طارق ترشيشي
تنوعت التفسيرات والتأويلات والتوقعات حول الاجتماع الخماسي العربي الدولي من أجل لبنان في باريس، مراوحة بين متفائلة ومتشائمة حول النتائج العملية التي انتهى إليها، ولكنها أجمعت على أن الغاية الأساسية منه هي البحث في إمكانية اختراق الأزمة اللبنانية تمهيداً لإيجاد الحلول اللازمة لها.
فهذا الاجتماع شارك فيه عن الجانب الأميركي مساعدة وزيرة الخارجية الأميركية لشؤون الشرق الأدنى باربرا ليف، ومساعدها تيري ولف والسفيرة الأميركية في لبنان دوروثي شيا، وعن الجانب الفرنسي مستشار الرئيس الفرنسي للشرق الأوسط باتريك دوريل ومديرة قسم الشرق الأوسط في الخارجية الفرنسية آن غيغن، وسفيرة فرنسا في لبنان آن غريو. وعن الجانب السعودي مستشار الديوان الملكي والمسؤول عن ملف لبنان الدكتور نزار العلولا والسفير السعودي في لبنان وليد البخاري. وعن الجانب القطري، مساعد وزير الخارجية محمد الخليفي. وعن الجانب المصري السفير في باريس علاء يوسف.
ويقول مصدر ديبلوماسي أن هذا الاجتماع لم يكن نهاية المطاف وليس هو من ينتج الحلول، ولكن أريدَ منه أن يمارس المجتمعون ضغوطاً قوية على أفرقاء الأزمة اللبنانية وتحديداً على المنظومة الحاكمة، بغية التوصل إلى انتخاب رئيس للجمهورية، واختيار رئيس للحكومة يستطيعون التعاون معهما في المرحلة المقبلة، ويعتبرون أن هذا الأمر هو الخطوة الأولى على طريق اختراق الحائط المانع لمعالجة الأزمة في لبنان.
ويؤكد المصدر أن لا سبيل إلى تحقيق أي تقدّم في هذا الاتجاه إلّا بحصول تفاهم أميركي ـ إيراني مباشر أو غير مباشر، وأنّه كان هناك خط مفتوح بين أركان الاجتماع الخماسي الباريسي وإيران أمّنته قطر التي تشكّل حالياً الممرّ الإلزامي بين المجتمعين وطهران، التي استحال حضورها الاجتماع لأنها على عداء مع الأميركيين، وباتت على عداء مع الفرنسيين والأوروبيين عموماً بسبب تداعيات الحرب الروسية ـ الاوكرانية، إذ أن المجتمعين مقتنعون بشدّة بأنّهم لا يمكنهم تحقيق أي حلّ لأزمة لبنان من دون التفاهم مع الإيرانيين بأي شكل من الأشكال،. ولذلك أوكلوا إلى قطر التي ترتبط بعلاقات جيدة مع طهران مهمة فتح الباب الإيراني أمامهم ليتولّوا العمل على تحقيق التفاهمات المطلوبة معها. ويقول المصدر نفسه أن من الضروري أن يكون للجانب الإيراني دور في القرار وليس كل القرار حول الأزمة اللبنانية.
غير أن متابعين باريسيين للاجتماع يؤكدون أن الغاية الأساسية منه كانت الاتفاق على ممارسة ضغوط على الأفرقاء اللبنانيين من أجل أن يتفقوا على انتخاب رئيس للجمهورية، وتكوين سلطة تنفيذية جديدة تنفّذ الإصلاحات المطلوبة على كل المستويات للبدء بانتشال لبنان من الانهيار، وبالتالي توقيع الاتفاقات المطلوبة مع صندوق النقد والبنك الدوليين، ومن ثم الحصول على المساعدات العربية والدولية المطلوبة لهذه الغاية.
في حين يرى سياسي لبناني مخضرم أن اجتماع باريس كانت له أهميته من حيث ترتيب صفوف "الجبهة الغربية ـ العربية" في مواجهة "الجبهة العربية ـ الشرقية". فالمجتمعون في باريس يمثلون معسكراً معيّناً، ولكن هذا المعسكر وفي ضوء الانسداد القائم يدرك أن عليه أن يتفاهم مع المعسكر الآخر، الذي لديه الإدراك نفسه. ولذلك قد يكون الأول توصّل في اجتماعه الباريسي إلى اتفاق في ما بين أركانه سيذهب به في قابل الأيام إلى المعسكر الآخر للتفاهم معه على انتخاب رئيس للبنان يشكل عامل استقرار له ولا يدخله في أي مغامرة. وأن دافع المعسكر الأول إلى هذا التفاهم هو إدراكه أن موازين القوى الخارجية ليست في مصلحته ومصلحة حلفائه.
وعلى هذا الأساس، يقول هذا السياسي، أن الحل المنتظر التفاهم عليه بين المعسكرين سيكون على قاعدة: "منكم رئيس ومنّا رئيس"، أي رئيس جمهورية ينتمي إلى فريق مقابل رئيس حكومة ينتمي إلى فريق آخر.
ويؤكّد هذا السياسي أن كل رؤساء الجمهورية في لبنان منذ الاستقلال يتم انتخابهم عادة بناء على تفاهم خارجي مقابل تفاهم داخلي أو قوة داخلية كبيرة تدعمه، والتجارب السابقة معروفة من انتخاب الرئيس بشارة الخوري أول رئيس بعد الاستقلال عام 1943 إلى الرئيس ميشال عون في تشرين الأول عام 2016 ويشير السياسي نفسه إلى أن الرئيس المطلوب ينبغي أن يُراعى في اختياره فهمه للبنان وأوضاعه وعلاقاته بالمنطقة والعالم ومدركاً لمطامع إسرائيل فيه. وبمعنى آخر أن هذا الرئيس ينبغي ان يكون قادراً على معالجة الأزمة اللبنانية ببعديها الداخلي والخارجي حتى يستطيع إخراج لبنان مما هو فيه.
وفي اعتقاد السياسي المخضرم انه حتى إشعار آخر هناك مرشحان تنطبق عليهما هذه المواصفات هما رئيس تيار المردة سليمان فرنجية وقائد الجيش العماد جوزف عون، وإذا وقع الخيار على أي منهما سيُحدد عندها الخيار الذي سيعتمد لرئاسة الحكومة الجديدة وذلك وفق معادلة: "منّا رئيس ومنكم رئيس"، فإذا وقع الخيار على فرنجية سيكون رئيس الحكومة من الفريق الآخر الذي يسمّي نفسه "الفريق السيادي" أما اذا وقع الخيار على العماد عون فسيكون رئيس الحكومة من الفريق الذي يسمي نفسه "فريق المقاومة الممانعة". ولكن اللافت أنّه غالباً بعد "اتفاق الطائف" ما يأتي رئيس الجمهورية قريباً من "الفريق الممانع"، وليس معلوماً بعد ما إذا كانت هذه المعادلة ستتغير في الاستحقاق الرئاسي الحالي. إلّا أن هذا الأمر يبقى مرهوناً بما يمكن أن يحصل من تفاهم سعودي ـ إيراني، خصوصاً وأن قنوات التواصل مفتوحة هذه الايام بين الرياض وطهران.