بعيداً عن صخب الإعلام، نشرت وزارة الطاقة والمياه في الثالث عشر من شهر أيلول الماضي في الجريدة الرسمية قراراً حمل الرقم 32، ويتعلّق بتعديل إحداثيات موقع حفر بئر الاستكشاف في حقل قانا
يعيش لبنان بشقّيه الرّسمي والشّعبي على أمل تسرّب الغاز وتدفق قطرات النفط من آباره الاستكشافية الإقليمية. اختلاف النّظر إلى هذه الثروة المحتملة بـ "عيني دهاء المنظومة، وبراءة الرأي العام"، لا يعكّر صفو ارتقاء التنقيب إلى مرتبة الحدث. ومن الطبيعي أن تبقى العين شاخصة على التطوّرات، ومُلاحقة لأصغر التفاصيل.
قبل أيّام من موعد "الوصول" المفترض لاكتشاف بترولي في الرقعة رقم 9، برز حدثان مثيران على الساحة النفطية اللبنانية:
الأول، تقني ويتعلّق بتغيير موقع حفر البئر الاستكشافي بعد نحو شهر على بدء عملية الحفر. الثّاني، إداري ويرتبط بتقدّم "الكونسورتيوم" العامل في لبنان بطلبي اشتراك في دورة التراخيص الثانية للمزايدة على الرقعتين 8 و10 في المياه الإقليمية. فهل من رابط بين الحدثين، وهل من دلالات يمكن الولوج منها، للوصول إلى استنتاجات إيجابية أم سلبية؟
تغيير مكان الحفر في حقل قانا
بعيداً عن صخب الإعلام، نشرت وزارة الطاقة والمياه في الثالث عشر من شهر أيلول الماضي في الجريدة الرسمية قراراً حمل الرقم 32، ويتعلّق بتعديل إحداثيات موقع حفر بئر الاستكشاف في حقل قانا. والسبب الأساسي يمكن تلخيصه بمواجهة الشركة المنقّبة صعوبات تقنية خلال عملية الحفر. وعليه تقرّر "تغيير مكان البئر بمسافة إجمالية قوامها 31.7 متراً شمال الموقع الأول". مثل هذا التعديل، وإن كان يحصل لأسباب تقنية في جميع أنحاء العالم، إلّا أنّه "يثير تساؤلات عمّا إذا كنّا أمام ترسيم بحري جديد"، بحسب الخبير في مجال النّفط والطّاقة فادي جواد. خصوصاً أنّ عملية الحفر قد تمّ نقلها نحو 32 متراً إلى الداخل اللبناني، وهي تضاف الى التراجع من الخط ٢٩ الى خط ٢٣".
ولحساسية الموضوع يعتقد جواد أنّه "من الأجدى أن يكون هناك فريق فنّي لبناني متخصّص بالجيولوجيا على متن منصّة الحفر Transocean، خلال مرحلة الحفر. وألّا نعتمد على المعلومات الواردة من المشغّل فقط. حيث ما زلنا ننتظر التقرير عن النتائج المكتشفة في بئر "بيبلوس" الذي حفر بوعود كثيرة، وطمر لعدم وجود كمّيّات تجارية، لغاية اليوم". وبرأي جواد "من الضروري إصدار تقرير يشرح الخطوات التي تمّ إنجازها مع نوع الصّخور التي واجهت المشغّل في البلوك رقم 9، وعمقها وأسباب عدم قدرة Transocean على خرقها. ذلك مع العلم أنّ الأخيرة تعتبر الحفّارة الأولى في العالم. ومن المهمّ دائماً التوقّف عن إعطاء المعلومات المبهمة لسدّ الطريق امامنا كخبراء في مجال البحث والتدقيق".
