طارق ترشيشي

لا يمكن فصل زيارة وزير الخارجية الايراني أمير حسين عبد اللهيان للبنان وسوريا عما يجري من تطورات على الساحتين الإقليمية والدولية، خصوصا بعد تأليف الحكومة الاسرائيلية الجديدة الجامعة بين المتطرفين والأكثر تطرفاً برئاسة بنيامين نتنياهو، والتهديدات التي بدأت تطلقها في كل الاتجاهات وخصوصاً التهديد يقصف المنشآت النووية الإيرانية في ظل تعثر المفاوضات النووية بين إيران ومجموعة الدول الخمسة زائد واحد.

عبد اللهيان قال لدى وصوله إلى بيروت التي غادرها لاحقاً إلى دمشق أنه يزور لبنان بناءً على دعوة وزير الخارجية اللبناني عبد الله بو حبيب، ولكن، حسب معلومات ديبلوماسية، فهو لم يتلق دعوة من بوحبيب بالمعنى الدقيق لكلمة دعوة، وإنما بناها على ما كان دار في لقاءات انعقدت بينه وبين نظيره اللبناني على هامش بعض المؤتمرات والاجتماعات الدولية خلال الأشهر الأخيرة وتبادلا خلالها الرغبة في التلاقي في بيروت أو طهران عندما تسمح ظروف كل منهما.

ولكن أما قد بادر عبد اللهيان إلى زيارة لبنان فكان من البديهي أن تكون وجهته الأولى نظيره اللبناني، ليلتقي بعده رئيس الحكومة نجيب ميقاتي فرئيس مجلس النواب نبيه بري وصولاً إلى الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله حيث كان بيت القصيد..

أحد المسؤولين الذين التقاهم عبد اللهيان قال أن الاخير لم يفاتحه في أمر العروض الايرانية لتقديم هبة من الفيول لمصلحة كهرباء لبنان وإنشاء معملين لتوليد الطاقة الكهربائية في الجنوب وبيروت كل منهما بقوة ألف ميغاوات، مضيفاً أن زيارة رئيس الديبلوماسية الايرانية للبنان "كانت استطلاعية وهو في طريقه إلى دمشق"، بمعنى أنه أراد أن يستطلع الأجواء اللبنانية حول التطورات الجارية قبل أن يلتقي الرئيس السوري بشار الأسد، وقد يكون لقاءه مع السيد نصرالله هو الهدف الاساس في محطته البيروتية لأن محادثاته معه، كما مع الرئيس السوري، تتعلق بمستقبل الأوضاع في المنطقة وما تقبل عليه من احتمالات سواء على مستوى اليمن أو سوريا أو العراق في ضوء ما يدور من مفاوضات معلنة وغير معلنة في شأنها عبر الأقنية العراقية والعمانية والقطرية، وربما الكويتية وغيرها، فضلاً عما يدور من بحث واهتمام في شأن مستقبل الأوضاع في لبنان نتيجة التعثر أو التأخر في انتخاب رئيس جمهورية جديد واستكمال تكوين السلطة الجديدة على أساس  نتائج الانتخابات النيابية التي جرت في ربيع 2022 والتي لم تُسيّل سلطة جديدة بعد.

وفي اعتقاد مصادر ديبلوماسية أن زيارة عبد اللهيان للبنان وسوريا تأتي في اطار الاستعداد لكل الاحتمالات ومنها تحضير إيراني لهجوم ديبلوماسي مضاد ستستكمل تحضيراته بجولة الرئيس الإيراني السيد ابراهيم رئيسي لسوريا وتركيا، وربما للعراق أيضا، في مواجهة التهديد الإسرائيلي والحملة الديبلوماسية الإسرائيلية في المنطقة والغرب ضد إيران.

