مرّ مرسوم "تحديد الهيئات الأكثر تمثيلاً لأرباب العمل والأجراء" مرور الكرام في جلسة مجلس الوزراء التي عقدت في 17 أيلول المنصرم. لم يعر أحد من الوزراء والمعنيين أيّ اهتمام للتعديل المُجدّد لمرسوم قديم عمره 22 سنة، عـ "العمياني". فتفجيرات أجهزة الاتصال اللاسلكي (Pagers) التي سبقت "الجلسة"، وصخب مناقشة مشروع موازنة 2025، صمّا الآذان عن سماع أيّ صوت من خارج الوضع الأمني المتدهور، و"ضبضبة" الموازنة على عجل لإرسالها إلى مجلس النواب وإزاحتها عن "ظهر" الحكومة. في هذه الأجواء الملبّدة بالهموم أُقرّ المرسوم 13973 ونُشر في الجريدة الرسمية بعد يومين.
قضى المرسوم الجديد بالشكل بتعديل عدد المندوبين من قبل العمّال وأرباب العمل مجلس إدارة الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي. وذلك استجابة لمندرجات قانون إنشاء نظام التقاعد والحماية الاجتماعية المقرّ حديثاً بدلاً من نظام تعويض نهاية الخدمة القديم. وعليه، انخفض عدد أعضاء مجلس إدارة الضمان من 26 عضواً يتوزعون 10 أعضاء ممثلين للعمال و10 لأرباب العمل و6 للدولة، و12 عضواً، 4 للعمال و4 لأرباب العمل و2 للدولة. ويتوزع المندوبون على الشكل التالي:
- مندوباً أصيلاً واحداً لجمعية الصناعيين.
- مندوباً أصيلاً واحداً لغرفة التجارة.
- مندوباً أصيلاً واحداً لجمعيتي المصارف وشركات التأمين.
- مندوبيْن أصيليْن يقتسمان مدة ولاية المجلس، ومندوباً رديفاً واحداً لنقابات المهن الحرة والهيئات المهنية، مثل: نقابات الأطباء، والمهندسين، والصيادلة، والمحامين، والممرضين، والمعلمين، والطوبوغرافيين، والمحاسبين، والمعالجين الفيزيائيين، وأصحاب المستشفيات، والمدارس، والفنادق، والمطاعم، واتحاد نقابات أصحاب الحرف، والاختصاصيين في علم التغذية وتنظيم الوجبات.
في المقابل، استمر اعتبار الاتحاد العمالي العام الجهة الوحيدة التي تمثّل العمال، ويحق له انتداب 4 مندوبين أصيلين ومندوب رديف على أن يراعي تمثيل المحافظات والمصالح المستقلة والمؤسسات العامة والنقابات الزراعية وأكثر القطاعات إنتاجية.
القديم على قدمه
في المضمون، أتى المرسوم 13973 ليكرّس بقاء النسب التمثيلية لأرباب العمل والعمال كما كانت عليه. إذ سينسحب التعيين في مجلس إدارة الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي حكماً، على بقية مجالس إدارات المؤسسات، وسيعزز "اللاعدالة في التوزيع"، بحسب رئيس الاتحاد العام لنقابات العمال والمستخدمين في لبنان كاسترو عبدالله. "خصوصاً من حيث التمثيل العمالي الذي ما زال محصوراً بالاتحاد العمالي العام الذي اعتبره المرسوم المجدّد أنّه لا يزال الأكثر تمثيلاً للأجراء على جميع الأراضي اللبنانية". وهو الأمر الذي يحتاج إلى مراجعة جدّية. ذلك أنّ تمثيل الاتحاد العمالي، اليوم، لم يبقَ كما كان عليه في التسعينيات. فالكثير من النقابات واتحاداتها جرى تفريخها على مدى الأعوام الماضية لغرض الانتخابات من دون أي قوة تمثيلية على أرض الواقع. وتراجع عدد المنتسبين إلى النقابات العمّالية إلى نسب ضئيلة جداً لا تكاد تتجاوز 10 في المئة من عدد العمال الذين يحق لهم العمل النقابي. كما أنّ هناك الكثير من القيادات التي انشقّت عن الاتحاد وأسست اتحادات رديفة وذات تمثيل وازن مثل "الاتحاد العام للعمال والمستخدمين"، و"الاتحاد العام لنقابات عمال لبنان". وعلى