دورة التراخيص الثانية
مقابل هذا التطوّر، تقدّم "الكونسورتيوم" المنقّب في البلوك 9، ائتلاف "توتال إنيرجيز"، و"إيني الايطالية"، و"قطر للطاقة"، بطلبي اشتراك في دورة التراخيص الثانية للمزايدة على الرقعتين 8 و10. فعند الساعة الثالثة من بعد ظهر 2 تشرين الأول، وقبل ساعة واحدة من انتهاء موعد تقديم الطلبات للاشتراك في دورة التراخيص الثانية، تقدّم بطلبه. "الأمر الذي يدلّ من النّاحية المنطقية على بروز بوادر إيجابية في البلوك رقم 9"، تقول الخبيرة في شؤون حوكمة الطاقة ديانا القيسي. ولاسيّما أنّ البلوكين 8 و10 يحيطان بالبلوك رقم 9، الأول من النّاحية الغربية، والثاني من الناحية الشرقية. وتكتسب المسوحات ثلاثية الأبعاد في الرقعة رقم 8 أهمّيّة خاصّة لكونها لم تكن داخلة ضمن المياه اللبنانية قبل الترسيم الأخير. وهي لم تظهر على خريطة الرقع البحرية إلّا بعد إجراء ترسيم الحدود البحرية وفقاً للخط 23. ومن الواضح بحسب القيسي انّ "الوقت الذي قطعه التنقيب في البلوك رقم 9 والعمق الذي تمّ الوصول اليه، يفترض أن يعطيا المنقّب فكرة عما يوجد في العمق، خصوصاً أنّ المسافة المقطوعة هي نفسها المسافة التي بيّنت وجود ترسّبات في حقلي "تمار" و"لفياثان" المحاذيين. وعلى الرّغم من كلّ الإيجابيات المفترضة لا يمكن أن نقول "فول إلّا عندما يصبح في المكيول". فقد تكون البئر صغيرة "غير صالحة للاكتشافات التجارية"، برأي القيسي. و"قد تقف إسرائيل عائقاً أمام الاستخراج في حال العكس. فالأمور ما زالت مفتوحة على جميع الاحتمالات".
قد تقف إسرائيل عائقاً أمام الاستخراج
عدم تمديد دورة التراخيص
ومن المؤشّرات التي يمكن تسجيلها في المسار النّفطي، كان إقفال جولة المزايدة على التنقيب في البلوكين رقم 8 و10 على عارض واحد وقبل صدور النتائج من البلوك رقم 9. إذ كان من شأن أخذ هذين العاملين بعين الاعتبار استقطاب المزيد من الشّركات وتوسيع المنافسة وتقوية موقف الدولة التفاوضي. ومع إقفال باب المزايدة على عارض وحيد تكون الدولة أمام حلٍّ من ثلاثة برأي الباحث في العلاقات الدولية وشؤون الطاقة الدكتور شربل سكاف، "إمّا السّير بالمزايدة كما هي. وإمّا التفاوض على تحسين الشروط. وإمّا إلغاء المزايدة". ذلك على الرّغم من أنّ ائتلاف توتال ايني وقطر للطاقة يملك بحسب سكاف "ميزة تفاضلية" لوجوده الفاعل في شرق المتوسط، وتحديداً في كلّ من مصر وقبرص. إلّا أنّه في جميع الحالات فإنّ المهلة أمام التلزيم ما زالت طويلة وأمامها العديد من العقبات خصوصا من الناحية السياسية.
إذاً "المشوار النفطي ما زال طويلاً ومعقّداً أمام لبنان. فالشركات المنقّبة لم تكشّر بعد عن أنيابها، وتدخل في حمى المنافسة في حال توفّر المكامن. والدولة اللبنانية غارقة في صراعاتها الداخلية وخلافاتها العقيمة ولا دورَ تلعبه سوى دور المتفرّج. وبين الاثنين تقف هيئة إدارة قطاع البترول كمراقب ومفاوض على تحسين شروط الدولة"، من وجهة نظر القيسي. وعلى الرّغم من كلّ التناقضات تفترض القيسي "الوقوف خلف الهيئة ودعمها"، في هذه الرحلة الشائكة التي قد توصل البلد إلى مرج من الزهور.