وفيما نفى مسؤول لبناني ان يكون عبد اللهيان حدد أمامه اي موقف ازاء الاستحقاقات اللبنانية مكتفياً بالاستفسار منه عمّا آلت إليه هذه الاستحقاقات ومؤكداً أن بلاده تعتبرها شأناً داخلياً ولا يمكن أن تتدخل فيها، فإن مرجعاً ديبلوماسياً لبنانياً نقل عن مسؤولين في الادارة الأميركية استياءهم من طريقة تعاطي المسؤولين والقوى السياسية اللبنانية مع واقع لبنان في ظل الانهيار الذي يعيشه، ويقول أن الاميركيين ليس لديهم أي مرشح لرئاسة الجمهورية ولا يريدون التدخل في هذا الاستحقاق أو غيره، وأن جلّ ما يطلبونه من المسؤولين اللبنانيين هو أن ينتخبوا رئيساً للجمهورية ويكونوا سلطة تتولى إبرام الاتفاقات المطلوبة مع صندوق النقد الدولي وتنفيذ الإصلاحات التي يحتاج إليها لبنان ويطلبها المجتمع الدولي شرطاً لمد يد المساعدة على الخروج من الانهيار، علماً أنهم، أي الأميركيين، وحسبما سمع منهم لا يهمهم من ينتخب رئيساً للجمهورية.

تبادل وجهات نظر

مصدر ديبلوماسي إيراني أوضح أن عبداللهيان حمل موقفاً يدعو المسؤولين إلى التوافق والتعاون على إنجاز الاستحقاق الرئاسي بمعزل عن أي تدخلات خارجية، وأنه كرر إبداء ايران استعدادها للمساعدة في مجال الطاقة والكهرباء.

وأدرج المصدر زيارة عبداللهيان  أيضا في إطار ما سماه  "تبادل وجهات النظر الدوري بيننا وبين أصدقائنا لأن هناك تطورات في العلاقة بين الرياض وطهران، ولذلك رأينا أن من الأفضل أن نضع أصدقاءنا في جو هذه التطورات ليسمعوا منّا مباشرة لا أن يسمعوا من غيرنا".

وذكر المصدر في هذا السياق أن اللقاءات والاتصالات الايرانية ـ السعودية والتي كان منها "اللقاء المختصر والقصير" بين وزيري خارجية البلدين على هامش قمة بغداد الثانية التي انعقدت قبل أسابيع على شاطىء البحر الميت في الاردن جعلت البلدين يتجهان إلى تطوير العلاقات بينهما "وإننا ننتظر من السعوديين خطوات عملية وليس الاكتفاء بإبداء النية فقط" . ويكشف أن الجانب السعودي وفي كل اللقاءات بينه وبين إيران وغيرها يبدي اهتماما بموضوع اليمن ويشدد على وجوب إيجاد حل يوقف الحرب في تلك البلاد. ويكرر المصدر أن البلدين يتجهان إلى تطوير العلاقات بينهما "ولكن هناك خطوات على الرياض اتخاذها لأن إبداء النيّة للاتفاق على بعض الخطوات لا يكفي وحده". ويؤكد أن إيران "ترحب بتطبيع العلاقات السورية ـ العربية".

أما بالنسبة إلى الاتفاق النووي، فيقول المصدر، أن تبادل "الرسائل النووية"، إذا جاز التعبير، مستمر بين واشنطن وطهران ولا نستطيع تحديد موعد معين لتوقيع الاتفاق لأن الأمر له علاقة بخطوات في الميدان يجب على الإدارة الأميركية القيام بها ومنها رفع بعض العقوبات ورفع التجميد عن الأموال الإيرانية في عدد من المصارف والدول غير الأميركية لأن هذه العقوبات لاعلاقة لها بالملف النووي ".

وعن موضوع التهديدات الإسرائيلية بقصف المنشآت النووية الإيرانية، يقول المصدر الإيراني نفسه "إن موقفنا من هذا الامر ثابت ومعلن وله سقف معين ونركز عليه في كل لقاءاتنا في لبنان وسوريا والمنطقة، ولا يمكننا أن نتهاون في هذا الموقف، وإذا بادرت اسرائيل إلى شنّ أي هجوم فعليها أن تتحمل التبعات".

ويختم المصدر ليشير إلى أن محادثات عبداللهيان في بيروت ودمشق تناولت أيضا الوضع في الإقليم عموما في ضوء الحرب الروسية ـ الأوكرانية إذ أن كثيراً من التطورات الجارية في المنطقة تتصل بروسيا وأوكرانيا، كذلك تتصل بتطور العلاقات بين إيران ودول الاتحاد الأوروبي.