الرغم من ذلك، لم يتغيّر أي شيء في تمثيل العمال، في مجالس إدارات المؤسسات. فمن أصل 4 مندوبين وواحد رديف ممثلين للعمال في مجلس إدارة الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي، يحظى الاتحاد العمالي العام بالمقاعد كلها. في حين أنّه في التمثيل السابق كان ينال 9 مندوبين وممثلاً واحداً عن القطاع الزراعي. "كذلك الأمر بالنسبة إلى المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي، حيث توزّع الهيئات الاقتصادية المندوبين على الجمعيات المنضوية تحتها من صناعية ومصرفية وتجارية... فيما يوزعها الاتحاد العمالي العام بشكل حزبي صرف"، بحسب عبدالله "ويقيسها على حصة المكاتب العمالية للأحزاب". وبرأيه إنّ "مشاركة الاتحاد العمالي في الهيئات الثلاثية التمثيل مغطاة من المنظمات العمالية الدولية والعربية. فهذه الأخيرة تفرض وجود جهة ممثلة للعمال في مؤتمراتها الدولية، وهذا ما يدفع بالدول التي لا تملك قانون عمل، أو حتى أيّ إطار نقابي، إلى إنشاء نقابات وهمية لإتاحة المشاركة في هذه الفعاليات الدولية".
التمثيل عند أرباب العمل
على صعيد أرباب العمل، فإنّ التوزيع ما زال أكثر عدالة، ولكن تخفيضه قد يثير حزازيات بين الجمعيات انطلاقاً من حجم تمثيلها. خصوصاً من بعد الانهيار الاقتصادي. إذ انخفض الثقل التمثيلي للمصارف، وبعض القطاعات التجارية والخدماتية، فيما أصبحت القطاعات المنتجة تزن أكثر قياساً إلى حجم مشاركتها في الناتج، وأعداد مؤسساتها، وحجم توظيفها وغير ذلك من الاعتبارات. ففي حين كانت كلّ من جمعية المصارف وجمعية شركات التأمين تحوز مندوبين اثنين في مجلس إدارة الضمان، خفّض العدد إلى واحد للجمعيتين. ولم يبقَ هناك من مندوب مستقلّ لنقابة أصحاب الفنادق، بل دمج المقعد مع من تسميه نقابات المهن الحرة. وهذا الدمج سيحصر التسميات بأكثر الهيئات نفوذاً وتأثيراً، وسيرفع من نقمة الهيئات الصغيرة.
الهيئات الثلاثية التمثيل
أكثر الهيئات تمثيلاً لأرباب العمل والأجراء هي الهيئات الاقتصادية مع نقابات المهن الحرة، والاتحاد العمالي العام. وتتشارك هذه الكيانات من خلال مندوبيها في مجالس الإدارة للهيئات الثلاثية التمثيل، أي المؤسسات التي يديرها مجلس إدارة مشكّل من الدولة وأرباب العمل والعمال، مثل: الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي، المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي، مجالس العمل التحكيمية، اللجنة التحكيمية العليا، المؤسسة الوطنية للاستخدام، مجالس إدارة المهنيات الرسمية، لجنة المؤشر، مؤسسة تعليم الطفل، المجلس الوطني لسياسة الأسعار... . وتنتدب الهيئات الاقتصادية والاتحاد العمالي العام أشخاصاً يمثلونهما بالتساوي عددياً من دون أيّ انتخاب"، بحسب عبدالله. ويُراعى في هذه التعيينات التمثيل الطائفي المذهبي والحزبي. وهي عبارة عن تنفيعات، خصوصاً أنّ المندوبين في هذه المؤسسات، باستثناء المجلس الاقتصادي، يتقاضون بدلات حضور عن الجلسات التي يشاركون فيها. وهذه البدلات كانت مجزية قبل الانهيار".
إنّ تخفيض أعداد المندوبين للعمال وأرباب العمل يعتبر أمراً إيجابياً يُبنى عليه. والمطلوب أن يُستتبع بتوسعة المشاركة الفعلية للعمال ومن يمثلونهم، واختيار المندوبين بناء على مؤهلات يحدّدها مجلس الخدمة المدنية، وليس لاعتبارت مناطقية وطائفية ومنفعية.