التمايز في الرواتب داخل القطاع العام، يترافق مع فروقات كبيرة مع ما يتقاضاها الأجراء في القطاع الخاص، أقلّه من النّاحية الإسمية

حافظ لبنان خلال العقود الماضية على نوع من المساواة في الأجور بين القطاعين الخاص والعام، وداخل الأخير إلى حدٍ ما.  فكلّ تعديل على سلسلة الرّتب والرواتب، كان يلحقه تصحيحاً للأجور ورفع حدّه الأدنى للحفاظ على هذا التوازن الدقيق. ولعلّ "الهدف السرّي" للممسكين بالقرار، من وراء هذه السياسة الاجتماعية الفريدة، كان الحدّ من استقطاب القطاع الخاص للكفاءات، وإبقاء أبواب الدولة مشرّعة للزبائنية السياسية، التي تُحسن توظيفها في الاستحقاقات الوطنية.

لا نفشي سرّاً إذا قلنا إنّ مختلف الوحدات المدنيّة والعسكرية في القطاع العام موزعة بشكل طائفي أو حتّى مذهبي. فهذا الصندوق محسوب على فلان، وتلك الإدارة على علّان، وذلك الجهاز من حصّة أحد الإخوان.. ولضمان النّصيب العادل لكلّ جهة من التوظيف أو التعيينات، جرى توحيد التقديمات والحوافز والتعويضات، مع إبقاء أفضليّة لبعض الملاكات على الأخرى.. كلّ هذا تبدّل بشكل جذري بعد الانهيار. إذ تشهد الرواتب داخل القطاع العام فروقات هائلة، بسبب واحد من ثلاثة إجراءات جرى اعتمادها:

الأول، اختلاف الحوافز المعطاة من الجهات الدّاعمة الخارجية بين إدارة وأخرى. حيث يستفيد المعلّمون والمعلّمات على سبيل الذكر لا الحصر في المدارس الرسمية من حوافز تصل إلى 300 دولار شهرياً، فيما لا يتجاوز متوسّط راتب موظف الإدارة العامة 100 دولار.

الثاني، معاملة تفضيلية لتقاضي الرواتب على أساس سعر صرف مدعوم، بهندسة وضعها حاكم مصرف لبنان السابق رياض سلامة. كما حصل مع الجهاز القضائي وموظفي المالية.

الثالث، اتجاه بعض الإدارات إلى تعديل رواتب موظّفيها بشكل منفرد استناداً إلى اجتهادات قانونية. وهذا ما حصل مع الإدارة الجمركية.

لا نفشي سرّاً إذا قلنا إنّ مختلف الوحدات المدنيّة والعسكرية في القطاع العام موزعة بشكل طائفي أو حتّى مذهبي

الزيادات على رواتب موظّفي الجمارك

ففي الوقت الذي ما زال فيه موظفو معظم البلديات يتقاضون راتباً واحداً، مضافاً إليه بضعة ملايين، وموظفو الإدارة العامة يتقاضون سبعة رواتب لا تتجاوز قيمتها الفعلية المئة دولار، أصبح راتب موظّف الجمارك على الساعة. إذ بحسب القرار 350/2023، تحدّد معدّلات الأجور عن السّاعة الواحدة، ويعتبر جزء الساعة كساعة كاملة، وذلك على الشكل التالي:

- مليون ليرة في النهار و1.5 مليون ليرة في الليل عن السّاعة لموظّف الفئة الثانية.

- 800 ألف ليرة في النهار و1.2 مليون ليرة في الليل عن الساعة لموظّف الفئة الثالثة.

- 600 ألف في النهار و800 ألف ليرة في الليل عن الساعة لموظّف الفئة الرابعة.

- 400 ألف ليرة في النهار و600 ألف ليرة في الليل لموظّف الفئة الخامسة ولعناصر الضابطة الجمركية.

