الثلاثاء 17 أيلول والأربعاء 18منه، وقع هجوم غير مسبوق في تاريخ الدول، حين فجّرت إسرائيل عددًا كبيرًا من أجهزة الاستدعاء "بيبر" وأجهزة الإرسال "توكي ووكي"، فأدّى ذلك إلى استشهاد عشرات اللبنانيين وجرح آلاف آخرين، بعضهم مدنيون عاملون في مؤسسات "حزب الله"، إضافة إلى عناصر مقاتلة.
وفي الموجة الأولى من الهجوم، فُجّر 4000 جهاز استدعاء "بيبر" عن بعد، وهذا ما أسفر عن استشهاد 12 شخصًا وإصابة الآلاف. أمّا الموجة الثانية، التي حدثت في اليوم التالي، فقد استهدفت أجهزة راديو محمولة "توكي ووكي"، فأدّى التفجير إلى استشهاد 20 شخصًا وجرح نحو 450 آخرين.
وكان اللافت تناقل مواقع روسية معلومات تتهم فيها السلطات الأميركية بتنسيق الهجوم مع الأجهزة الاستخباراتية الإسرائيلية، خصوصًا بعد تناقل أخبار عن أنّ السفارة الأميركية كانت قد أوعزت إلى إدارة مستشفى الجامعة الأميركية في بيروت بسحب أجهزة البيجرز من الأطباء والعاملين فيها، بذريعة إجراء أعمال صيانة عليها قبل أسبوع من وقوع الحادث. وكان بيان صادر عن المستشفى نفى هذه الاتهامات موضحًا أنّ ما جرى هو "تحديث بنية نظام النداء الألكتروني في نيسان الفائت، وقد جرى الانتقال إلى النظام الجديد في 29 آب الماضي. وكان هدف هذا التحديث تعزيز اتصالات الطوارئ والرمز، إذ أصبحت غالبية هذه الأجهزة والأنظمة قديمة". إلّا أن هذا التوضيح الذي تحدث عن إضاعة الوقت في نشر الشائعات أثار أكثر من علامة استفهام حول التوقيت إذ تم الانتقال إلى النظام الجديد مع نهاية آب، وقد وقعت التفجيرات في ١٨ أيلول.
أمّا المسألة الثانية فكانت إثارة العديد من وسائل الإعلام الروسية أسئلة تتعلّق بالرئيس الإيراني الراحل إبراهيم رئيسي الذي قضى قبل أشهر قليلة في حادث تحطّم طائرته المروحية، وبحقيقة مقتله وما إذا كان ما حصل هو عملية اغتيال خططت لها إسرائيل انتقامًا على قصف طهران مطاراتها العسكرية ردًا على الغارة الصهيونية على القنصلية الإيرانية في دمشق، والتي قُتل فيها عدد من قادة الحرس الثوري الإيراني. والجدير بالذكر أنّ المسؤولين الحكوميين في إيران يستخدمون أجهزة "البيجرز"، وأحدهم كان الرئيس الإيراني نفسه.
والخميس 19 أيلول 2024، ألقى الأمين العام لـ"حزب الله" السيد حسن نصر الله خطابًا كشف فيه عن جزء من التحقيقات في ما حصل، وأكّد ما تناقلته وسائل إعلام من أنّ أجهزة الاستدعاء البيجرز والنداء توكي ووكي استورِدت في أوائل أيار الماضي من شركة هنغارية مرخّصة من شركة تايوانية، وأنّه تبيّن من أنّ الشركة الهنغارية هي شركة وهمية وواجهة للموساد الإسرائيلي، الذي سلّم شحنة من هذه الأجهزة المفخّخة إلى "حزب الله" والإيرانيين من دون علمهما بحقيقة الشركة، وأنّ الأجهزة وُزّعت على عدد كبير من المدنيين العاملين في مؤسسات الحزب والمستشفيات والمدارس التابعة له، إضافة إلى قادة ومقاتلين في صفوفه، ومسؤولين سياسيين وعسكريين إيرانيين، وفي عدادهم مسؤولون كبار في الدولة.
الجدير بالذكر أنّ المسؤولين الحكوميين في إيران يستخدمون أجهزة "البيجرز"، وأحدهم كان الرئيس الإيراني نفسه.
