نسخت الحكومة أرقام موازنة 2023 "المنبوذة"، ولصقتها مبعثرة على صفحات موازنة 2024، وجلست تنتظر الظروف لتمريرها، على عيبها، بمرسوم. إنّها باختصار حكاية الخطّة المالية الأهمّ للعام الرابع على الانهيار، والثمانين على الاستقلال. واسانا تحويلها ضمن المهل الدستورية إلى البرلمان للدراسة، بسابقة قلّما شهدناها، فكشفت عن ضرائبها وأفزعتنا.

يكفي اعتبار رئيس لجنة المال والموازنة النيابية إبراهيم كنعان أنّه "لا يوجد هدف اقتصادي من مشروع موازنة 2024 إلّا زيادة الإيرادات، على حساب 85 في المئة من اللبنانيين"، لنعرف عن أيّ موازنة نتكلّم. فالنّائب "المفوّه"، الذي استضافه "المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي"، للبحث في موضوع الضرائب الواردة في المشروع، بحضور أرباب العمل والعمّال، "بكى" الموازنة لكثرة ما فيها من فوضى ومخالفات وأرقام "فلكيّة"، ستقضي على كلّ من بقي صامداً من مؤسسات وعمّال.

الزيادات على الرسوم

لم تكتفِ موازنة 2024 بتعديل سعر الصّرف للضرائب والرّسوم القائمة، أو مضاعفة بعضها عشرات المرّات، إنّما استحدثت أخرى جديدة "لم تكن على البال، ولا الخاطر". فبدلاً من تسهيل ولادة الشركات لتحفيز الاستثمارات وخلق فرص العمل، رفعت الموازنة رسم تسجيل التاجر في سجل التجارة 25 مرة. و50 مرّة رسم تسجيل شركة الأشخاص. و150 مرة زيادة رسم تسجيل شركة الاموال. وفي حال سقط سهواً ذكر قيمة الرسم عن أي معاملة، تتضاعف 40 مرة بشكل تلقائي.

استحداث رسوم جديدة

الطّريف في موازنة 2024 استحداثها رسوماً جديدة على الجمعيات المدنية والكشفية والنوادي والشباب والطلّاب. وعلى سبيل الذكر لا الحصر فإنّ رسم طلب تحديد موعد انتخابات لجمعية يكلّف 3 ملايين ليرة.

طلب إفادة حول وضع جمعية يكلّف 3 ملايين ليرة.

طلب تجديد لجنة اتحاد يكلّف 25 مليون ليرة.

طلب تعديل اسم جمعية أو نادٍ يكلف 25 مليون ليرة.

رسم سنوي لاتحاد شبابي 30 مليون ليرة.

رسم سنوي لنادي مؤسساتي (مؤسسة خاصة تملك ناد) يكلّف أيضاً 30 مليون ليرة.

طلب بدل ضائع عن شهادة رسمية يكلف 170 ألف ليرة،

هذا فيض من غيض ما ورد في مشروع الموازنة "التي أسقطنا منها الكثير من المواد والبنود المخالفة للقانون والدستور وغير المنطقية"، يقول كنعان. ومن المواد الملغاة:

-  القروض الاستثمارية المدعومة. وذلك على الرّغم من إصرار نائب حاكم مصرف لبنان بالإنابة استخدام ما تبقّى من أموال المودعين لأيّ غرض كان.

- قبول الهبات والقروض بحسابات خاصة في مصرف لبنان، ليعاد صرفها من دون حسيب او رقيب.

فصول الموازنة

تنقسم موازنة 2024 إلى ثلاثة فصول رئيسية، وكلّ فصل يثير إشكاليّات أكثر من الآخر. فالفصل الأول الذي يتضمّن المواد الأساسية التي تبنى عليها الموازنة، لا علاقة له بالواقع المعاش"، بحسب كنعان. فيما الفصل الثاني المتعلّق بقوانين البرامج، مصفّر. ما يعني أنّ المشاريع الاستثمارية الجاري تنفيذها ستتوقّف حكماً. ما سيقود بحسب كنعان إلى واحد من حلّين أحلاهما مرّ: "إمّا الادّعاء على الدولة من المتعهّدين، وإمّا ضياع الاستثمارات السابقة". أمّا بالنسبة إلى الفصل الثالث والأهمّ المتعلّق بالضرائب والرسوم، فلم تتبع الحكومة، على عادتها، إرسالها بقوانين خاصة تشرح خلفيتها والمبتغى منها وجدواها الاقتصادية، إنّما ضمّنتها في الموازنة دكمة واحدة. وبحسب كنعان هناك أولا تحفظاً دستورياً على موضوع الضرائب، ومعقوليتها ثانياً.

الضرائب على الرواتب

تستهدف الموازنة إصابة الرواتب بالشطور والنسب، لتحصيل 4000 مليار ليرة من هذه الضريبة كما كان قبل الانهيار، في حين أنّ العائد من هذه الضريبة لا يتجاوز 1000 مليار ليرة اليوم. وعليه فإنّ العقلية التي حكمت الموازنة هي عقلية تجميعية بدون رؤية واضحة أو حتّى معايير موحّدة.

الغرامات

ما ينطبق على الضرائب والرسوم ينسحب على غرامات التأخّر بتسديد رسوم المعاينة الميكانيكية والتصاريح الضريبية والمعاملات العقارية... وغيرها، التي زادت بما لا يقلّ عن أربعين ضعفاً. وهذا ما لا يجوز في دولة مشلولة بإدارتها، وتعمل بنسبة أقلّ من 10 في المئة. فما هو ذنب المكلّفين من أفراد ومؤسسات إذا كانت الإدارات متوقّفة عن العمل أو في ظل العجز عن إيجاد الطوابع المالية. "وكأنّ الهدف هو التشجيع على التهرّب الضريبي"، بحسب كنعان. "والذي تقدّر قيمته اليوم بـ 4.5 مليار دولار".

أخطر ما في الامر أنّ تعديلات لجنة المال والموازنة على مشروع القانون، قد تكون من دون جدوى. ففي حال لم يتمّ الانتهاء من الموازنة قبل نهاية العقد التشريعي الثاني (يبدأ العقد الثاني الثلاثاء الذي يلي الخامس عشر من شهر تشرين الأول، ولغاية نهاية العام. وتخصّص جلساته للبحث في الموازنة والتصويت عليها)، وفي ظلّ انعدام القدرة على فتح عقد استثنائي، يحقّ للحكومة ساعتذاك إصدار الموازنة بمرسوم. وفي حال تحقّق مثل هذا السيناريو تكون الموازنة التي يفترض بها أن تكون إصلاحية واستقلالية، قد اعادت استعمار البلاد والعباد بالضرائب والرسوم.