يسعى العدو الإسرائيلي من خلال ارتكاب المجازر والتدمير الهائل للمدن والقرى في المناطق اللبنانية المختلفة، إلى زرع الرعب في النفوس، والى ترجيح كفة "العرب المردوعين" على حساب كفة مقاومة المشروع الصهيوني.
استعراض القوة الوحشية والتفاخر بما ارتكبه على مدى عام كامل في فلسطين المحتلة والتهديد بإنزال مثيله في لبنان، وفي كل دولة لا تمتثل لمشيئة إسرائيل ولي أمر المنطقة بتفويض ودعم أميركييْن. كل هذا يندرج في إطار تطبيق نظريات ابتدعها الأميركي الذي جهّزه وموّله لتنفيذها بعدما خبرها هو نفسه في العراق وأفغانستان، إنها تقنية الصدمة والترويع.
تعرّف العالم على تقنية «الصدمة والترويع» مع تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام، المعروف بداعش. وتقوم التقنية هذه على فكرة أن استخدام قوة وحشية مفرطة تدفع بالطرف الآخر إلى السقوط في دوامة الصدمة والذهول. ولكن الذهول الحقيقي يتمثل في أنّ هذه التقنية هي تقنية أميركية في الأساس.
الصدمة والترويع أو الهيمنة السريعة، هي عقيدة كتبها هارلن ك. أولمان وجيمس ب. واد عام 1996، وأنتهجتها جامعة الدفاع الوطني الممولة من وزارة الدفاع الأميركية. ترتكز هذه العقيدة على مبدأ استخدام القوة الساحقة استناداً إلى الوعي الميداني والهيمنة العسكرية في ظل عرض مفرط للقوة بغية تدمير العدو وشلّ قدرته على القتال.
وهكذا يمكن فهم الإستراتيجية التي اعتمدتها إسرائيل ضد المقاومة الفلسطينية منذ تأسيس كيان الاحتلال حتى اليوم ورغم استفحالها وإيغالها في الإجرام والعدوانية خلال العام الماضي، من تدمير وحشي لا يعترف بضوابط أو قوانين دولية أو إنسانية، ولا يستثني أمكنة أو تجمعات سكنية أو مستشفيات أو دور عبادة من استهداف.
داعش هدم المواقع الأثرية في العراق وسوريا وقبلهما في أفعانستان، كما فجّر الكنائس والمساجد، وهو ما قامت وتقوم به إسرائيل في فلسطين المحتلة ولبنان. ألم ترفع إسرائيل، قبل ظهور داعش، شعار هدم المسجد الأقصى؟
من سيبقى منا لن ينسى ولن يسامح ولا بد من ثمن، ولا بد من عقاب.
يتعامل رئيس وزراء العدو مع العالم كأنه ملك الملوك. يهين الأمم المتحدة في عقر دارها. يوبخ الرئيس الفرنسي، يتصرف بصلف وازدراء مع الإدارة الأميركية التي ترعاه وتمدّه بكل سبل الصمود والتصدي وبموازنات عملاقة وبدعم غير محدود، وبحشد الأساطيل في البحر الأبيض المتوسط وتهديد كل من تسوّل له نفسه رفض مشيئة الإسرائيلي على الأرض.
بين داعش وإسرائيل تشابه كبير، يكفي النظر إلى المسوّغات التي ساقها الصهاينة المتطرفون والطقوس التي رافقت هجومهم البري على غزة، لتبيان التطابق في المنهجية والخطاب المستمديْن من تفسير خاص للمعتقدات الدينية اليهودية والإسلامية. تطابق النظرة الفوقية إلى الآخرين من كل المعتقدات، وحتى أبناء المعتقد نفسه الذين لا يشاركونهما في رؤيتيْهما إلى مشيئة السماء، كما يعتقدون.
لم يكن ينقص تلك المعتقدات المشوهة والدموية سوى تزويدها ما هو أكثر دموية من السيوف لقطع الرؤوس التي كان داعش يستخدمها لبث الرعب في نفوس المدنيين في المناطق التي حاول اجتياحها أو فرض السيطرة عليها. إسرائيل نفسها استخدمت تسمية "السيوف الحديدية" لحربها على قطاع غزة. للسيوف دلالة دموية لم يتم اختيارها عن عبث. والمشاهد الحقيقية لرؤوس الأطفال المقطوعة كانت من صنع إسرائيل هذه المرة بعدما ثبت أنّ دعايتها عن أطفالها المقطوعة رؤوسهم لم تكن سوى لعبة قذرة تلوّث بها أول من تلوّث ساكن البيت الأبيض.
حجم الدمار في غزة لا يمكن وصفه، إنّه إبادة جماعية وتدمير ممنهج للقضاء على كل أثر إنساني في تلك الأرض. أعداد الضحايا، صورهم، صور أشلائهم، صور الجرحى أو الأطفال المرعوبين صور المجاعة. لم يتأثر العالم بها تأثّراً يدفع به إلى وقفها. فقرر العدو الدموي توسعة منطقة عملياته وصولاً إلى لبنان الذي شهد خلال أسبوعين حمماً من نار ودماء. قرى سُوّيت بالأرض، قلب العاصمة لقمة سائغة، نزوح عشرات الآلاف من جميع المناطق بحثًا عن وجهة آمنة بعدما غادروا بيوتهم على وقع هدير آلة الحرب الإسرائيلية والذخائر الأميركية الصنع. ها نحن نصبح فصلاً من فصول التقنية الأميركية التي درست فيها داعش وإسرائيل قواعد الصدمة والترويع.
إسرائيل التي وضع الغرب في خدمتها آخر ما توصلت إليه تقنياته العسكرية وراداراته وأقماره الصناعية، وبرامج الذكاء الاصطناعي للرصد والتحليل والملاحقة، مع أطنان من القنابل والصواريخ والطائرات الحربية الحديثة التي تقوم، اليوم، بعرض لحقيقة نظرية الصدمة والترويع، يتابعه العالم بشكل مباشر، بعضهم قد يكون بدأ باختيار وسائل حربية بعدما اختُبرت في أرضنا ليشتريها. وبعضهم يتابع وهو يتحسس عنقه ويعيد مراجعة كلّ تصريحاته وخطواته، لا بأس إذا تغاضى عن تصريح عدائي إسرائيلي من هنا، ولا بأس إذا تجاهل إهانة من هناك. المهم السلامة، أما السيادة فدعوها لمن يملك القدرة على الدفاع عنها. وبعضهم يتابع ويقول كان يمكن كذا أو كذا. وبالطبع هناك من يعدّ العدة للمواجهة بعد استخلاص العبر والدروس من كل ما يجري.
أما نحن، حيث مسرح الأحداث، فندفع ثمن وجودنا على هذه الأرض حيث زرع الغرب كياناً غاصباً، وتُرك له أن يتمدد شيئاً فشيئاً ليقضي على كلّ شجرة معمرة تذكّر بأهل الأرض الحقيقيين. نحن الذين أصابتنا لعنة المستعمر والانتداب اللذين قررا عنا رهن مصيرنا بيد قاتل مجرم يرى نفسه فوق العدالة والقانون. وخرج علينا ليقول إنه يريد تغيير خريطة الشرق الأوسط، وهو الذي كان أصله وفصله احتلالاً وإجراماً وبلاء حلّت بأرض الرّسل والأنبياء. أما نحن فمن سيبقى منا لن ينسى ولن يسامح ولا بد من ثمن، ولا بد من عقاب.