وسبق أن تطرقتُ في مقالة عنوانها "هل لإسرائيل يد في مقتل الرئيس الإيراني؟" نُشرت في "الصفا نيوز" في 21 أيار الماضي، وتساءلتُ فيها هل لإسرائيل يد في اغتيال الرئيس ابراهيم رئيسي. وأشرت إلى أنّ التوتر بين إيران وإسرائيل كان قد بلغ درجات غير مسبوقة نتيجة الغارة التي شنّتها الطائرات الإسرائيلية على القنصلية الإيرانية في دمشق في الأول من نيسان، والتي أودت بحياة عدد من القادة في الحرس الثوري الإيراني، وما تلاها من ردّ إيراني بعد عشرة أيام عبر هجوم بمئات المسيّرات والصواريخ على قواعد عسكرية إسرائيلية، تكتّمت تل أبيب عن حجم الخسائر التي نتجت منها.
كذلك لفتت المقالة إلى أنّ كثيرين كانوا ينتظرون ردًّا ثأريًا إسرائيليًا على الردّ الإيراني، خصوصًا بعد العملية الهزيلة التي شنّتها مسيّرات إسرائيلية على أصفهان، والتي وضعت في خانة الاستعراض لعدم إيقاعها أيّ خسائر في صفوف الإيرانيين. وهذا ما جعل عددًا كبيرًا من المراقبين يعتقدون أنّ إسرائيل ستقدم على ردّ آخر واعتبروا أنّ سقوط المروحية التي كانت تقلّ الرئيس الإيراني شكّلت الردّ الإسرائيلي المرتقب. وكان لافتًا مسارعة إسرائيل إلى الإعلان عن عدم مسؤوليتها عن الحادث.
وممّا زاد من شكوك البعض في إمكان تورّط إسرائيل في الحادث هو العلاقة الوثيقة التي تجمع إسرائيل وأذربيجان، علمًا أنّ رئيسي كان عائدًا برفقة الوفد المرافق له من مراسم افتتاح سدّ على الحدود الإيرانية الآذرية بحضور الرئيس الآذري. والجدير ذكره أنّ علاقات إستراتيجية تجمع أذربيجان وأسرائيل خصوصًا على صعيد التعاون الاستخباراتي، في ظّل وجود محطّة تجسّس إسرائيلية في أذربيجان تهدف إلى التجسس على إيران وإدارة أعمال تخريبية فيها، عدا التعاون العسكري الوطيد بينهما. وهذا يعزّز هواجس البعض من احتمال أن تكون إسرائيل قد استغلّت هذه العلاقة للحصول على بيانات استخباراتية بشأن حركة الرئيس الإيراني ووزير خارجيته للتسبّب في الحادث. ومما زاد أيضًا من هذه الشكوك هو الأنباء عن رفض السلطات الآذرية السماح للقوات الإيرانية باستخدام أجوائها في عمليات البحث، وهذا ما أفضى إلى إشاعة تكهّنات بأنّ باكو كانت تريد التستّر على معطيات قد تساهم في الكشف عن أسباب الحادث، وعما إذا كانت هنالك يد تخريبية شاركت في إسقاط الطائرة.
وألمحت المقالة أيضًا إلى أنّ بعض المراقبين توجه بنظره إلى الولايات المتحدة متّهمًا إيّاها بالتسبّب في الحادث، إذ كان هنالك تزامن بين إقلاع مروحية الرئيس الإيراني وإقلاع طائرة شحن أميركية من طراز سي 130 في الوقت نفسه، وهذا ما أدّى إلى تأويلات عدة مختصرها أن تكون الطائرة جزءًا من عملية استخباراتية معقّدة. وقد حمّل وزير الخارجية الإيراني السابق محمد جواد ظريف الولايات المتحدة مسؤولية مقتل الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي ومرافقيه، بسبب العقوبات التي فرضتها على صناعة الطيران في إيران.
وبعد ما حدث في لبنان خلال الأسبوع الماضي، يُطرح السؤال نفسه مجدّدًا، هل كان لإسرائيل يد في مقتل الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي؟