أظهر علماء المناخ أنّ البشر مسؤولون فعليّاً عن كلّ الاحترار العالمي على مدار الـ 200 عام الماضية
يشير تغيّر المناخ إلى التحوّلات طويلة الأجل في درجات الحرارة وأنماط الطقس. يمكن أن تكون هذه التحوّلات طبيعية، بسبب التغيّرات في نشاط الشمس أو الانفجارات البركانية الكبيرة. ولكن منذ القرن التاسع عشر، كانت الأنشطة البشرية هي المحرّك الرئيسي لتغيّر المناخ، ويرجع ذلك أساسًا إلى حرق الوقود الأحفوري مثل الفحم والنفط والغاز، بحسب تعريف الأمم المتحدة.
وأظهر علماء المناخ أنّ البشر مسؤولون فعليّاً عن كلّ الاحترار العالمي على مدار الـ 200 عام الماضية. حيث تسبّبت الأنشطة البشرية في توليد الغازات الدفيئة التي تعمل على ارتفاع درجة حرارة العالم بشكل أسرع من أيّ وقت في آخر ألفي عام على الأقل.
كوارث بيئيّة تطال جميع دول العالم سببها التغيّر المناخي
أصبح التغيّر المناخي حديث الساعة وموضوع القرن، بعد سلسلة الأحداث البيئيّة التي شهدها العالم في الأشهر الأخيرة، من تبدّل في المناخ، وصولاً إلى الكوارث الطبيعيّة. فما يشهده العالم اليوم كان كفيلا بدقّ منظّمات المجتمع الدولي ناقوس الخطر، وبدء العمل على وضع وتنفيذ خطط لمعالجة أزمة التغيّر المناخي حول العالم.
فالمناطق الصحراويّة أصبحت تشهد عواصفا ثلجيّة، ومنها السعوديّة، التي أذهلت العالم بعد أن تساقطت الثلوج في جبل اللوز وجبل شاهق. فيما المناطق القطبيّة تعاني من ذوبان الجليد فيها وقد أظهرت محاكاة نماذج المناخ الجديدة التي نشرتها دورية “نيتشر كوميونيكيشنز” يوم 14 شباط 2023، أنّ ذوبان الجليد في القارّة القطبية الجنوبية وغرينلاند قد يسهم في رفع مستويات سطح البحر العالمية بنحو 1.4 متر بحلول سنة 2150، إذا واصلت انبعاثات ثاني أوكسيد الكربون منحاها التصاعدي في المستقبل.
أمّا مناطق أخرى ، فسيطرت عليها الحرائق ومنها اليونان، التي شهدت أحد أكبر حرائق الغابات في دول الاتحاد الأوروبي على الإطلاق، منذ 23 عامًا، وأدّى الحريق، إلى تدمير مساحات شاسعة من الغابات، وإحراق المنازل في المناطق النائية لمدينة ألكسندروبوليس. وإلى اليونان انضمّت الجزائر التي شهدت في شهر آيلول، ثلاث حرائق في غابات شرقي المنطقة، وفي نهاية تموز الماضي شهدت المناطق نفسها حرائق هائلة أدت إلى مصرع 34 شخصا وأتت على مساحات شاسعة من الغابات والأشجار المثمرة. ويشهد شمال الجزائر وشرقها سنوياً حرائق غابات، وهي ظاهرة تتفاقم عاماً بعد آخر بسبب تأثير التغيّر المناخي الذي يؤدّي إلى جفاف وموجات حرّ شديد.
ولم تنجُ تركيا بدورها من الحرائق، بل علّقت تركيا في شهر آب حركة الملاحة في مضيق الدردنيل شمال غربي البلاد، ليومين على التوالي بسبب حريق غابات اجتاح مساحة 1500 هكتار من الأراضي.
في المقابل شكت بلدان أخرى من الأعاصير والفيضانات وآخرها ليبيا، بعد أن ضربتها العاصفة دانيال ليل 10-11 أيلول وأوقعت أكثر من 3300 قتيل وفقاً للسلطات. وبحسب آخر تقديرات المنظمة الدولية للهجرة، فإن ما يزيد على 43 ألف شخص نزحوا إثر الفيضانات في شمال شرق ليبيا.
