان نجاح الحل المنشود.