مصادر سياسية رأت أنّ دعوة الدول الغربية رعاياها إلى المغادرة يندرج في باب التهويل بالدرجة الأولى...

على وقع الحرب الإسرائيلية على غزّة يعيش الجنوب اللبناني حالة من حبس الأنفاس حيث المواجهات المندلعة بين قوات الاحتلال الإسرائيلي وعناصر حزب الله. خشية دوليّة ومحليّة من توسيع رقعة هذه المواجهات، فتلجأ إسرائيل إلى شنّ حرب على لبنان شبيهة بحرب تموز عام 2006 . أكثر من رسالة تحذير تلقّاها لبنان من أميركا وفرنسا ودول أخرى للضغط من أجل عدم انخراط حزب الله بالحرب الدائرة بين إسرائيل والمقاومة الفلسطينية في الداخل الفلسطيني. الخطوة الثانية بعد رسائل التحذير كانت دعوة الرعايا الأجانب إلى مغادرة لبنان. وإذا كان الهدف من المحاولة الأولى سياسي بامتياز هدفه حماية إسرائيل، فإنّ دعوة الرعايا للمغادرة عزّزت الخشية من أن تكون الدول التي طلبت من رعاياها المغادرة قد فعلت ذلك بناء على تقارير ومعطيات تنذر بالأسوأ في لبنان، مع استمرار عمليات المقاومة ضد الإسرائيليين في الأراضي اللبنانية المحتلة جنوب لبنان.

كلّ السفراء أصدروا بيانات دعت رعايا بلادهم للمغادرة، لاسيما بعد تظاهرة الاحتجاج التي نفّذتها الأحزاب والقوى الوطنية أمام سفارة أميركا في لبنان، وحدها من بينهم سفيرة كندا التي حضرت إلى السراي الحكومي تبلّغ رئيس الحكومة نجيب ميقاتي أنّ بلادها بصدد اتّخاذ إجراءات وقائية، ولذا فإنّها وجدت نفسها مضطرة إلى دعوتهم للمغادرة فلم يكن بيان سفارتها مفاجئاً.

مصادر سياسية رأت أنّ دعوة الدول الغربية رعاياها إلى المغادرة يندرج في باب التهويل بالدرجة الأولى، لكنّ الدول تعلم حساسية الموقف وخطورة المواجهات الجارية، ولأنّها لم تنل ما طلبته من ضمانات بعدم دخول حزب الله في المواجهات مباشرة، تعزّزت لديها الخشية من تدهور الأوضاع أكثر.

تقول مصادر رسمية ل"الصفا نيوز" أنّه: "ليس معلوماً ما اذا كان طلب الدول الغربية من رعاياها مغادرة لبنان يندرج في إطار كونه إجراءً وقائياً أم أنّ معلومات توافرت لديها بقرب نشوب حرب وشيكة تستدعي سحب ديبلوماسييها والرعايا". وتتابع "المخاوف موجودة نتيجة التوتر على ساحة الجنوب ولكن ما من معطيات تؤكد توسع رقعة العمليات حتى الساعة"

غير أنّ المؤكّد والمتّفق عليه بين المسؤولين في الحكومة اللبنانية أنّ ثمّة حالة تهويل مقصودة حيال لبنان للضغط على حزب الله كي لا يكون طرفاً في الحرب. كلّ من زار السراي الحكومي من الديبلوماسيين الأجانب لم يتحدّث عن عوامل مطمئنة للوضع في لبنان ما يفترض اتّخاذ خطوات وقائية. يقول مصدر حكومي "أن لا معطيات تبعث على الإطمئنان والدول تبدي خشيتها من مغبّة تصعيد يطاول المنطقة بأسرها" ويتابع إنّ "جولات وزراء الخارجية لكلّ من تركيا وفرنسا وإيران تلاقت على التنبيه من أنّ التطورات تنذر بالأسوأ . لم يكتفِ الفرنسي بالتحذير بل هدّد على لسان وزيرة خارجيته لبنان من دخول حزب الله على خطّ المعارك، وإلا فإنّ لبنان ساعتئذ سيواجه حرباً بلا هوادة ولن يجد من يؤازره أو يساعده". عكسها تحدّث الوزير الإيراني الذي عكس حالة ارتياح لسير المعارك في فلسطين، من دون أن يغفل الحديث عن وحدة الساحات متى شعر محور المقاومة أنّ حماس والفصائل الفلسطينية المقاومة بحاجة إلى مؤازرة.

تلقّى لبنان تحذيرات الديبلوماسيين وحاول نقلها إلى الجهة المعنية أي حزب الله، الذي لم يجد نفسه معنياً بإعطاء تطمينات

سفيرة أميركا دورثي شيا انخرطت هي أيضا في حملة التنديد والوعيد والتحذير، وقالت في مجلس خاص وبصريح العبارة "أن على لبنان أن يمنع انخراط حزب الله في المعارك وإلّا سيكون الثمن باهظاً".

تلقّى لبنان تحذيرات الديبلوماسيين وحاول نقلها إلى الجهة المعنية أي حزب الله، الذي لم يجد نفسه معنياً بإعطاء تطمينات، فلم يعر الأمر اهتماماً موليا الأهمّية للمواجهة في الميدان.

وحده لبنان الرسمي اعتبر نفسه مطوّقاً بين فكّي أزمة أمنية واقتصادية. ما تبلّغه ميقاتي على لسان الموفدين الدوليين أنّ اجتماع السبت في القاهرة لرؤساء عدد من الدول العربية ربّما يحمل معه بوادر تهدئة ولو مؤقّتة وأنّ المسألة تحتاج إلى وقت طويل .

لكنّ معطيات حزب الله تفضي إلى الاستنتاج أنّ الحرب قد تقع في أي لحظة وتتمدّد ولن تكون على محور واحد بل ستشمل محاور عدّة وما خطة وزير الأشغال علي حمية المحسوب على حزب الله إلّا دليلاً على أنّ احتمالات الحرب قويّة . أقلّه هكذا فسّر بعض الوزراء خطّة وزارة الأشغال لمطار بيروت الدولي متى وقعت الحرب.

عين الغرب كما إسرائيل على حزب الله . فرنسا لم تهدأ في حركتها للضغط عليه من أجل ألّا يدخل شريكاً في الحرب، وهي وإن كانت بعثت بعشرات الرسائل إلى حزب الله كي يقف على الحياد، فسفيرتها في لبنان قصدت السفير الإيراني في لبنان لتشكو إليه سوء الأحوال متى دخل حزب الله على خطّ المواجهة الشاملة مع إسرائيل. فسمعت ما لا يبشّر بالخير، ذلك أنّ المطلوب من قبل محور الممانعة وقف إسرائيل ضرب غزة للشروع في مفاوضات.

ساعات عصيبة وربما أيام طويلة سيمضيها اللبنانيون على وقع أصوات القذائف والمدفعية تقترب تدريجياً من المناطق والقرى الآمنة. الخوف يتسلّل إلى كلّ لبنان. الهجرة الداخلية بدأت. الأوضاع لا تنذر بالخير. ملخّص ما نقله الديبلوماسيون على اعتبار أنّ الأمر مرهون بموقف حزب الله من الحرب، والأخير يقول حسب المطّلعين أنّه لن يمنح الغرب تطمينات وتقديراته تقول أنّ الأوضاع مفتوحة على كلّ الاحتمالات.