وكذلك ضربت الفيضانات مناطق واسعة من الهند وسط تسجيل أعلى درجات حرارة في البلاد في شهر آب. وهو أعلى مستوى قياسي منذ عام 1901. وتضرّر إجمالي نحو ألفي منزل بشكل كامل في هيماشال براديش، وتعرض قرابة 10 ألاف منلال لأضرار جزئية، مع حدوث 113 انهيارًا أرضيًا في موسم الرياح الموسمية.
للبنان حصّته أيضاً من التغيّر المناخي
إذًا لم يستثنِ التغيّر المناخي أي ّدولة في العالم، فحتّى لبنان طالته نتائج هذا التغيير. ويتضّح ذلك من أنماط المناخ المتغيرة في البلاد، وارتفاع منسوب مياه البحر، وتزايد وتيرة وشدّة الكوارث الطبيعية. ففي السنوات الأخيرة، واجه لبنان موجات جفاف شديدة وحرائق غابات وفيضانات وموجات حر، وكان لها جميعها آثار اقتصادية واجتماعية وبيئية كبيرة، مما أضاف المزيد من التحديات للأزمات المتفاقمة.
وبحسب التقرير الوطني الرابع حول تغيّر المناخ للبنان، الذي أطلقه برنامج الأمم المتحدة الإنمائي بالشراكة مع وزارة البيئة وبتمويل من مرفق البيئة العالمية، فإنّ مناخ لبنان يتغيّر باستمرار، مع زيادة وتيرة وشدة الأحداث المناخية المتطرفة، وارتفاع درجات الحرارة بـ 4.9 درجة مئوية، وانخفاض هطول الأمطار بنسبة تصل إلى 22٪ بحلول عام 2100. ولفت التقرير إلى أنّ انبعاثات الغازات الدفيئة في لبنان، يولّدها في الاغلب قطاعا الطاقة والنقل، والذي يسبّب 80٪ من الانبعاثات. وقد انخفضت انبعاثات لبنان بنسبة 7٪ بين عامي 2018 و2019، ويرجع ذلك أساسًا إلى تخفيف في استهلاك الوقود الاحفوري في أعقاب الأزمات المركبة.
وفي هذا الإطار تلفت ليا قاعي، مديرة مشروع تغيّر المناخ في برنامج الامم المتحدة الانماىًي ووزارة البيئة، في حديثها لموقع "الصفا نيوز" إلى أنّ "الوضع غير المستقرّ في تقلّبات الطقس أصبح يرافق لبنان طوال العام. وخير دليل على ذلك كيف تقلّب الطقس بفارق يومين فقط (الجمعة 5 أيّار، والأحد 7 أيّار 2023) من صيفي حار إلى شتوي بفارق 15 درجة. وأحياناً نشعر بإختلاط الفصول فنعيش جوًا حارًا في فصل الشتاء وجوًّا عاصفًا وماطرًا في الربيع والصيف ما يؤدّي الى تلف بعض المحاصيل الزراعية. وأحيانا نعيش الفصول بتطرّف، فنشهد تساقط كميّات أمطار غزيرة في وقت قصير في فصل الشتاء، فتعوم الطرقات بالماء، وفي المقابل نعيش حرًّا شديدًا يفوق معدلاته الموسمية في فصل الصيف".
وأكّدت القاعي أنّ "التغيّر المناخي أصبح واقعًا، وهو نتيجة الإحتباس الحراري وارتفاع درجات حرارة الأرض التي بدأت بالتغيّر منذ العام 1860 مع انطلاق الثورة الصناعية ونتيجة كثرة الإنبعاثات في الجو. وقد عقدت الدول منذ ذلك الوقت اتفاقيّات عدّة نصّت على محاولة منع درجة حرارة الأرض من الارتفاع اكثر من درجتين حتّى العام 2030، ومن هذه الاتفاقيات نذكر اتفاقية باريس بالعام 2015 التي تنصّ على وجوب تخفيض كلّ بلد من انبعاثاته ".
