كارين عبد النور
عادت مؤخراً ظاهرة دوران الحيوانات حول نفسها لتحتل هامشاً جدلياً حول الأسباب الكامنة. فمِن الأغنام إلى البط ومن الأردن إلى الصين مروراً بلبنان رُصدت حالات الدوران المتواصلة تلك لأيام وأسابيع. ثمة من عزا الأمر إلى النظام الغذائي للحيوانات أو إلى مرض اللستيروسيس البكتيري الذي يصيب أدمغتها. لكن آخرين ذهبوا إلى وقع الأثر المغناطيسي لجاذبية المنطقة الجغرافية التي تتواجد فيها الحيوانات على حركتها. مع الخشية من أن تصيب هذه الظاهرة البشر فيصبحون أكثر عنفاً.
مصادر التلوث متعددة
[caption id="attachment_1797" align="alignleft" width="200"] أبراج البث لها تأثيرها أيضاً[/caption]البداية مع المحطات الحرارية والمائية والهوائية والنووية التي تنتج الطاقة الكهربائية ذات التيارات العالية، ومنها تتولد كميات هائلة من الموجات الكهرومغناطيسية. ثم هناك خطوط النقل الكهربائي التي تنقل التيار عبر مساحات شاسعة ما يزيد من حدّة الجهود الكهربائية على مجموعة العوازل الحاملة للكابلات. من جهتها، تساهم أبراج البث الإذاعي والتلفزيوني بنشر الموجات اللاسلكية من خلال شبكة معقّدة من الهوائيات العملاقة تسهيلاً لأفضل تغطية. ناهيك بالنبضات الإشعاعية الصادرة عن محطات الرادار وتأثيراتها الحرارية ذات الصلة. هذا دون أن نغفل الأجهزة الإلكترونية المنزلية على اختلافها - كالراديو والتلفزيون والميكرويف والساعات الرقمية والهواتف الذكية - ذات الموجات الكهرومغناطيسية الضعيفة، إنما المؤثرة بدورها لتواجدها المستمر بالقرب من جسم الإنسان. وللذهاب أبعد، هناك الأقمار الصناعية ومركبات الفضاء التي تتصل بالمراكز الأرضية عبر محطات إرسال واستقبال لاسلكي وتنتج حزماً من الموجات اللاسلكية.
مِن فِعل الإنسان
[caption id="attachment_1799" align="alignleft" width="300"] رئيس حزب البيئة العالمي والمستشار الدولي لشؤون البيئة العالمية، الدكتور دوميط كامل[/caption]الكائنات الحية لا تعيش بمنأى عن التأثيرات تلك ويكون ذلك خارج إرادتها في كثير من الأحيان. رئيس حزب البيئة العالمي والمستشار الدولي لشؤون البيئة العالمية، الدكتور دوميط كامل، يقول في حديث لـ"الصفا نيوز" إن "التأثيرات تلك قد تكون مفيدة جداً وتقدّم خدمة جلّة للإنسان، كما يمكن أن تأتي بالضرر على غرار ما يحدث اليوم مع الحيوانات والأسماك والدجاج. فنراها تتحرّك ضمن مسار دائري لأن اضطراب الطاقة الكهرومغناطيسية مرتبط بالحركة وبالطاقة الكونية ويتأثر بمصادر الإشعاعات الصادرة من فعل الإنسان". فأجسام الكائنات الحية تحتوي على مكونات كهربائية ومغناطيسية، حيث أن الإشارات الكهرومغناطيسية تجعل عملية تلقّي الأعضاء والأنسجة أوامر الدماغ ممكنة.
ارتباط مباشر
[caption id="attachment_1794" align="aligncenter" width="1024"] أجريت الاختبارات على الحمام الزاجل[/caption]بالعودة إلى الوراء قليلاً، يذكّر كامل كيف تمكّن العلماء سابقاً من دراسة ومعرفة تأثير الطاقة المغناطيسية من خلال تجارب أجريت على الحمام الزاجل. فقد تعرّفوا على الطريقة التي يستدلّ بها الأخير على طريقه بواسطة تسجيل التأثير المغناطيسي، وليس بالمعرفة والإدراك الجغرافيين للأماكن. كيف ذلك؟ اختار علماء الفيزياء الحمام الزاجل لإجراء الاختبار كونه يتميّز بسهولة التنقّل لعشرات الأميال ذهاباً وإياباً. لكنهم قاموا بتغيير خارطة المجال المغناطيسي الأرضي في مسار الحمام لناحية شدة المجال أو اتّجاهه. وبعد أن قطع الحمام مسافة غير بعيدة وكونه لم يتمكّن من التعرّف إلى مسار الطيران الصحيح، ارتفع عالياً ودار حول نفسه ثم هبط بسرعة مرتطماً بالأرض لينفق. أما الأغرب، فهو سير الحمام بِيُسر كعادته حين أعيدت التجربة بعد إعادة تنظيم المجال الكهرومغناطيسي إلى ما كان عليه.
سلوك الكائنات والبشر مهدّد
[caption id="attachment_1801" align="alignleft" width="225"] حتى الأسماك تتأثر بالتلوث الكهرومغناطيسي[/caption]في السياق عينه، يشير كامل إلى إمكانية تلمّس التأثيرات الكهرومغناطيسية على الكائنات الحية من خلال مراقبة الأسماك، ومنها على سبيل المثال لا الحصر سمك السلمون. ويضيف: "تضع إناث سمك السلمون بيوضها بعيداً عن مكان تواجدها ومعيشتها في المحيط آلاف الأميال، وعندما تفقس البيوض تقوم الأسماك الحديثة الولادة برحلة العودة إلى مكان تواجد أمّهاتها. وكان الاستدلال، كما ثبت، عن طريق التأثير المغناطيسي الأرضي، ما سبق وحيّر العلماء لعشرات السنين".
ففي الحالتين أعلاه (أي الحمام الزاجل والأسماك)، وُجد مركز بحث واستشعار مغناطيسي في دماغ الحيوانات تبيّن أنه يتأثر بشكل كبير بالمجال المغناطيسي الخارجي، ومنه المغناطيس الأرضي، وهو الذي يقود الحيوانات في حركتها وتوجّهاتها الى الأماكن المطلوبة. من هنا، بحسب كامل، السبب في حالة الدوران حول النفس التي تزداد شيوعاً باطّراد، يرتبط مباشرة بالخلل الخطير الحاصل على مستوى الحقول المغناطيسية. ويتابع: "سيتحوّل البشر أكثر فأكثر من كائنات مسالمة إلى كائنات قتل وشرّ ودمار كما سيتحوّل الدماغ البشري إلى دماغ عدائي وعنجهي بالمطلق، وهذا ما نلحظ بدايته". لكن لِمَ يكون التأثير بمعظمه سلبياً لا إيجابياً؟: "البيئة تنظّف نفسها بنفسها والإنسان بطبعه يميل إلى السلبية. وهكذا، فَمِن شأن أي قوة خارجية أن تعزّز لديه نزعة الشر تلك".
ليس ثمة نقص طبعاً في أسباب ونتائج الاضطرابات التي تصيب سلوك الكائنات الحية عامة والبشر خاصة (طلاق، جرائم قتل، تعنيف أسري، حب الأنا...)، لكن مع التقدّم الفلكي الحاصل على مسارح العلم والتكنولوجيا، ثمة خشية من أن يزيد التلوث الكهرومغناطيسي طين التلوث البيئي - على أنواعه ومسبّباته المتعدّدة - بلّة.