دخلت مواقع التواصل الاجتماعي حياتنا من دون أن نلحظ بداية. وراحت تثبت موقعها في يومياتنا على اختلاف أعمارنا وأعراقنا وتوزعنا الجغرافين كنا جميعاً ندخل إلى قرية الأنترنت الكونية وعالم الشبكة العنكبوتية التي حاكت خيوطها فوقعنا جميعاً في شباكها. وبدأنا شيئاً فشيئاً نغير نمط عيشنا ليتلاءم مع شروطها.

مواقع كثيرة بعضها مجاني، يتحول مستخدموها إلى سلع تبيعها للمعلنين. بعضها يضع رسماً للاستخدام لتتحول إلى عالم خاص لا مكان فيه لتطفل المعلنين وذلك لمن يصنفون أنفسهم في خانة مختلفة عن العامة إن صح التعبير. وبعضها يقدم خدمات خاصة مقابل بدل محدد فيما لا يحظى بهذه الخدمات جمهور واسع من المستخدمين الذين يدورون بفلك تقني معقد ظنوه نافذة للتعبير.

مواقع تحولت مع الوقت إلى ملتقى لأفراد العائلة حيث يتابع الجد والجدة صور الأحفاد المسافرين. ومواقع هجرها صغار السن هرباً من عيون الأهل. أجيال انتشرت في كل الاتجاهات، وجدوا ضالتهم وتجمعاتهم وفق آلية أعدتها لهم مواقع التواصل نفسها. خوارزميات تتغير بانتظام فتحدد طريقة التفاعل وطبيعته ومستواه.

لم تعد ترى تحديثات ومشاركات الكثير من الأصدقاء على فيسبوك مثلاً، وذلك لأنك لم تتفاعل مع مشاركاتهم خلال فترة طويلة. وحدهم من يتفاعلون معك تراهم ويرون ما تشارك. إنه المحتوى المصمم وفق عاداتك البحثية واهتماماتك ودائرة أصدقائك. ترشيح الصفحات للمتابعة تصدمك غالباً حيث تجد فيها محاولة لقراءة أفكارك وعاداتك.

في هذه العالم يعرفونك جيداً. أنت من شاركت معهم كل شيء. من العائلة إلى الأصدقاء، من مكان إقامتك إلى صور رحلاتك وتنقلاتك إلى غرف الدردشة والمجموعات التي انضميت إليها. لم يعد هناك من خصوصيات فكل ما كنت تخفيه أصبح بمتناول جهاز يرصد كل حركاتك بمعرفتك حينا ومن دون وعي أحياناً.

مواقع تحولت إلى منصات للتعبير عن الرأي ومساندة قضايا وتبني مواقف في عالم شديد التعقيد والتشعبات والعصبيات. أصبحت بعض الدول وقبل منح تأشيرة دخول إلى أراضيها تطلب من الراغبين تزويدها بحساباتهم على مواقع التواصل الاجتماعي لرصد مواقفهم وكتاباتهم قبل منحهم التأشيرة. بعض الأشخاص خسروا عملهم بسبب بوست هنا أو تغريدة هناك. وبعضهم تم فسخ عقود عملهم قبل مباشرتها بعد تعرضهم لحملات نتيجة لموقف كانوا قد عبروا عنه في تاريخ ما وتم نبشه وتوظيفه ضدهم.

مواقع أخرى أدخلت عادات غريبة وسلوكيات غير صحية على المجتمع. مشاركة الصور عبر انستاغرام من رحلات سفر أو مطاعم أو حتى أزياء خاصة واستعراض لمفاتن، امور سببت أزمات نفسية كثيرة ومشاكل أكبر. فالكل يريد أن يظهر بتلك الصورة الجميلة التي لا تعكس الواقع غالباً ولكنها صورة مشتهاة. ولو على حساب الصحة والإمكانيات. يقول البعض أن عالم التواصل الاجتماعي أطاح بمفهوم الباباراتزي ولم يعد من حاجة لمن يلحق بالمشاهير لسرقة صورة من هنا أو صورة من هناك. الجميع يريدون نشر صورهم من مشاهير ومغمورين من شخصيات عامة وأناس عاديين.

وفرت بعض المواقع فرصاً للتعارف فالارتباط. كثيرة هي الزيجات التي نتجت عن علاقة كان فيسبوك مسرحها الأول كما تويتر أو انستاغرام. وكثيرة حالات الطلاق التي نتجت عن ضبط الشريك متلبساً بعلاقة غرامية.

وبهذا تحولت مواقع التواصل الاجتماعي إلى منجم معلومات يتم رصدها من قبل الدول والأجهزة والشركات والمعلنين والمنتجين كما المنافسين.

كما أن وبدأت المعارك تخاض على المنصات لاستقطاب الجماهير والمتابعين لأصناف معينة أو لعلامات تجارية متنافسة وحتى الأحزاب والسياسيين وبين الأفراد المؤثرين والنجوم. ويضاف إلى التنافس بين المستخدمين التنافس بين المنصات نفسها. حيث تبدو تويتر في منافسة مع فيسبوك أو يوتيوب رغم اختلاف صيغهم وبين تويتر ومن يشبهه من حيث الصيغة أو المضمون.

مواقع التواصل الاجتماعي عالم بلا خرائط وبلا حدود بقوانين ومعايير متغيرة وبجماهير مجبرة على الالتزام بكل الشروط التي يتم تعديلها باستمرار. وبات الحديث عن إدمان مواقع التواصل الاجتماعي واقعاً يحتاج لعلاج.