تكريس التمايز بين الموظّفين

إذا وضعنا جانباً الأحكام الخاصّة بوزارة المالية – إدارة الجمارك، التي ارتكز عليها القرار، فإنّ الزيادة الكبيرة ستخلق تمايزاً مع بقية الأجهزة العسكرية والمدنية في القطاع العام. وستؤدّي بحسب مصدر متابع إلى "ارتفاع الأسعار في الداخل، وزيادة الأكلاف على المصدرين نتيجة الزيادة التي أضيفت على بيانات الاستيراد والتصدير. الأمر الذي سيحمّل المواطنين المزيد من الأعباء المالية، ويقلّل من فرص منافسة البضائع اللبنانية في الأسواق الخارجية.

الفرق بالرواتب والأجور بين العام والخاص

التمايز في الرواتب داخل القطاع العام، يترافق مع فروقات كبيرة مع ما يتقاضاها الأجراء في القطاع الخاص، أقلّه من النّاحية الإسمية. ففي الوقت الذي قد يصل فيه متوسّط راتب الموظّف إلى 50 مليون ليرة بعد إعطاء الحوافز اليومية الموعودة، فإنّ متوسّط الأجور في القطاع الخاص لم يزل 9 ملايين ليرة. وهذا "يتناقض مع السيرورة التاريخية لرواتب الموظفين وأجور العاملين، التي ظلّت تسير جنباً إلى جنب"، بحسب رئيس الاتّحاد الوطني لنقابات العمّال والمستخدمين في لبنان كاسترو عبدالله.

بالعودة قليلاً إلى الوراء يتبيّن أنّ رفع الحدّ الأدنى للرواتب في القطاع العام إلى 675 ألف ليرة في العام 2011، تبعه في العام 2012 مرسوم تصحيح الأجور وزيادة بدل النّقل في القطاع الخاص. والذي نصّ في مادّته الثانية على رفع الحدّ الأدنى للأجور إلى 675 ألف ليرة، والحدّ الرسمي للأجر اليومي إلى 30 ألف ليرة، اعتباراً من 1/2/2012. هذه الوحدة في التشريع كسرت بشكل عنيف، وكان الأساتذة في القطاع الخاص أكثر من دفع ثمنها نتيجة تباين رواتبهم الإسمية مع القطاع العام. و"طالما لا يوجد حوار اجتماعي جدّي، بين قوى الإنتاج أي الدولة وممثّلي العمّال وأرباب العمل، يخلص إلى وضع عقد اجتماعي جديد قائم على العدالة والإنصاف، فإنّ الفوضى ستبقى متحكّمة في مختلف المفاصل"، بحسب عبدالله. "وسيبقى الإجحاف يلاحق العمّال في القطاع الخاص، ومؤسسة الضمان الاجتماعي". فالأجراء في القطاع الخاص وإن كانوا يتقاضون جزءاً من راتبهم بـ "الفريش" دولار، فإنّه لا يتمّ التصريح بهذه المبالغ للضمان الاجتماعي. الأمر الذي يحرم الضمان من إيرادات كبيرة، ويفوّت على العمّال فرصة زيادة تعويض نهاية الخدمة وبقيّة التقديمات الاستشفائية"، يقول عبدالله. والهيئات الرقابية المولجة متابعة هذه القضايا "لا يملك أفرادها إمكانية للوصول إلى مكاتبهم، إذا افترضنا حسن النيّة، للتدقيق والحدّ من المخالفات"، يضيف عبدلله. "فيما مجالس العمل التحكيمية معطّلة للسبب نفسه. وعليه يجب أن يتخطّى البحث طاولة لجنة المؤشّر ليشمل المجتمع المدني، ومختلف القوى النقابية، والهيئات النسائية، والقطاع العام والخبراء الاكتواريين بطريقة جديدة. فالتّرقيع لم يعد ينفع".

مهما زادت القيمة الإسمية للأجور في القطاع العام، وعظمت الحوافز في القطاع الخاص فإنّ العمّال والموظّفين يشتركون بغياب الضمانات الاجتماعية. وباستثناء قلّة من المؤمَنين بـ الفريش" على حساب شركات التأمين، فإنّ الغالبية "معرّاة" صحياً واستشفائياً وتعليمياً بسبب انهيار المؤسسات الضامنة.