طارق ترشيشي
ما بدأه الاجتماع العربي ـ الدولي في باريس والذي تحول خماسياً بعد أن كان رباعياً بانضمام مصر وكان ثلاثياً بداية وتحول رباعياً بانضمام قطر، يتابعه سفراء دوله في بيروت مع رئيس مجلس النواب نبيه بري ورئيس الحكومة نجيب ميقاتي ومختلف الأفرقاء السياسيين اللبنانيين، وهو تكريس معادلة "منا رئيس جمهورية ومنكم رئيس حكومة" والتي ثبت في ضوء الواقع اللبناني السائد وتعقيداته الداخلية والخارجية، أن لا مناص منها لإنجاز هذين الاستحقاقين خطوة بعد خطوة، ويتوجان بحكومة إصلاحية إنقاذية يفترض أن تنتشل البلاد من قاع الانهيار الذي سقطت فيه منذ العام 2019 .
ويقول بعض الذين اطّلعوا على نتائج اجتماع باريس الذي ضم ممثلين عن الولايات المتحدة الاميركية وفرنسا والمملكة العربية السعودية ومصر وقطر، أن المجتمعين وحّدوا الموقف حول طريقة التعاطي مع الاستحقاقات اللبنانية، وما يجب أن يكون عليه مستقبل لبنان في ضوئها. وأن الرياض كبحت خلال الاجتماع جماح بعض الأطراف في اتجاه التّشدّد في الموقف والذهاب إلى فرض عقوبات على كل فريق يعطّل إنجاز هذه الاستحقاقات مفضّلة التعامل بديبلوماسية ناعمة في هذا الصدد إذ لا يمكن فرض حلول على اللبنانيين من الخارج وإنّما أن تكون من الداخل برعاية هذا الخارج ممثلاً بدول الخماسي العربي ـ الدولي.
وعندما غاص المطّلعون في بعض التفاصيل تبيّن لهم أن الموقف السعودي متقدم عن مواقف أطراف الاجتماع الخماسي في البحث عن الحل المطلوب للأزمة اللبنانية في ضوء ديبلوماسية الرياض المرحلية في التعاطي مع بعض الأطراف اللبنانية وكذلك في التعاطي إيران في ضوء ما يحصل من وساطات لتحسين العلاقات بينها وبين طهران، إذ أن كثيرين يعتقدون أن تطور العلاقات السعودية ـ الإيرانية إيجابا من شأنه أن ينعكس برداً وسلاماً على لبنان وعلى كل الأزمات الإقليمية.
وذهب البعض إلى القول أن الرياض لم تحسم الموقف من الوضع اللبناني في الاجتماع الخماسي انتظاراً لما ستسفر عنه المفاوضات الجارية بينها وبين طهران مباشرة أو عبر الوساطات، ولا سيما منها الوساطة العراقية التي تجددت مع حكومة بغداد الجديدة برئاسة محمد شياع السوداني. وقد دلّ على هذا الموقف السعودي ما أبلغه سفراء دول الاجتماع الخماسي إلى ميقاتي خلال لقائهم معه، حيث أكدوا له وفق معلومات رسمية أذاعها السراي الحكومي بعد اللقاء "أن عدم صدور بيان عن اجتماع باريس مردّه إلى أن الاجتماعات مفتوحة ومستمرة من أجل دعم لبنان والتشجيع على انتخاب رئيس جديد للجمهورية"، مشدّدين على "أن الدعم الحقيقي للبنان سيبدأ بعد انتخاب الرئيس العتيد، ومن ثم متابعة تنفيذ الإصلاحات المطلوبة". كذلك شدّدوا "على أن عدم انتخاب رئيس جديد سيرتّب إعادة النظر بمجمل العلاقات مع لبنان، لأنه إذا لم يقم النواب بواجباتهم فالدول الخارجية لن تكون أكثر حرصاً من المسؤولين اللبنانيين أنفسهم".
وذهب المطلعون إلى القول أن هذه المعلومات تشكل فحوى "البيان الختامي" لاجتماع باريس الذي قيل أن الجانب السعودي لم يؤيد صدوره، وأن تبرير سفراء هذه الدول في بيروت لعدم صدور البيان يؤكد الرهان السعودي والذي يؤيده الاميركي على الوساطات الجارية والتي يعوّل عليها لإنتاج "المعادلة الذهبية" الرئاسية الموعودة في وقت ليس ببعيد.