أمّا لبنان، تتابع قاعي، "فصادق على اتفاقيّة باريس وشكّل في عام 2016 لجنة تتألّف من ممثّلين عن الوزارات المعنية لتخفيض انبعاثاته، بنسبة 20% . وإلى ذلك التزمت وزارة الطاقة تأمين الغاز الطبيعي للمعامل وتسعى لأن تصبح 30% من الكهرباء على الطاقة المتجدّدة من الآن إلى الـ2030. إلاّ أنّه وحتّى الآن لم يومّن الغاز الطبيعي فيما قانون الطاقة المتجدّدة لم يسلك طريقه بعد. ولم نر سوى بعض الخطوات المتواضعة التي قامت بها الوزارة من خلال التشجيع على استخدام الطاقة الشمسية وإعطاء رخص لـ11 شركة للعمل على الطاقة الشمسية بشرط شراء المعدّات من الوزارة".
وتضيف قاعي "أمّا وزارة الاشغال والنقل ووزارة الداخلية والبلديات فالتزمت تحويل 20% من السيارات إلى سيارات كهربائيّة حتى العام 2030، وللتشجيع على ذلك صدر بقانون الموازنة بالعام 2018 يقضي بإعفاء السيارات الكهربائية من الضرائب. وكذلك تعهّدت وزارة الزراعة بإطلاق حملة تشجير وزرع 26 مليون شجرة حتى العام 2030 ، وقد بدأت حملتها هذا العام لزرع مليون شجرة. أمّا وزارة البيئة فتعهدت بإطلاق حملات الفرز وتحويل النفايات لسماد عضوي. والتزمت وزارة الصناعة تطبيق قانون الإلتزام البيئي الذي صدر في العام 2018 والهادف إلى تأسيس محطّات تكرير وفلاتر. إلاّ أنّ التزام الوزارات بتعهداتها كان خجولا، بعد أن عصفت الأزمة الإقتصاديّة بلبنان وشتّتت إهتمامهم في الشأن البيئي بذريعة غياب التمويل".
التغيّر المناخي ينعكس سلباً على الموارد المائية الزراعية والغابات والمحميات الطبيعية وقطاع الصحة والسياحة في لبنان
"هذا ولا تشكّل انبعاثات لبنان سوى 0.07% من نسبة الإبعاثات بكل العالم، ولكن زادت حرارة لبنان منذ حوالي الـ100 عام درجة ونصف، ومن المتوقّع أن تزيد الحرارة درجتين ونصف حتى نهاية القرن الحالي. والتغيّر المناخي ينعكس سلباً على الموارد المائية الزراعية والغابات والمحميات الطبيعية وقطاع الصحة والسياحة في لبنان. كما سنشهد زيادة في عدد الوفيّات نتيجة درجات الحرارة المرتفعة والجفاف وانقطاع المياه وكلّ آثار تغيّر المناخ. أمّا المناطق الساحليّة فستكون أكثر المناطق تأثرا بهذا التغيير. وإلى جانب الكلفة البيئيّة، للتغيّر المناخي كلفة إقتصاديّة أيضاً، تصل إلى ملياري دولار في السنة، بحسب أرقام وزارة البيئة وبرنامج لأمم المتحدة الإنمائي الصادرة سنة 2015"، وفق قاعي.
هل من حل؟
وعن الحلول تلفت إلى "أنّها ليست محليّة، بل الحلول تحتاج إلى تكاتف عالمي، في الانتقال إلى مجتمع منخفض الكربون، ويتّجه إلى استهلاك أقلّ للطاقة والنقل، ويتبنّى ممارسات صديقة للبيئة. فالمطلوب تخفيف الإنبعاثات بالدرجة الأولى".
من جهّة أخرى، أخذت بعض المحطّات الإعلاميّة على عاتقها مهمّة نشر الوعي البيئي وترسيخ الثقافة البيئيّة لدى المواطنين اللبنانيين، عبر تقارير إخباريّة ومقالات توعويّة تؤكّد أهميّة المحافظة على البيئة، وسبل الحدّ من الانبعاثات الملوّثة. فوضع العالم أصبح بخطر مع ازتفاع درجة حرارة الأرض مع توقّعات تستمر بالارتفاع. لذلك تقع على كلّ مواطن في العالم مسؤوليّة العمل على المحافظة على البيئة واعتماد نمط عيش صديق للبيئة وإلاّ فسنكون أمام تداعيات وخيمة للتغيّر المناخي لا تحمد عقباها.