على أن اللافت في هذا الاتجاه كان ما نطق به رئيس مجلس النواب نبيه بري في كلمة مكتوبة خلال الاحتفال الاسبوع الفائت بافتتاح المبنى الجديد للسفارة الإيرانية في لبنان، حيث قال: "نتطلع بأمل كبير إلى أن يكون هذا اليوم الذي ندشن فيه مبنى جديداً للسفارة الإيرانية في بيروت بارقة أمل ليس ببعيدة، نحتفل فيه بعودة العلاقات بين الجمهورية الإسلامية الإيرانية مع محيطها العربي والإسلامي، وخصوصا مع المملكة العربية السعودية في سياقها الطبيعي، إنني ولطالما ناديت بأهمية هذه العلاقات وضرورة تطبيعها وتطويرها بما يحفظ لكل دولة أمنها واستقلالها وسيادتها وخصوصيتها ومصالحها المشتركة. اليوم أجدد الدعوة والمناشدة من أجل تأمين كافة المناخات الملائمة لإنجاح المساعي الطيبة التي تبذل في هذا الإطار لا سيما من قبل الحكومة العراقية من أجل رأب الصدع في العلاقة وعودتها إلى ما كانت عليه".
وفي هذا السياق يقول مطّلعون أن بري بما يمثل ومن يمثل ليس بعيداً عن الوساطات الجارية لتحسين العلاقات بين الرياض وطهران وأنه يلعب دوراً ملحوظاً في هذا الإطار لاقتناعه بأن عودة العلاقات إلى طبيعتها بين البلدين تنعكس إيجابا على كل الأوضاع العربية والإسلامية عموماً وعلى لبنان خصوصاً، كما أن من شأن التقارب بين السعودية وإيران أن يساعد على إنجاز الاستحقاقات اللبنانية ووضع لبنان على سكة الخروج من ازماته.
وفي معلومات هؤلاء المطّلعين أن هذه الوساطات المعلوم منها وغير المعلوم حقّقت تقدماً يُبنى عليه لتوقّع نتائج مهمّة ستظهر في وقت ليس ببعيد، وأن تمديد الهدنة في اليمن مؤشر مهمّ جداً ينبغي التوقف عنده باهتمام كبير.
وإلى ذلك كشف الذين اطلعوا على نتائج زيارة الوفد النيابي اللبناني الأخيرة للولايات المتحدة الأميركية أن هذه الزيارة "ألحقت ضررا بلبنان". فعلى صعيد الاستحقاق الرئاسي لمس الوفد تماهياً في الموقف الأميركي مع الموقف السعودي وهو النأي بالنفس عن الترشيحات المطروحة، واشتراط التوافق الداخلي حولها والالتزام الشديد بإجراء الإصلاحات المطلوبة في قطاعات الدولة المهمّة، لكي يصار بعدها إلى تقديم الدعم والمساعدة. ولمس الوفد أيضاً أن ليس هناك حماسة أو تشجيعاً أميركياً لعقد اتفاقات بين لبنان وكل من البنك الدولي وصندوق النقد الدولي بدليل تجميد، إن لم نقل إلغاء، قرض البنك الدولي لتمويل استجرار الغاز المصري والكهرباء الأردنية. كذلك استشعر وجود علامات استفهام حول المعونات التي يمكن تقديمها للبنان من خارج هذا الإطار، ما جعل هدف الوفد خلال الزيارة هو الحفاظ على هذه المعونات ولا سيما منها المخصّصة للجيش اللبناني لما يشكله من عمود فقري للحفاظ على الاستقرار الأمني في البلاد في انتظار توافر الحلّ للأزمة الكبرى.
وقد خلص هؤلاء المطلعون إلى التأكيد أنه إذا لم يحصل توافق داخلي على انتخاب رئيس للجمهورية وعلى تركيبة سلطة إصلاحية جديدة، فلن يكون أمام اللبنانيين إلّا التعويل على حصول زلزال سياسي كبير يغيّر قواعد اللعبة السائدة ويفرض قواعد جديدة لحل مستدام للأزمة.