يعوّل الأساتذة الجامعيين المقدّر عددهم بحوالي 4000 أستاذ بين متعاقد وفي الملاك، هذا العام، على الحصول على 300 دولار بدل إنتاجية، إضافة إلى الرواتب السبعة المقرّة وبدل النّقل
دفعت الجامعة اللبنانية الثّمن الأكبر للأزمة "المفتعلة"؛ بحسب توصيفها من البنك الدولي. ثمنٌ، وإن تساوى من حيث الشّكل مع ما دفعه اللبنانيون عامّة ومؤسّسات الدّولة، على مختلف مسمّياتها، خاصّة، إلّا أنّه يفوق بالمضمون كلّ الأكلاف المترتّبة على الانهيار. فتسديد الكلفة لا ينحصر بالحاضر، إنّما يمتدّ إلى المستقبل البعيد. والدفعات لا تنحصر بالليرة أو الدولار، إنما من "لحم" المتخرّجين "الحي"، الذين حُرموا جودة التعليم العالي المنخفض التكلفة، ومن أجيال ستُحرم حتّى من إمكانية الوقوف أمام أبواب جامعة، سُميت يوماً بـ "جامعة الوطن".
يلاحظ أساتذة الجامعة تراجعاً بأعداد الطلّاب المتقدّمين لامتحانات الدخول في الكلّيّات المحصور الدخول إليها، ولو أنّ عدد المقبولين ما زال هو نفسه. ويعود هذا التراجع بحسب التحليل إلى عامل من اثنين:
- إمّا التوجه إلى "دكاكين" الجامعات الخاصّة هرباً من الإضرابات، والانقطاع لفترات طويلة عن التعليم.
- وإمّا بسبب ارتفاع كلفتي التسجيل والنّقل، خصوصاً بالنّسبة للقاطنين في المناطق البعيدة.
زيادة الرسوم على الطلّاب
فرسوم التسجيل بالنّسبة للطلاب اللبنانيين لمرحلة الإجازة تبلغ 13 مليون ليرة، وترتفع إلى حدود 16 مليون ليرة في حال كان الطالب غير مضمون. وترتفع الرسوم إلى أكثر من 20 مليون ليرة للدراسات العليا، و24 مليون ليرة للدكتوراه. أمّا بالنسبة للطلّاب الأجانب فيرتفع رسم التسجيل لشهادة الإجازة إلى حوالي 61.5 مليون ليرة، و100 مليون ليرة للدراسات العليا و300 مليون ليرة لشهادة الدكتوراه. وإذا ما أضيفت رسوم التسجيل، بالنّسبة للطالب اللبناني، على كلفة النّقل من الأطراف إلى المركز الرئيسي للجامعة لأربعة أيام في الأسبوع، فإنّ كلفة العام الدراسي على الطالب لن تقلّ عن 70 مليون ليرة، أو ما يعني 65 في المئة من الحدّ السنوي للأجور في القطاع الخاص (9 ملايين ليرة في الشهر) و 73 في المئة ممّا يتقاضاه سنوياً أكثر من ثلثي الموظّفين في القطاع العام. وهذه الأرقام هي للطالب الواحد! فكيف إذا كان للعائلة أكثر من طالب؟!
موازنة الجامعة تتضاعف
يُنقل عن رئيس الجامعة اللبنانية أنّه "من شأن زيادة الرسوم تغطية أعباء تفريغ حوالي 700 أستاذ في ملاك الجامعة. وإذا ما أضيفت حاصلات الرسوم، على موازنة "الجامعة"، المقرّة من ضمن مشروع موازنة العام 2024 والمقدّرة بحوالي 3500 مليار ليرة، بالإضافة إلى 1610 مليار ليرة لصندوق التعويضات، فإنّ موازنة الجامعة تكون قد انخفضت بحوالي 80 في المئة عمّا كانت عليه قبل الأزمة (250 مليون دولار). وعلى الرّغم من الزيادات الكبيرة في الرّسوم وفي موازنة الجامعة مقارنة مع سنوات الأزمة الماضية، فإنّ لا شيء يضمن الحصول على هذه الأموال بحسب الأستاذ الجامعي والعضو في المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي، الدكتور أنيس بودياب، وذلك لسببين رئيسيين:
الأوّل، يتعلّق بالخشية من عدم إقرار موازنة العام 2024 بسبب الخلافات الكبيرة عليها، وعدم التيقّن من التغييرات التي ستدخلها عليها لجنة المال والموازنة. خصوصاً في ظلّ تراجع الإيرادات المتوقّعة نتيجة تخفيض الضرائب والرّسم التي طالتها.
الثاني، خضوع إيرادات الجامعة اللبنانية من الرسوم، لمبدأ "وحدة الموازنة وشموليتها". فلا يحقّ لأيّ مؤسسة أن تستخدم الرسوم من إيراداتها بطريقة مباشرة ودون العودة إلى خزينة الدولة. بمعنى أن الرسوم المحصّلة تدخل إلى خزينة الدولة ولا تنال الجامعة إلّا ما خصّص لها في الموازنة العامّة. ومن غير المعروف لغاية اللحظة إن كان بإمكان الجامعة استعمال عائدات الرّسم بشكل مباشر، إنّما الأكيد أن "موقف مجلس شورى الدولة سيكون الرفض القاطع في حال سُئِل عن الإشكالية. إلّا إن كان هناك نية بتغيير القواعد القانونية للموازنة في الدولة اللبنانية".
قسّمت الموازنة العامّة للعام 2024 النّفقات في موازنة الجامعة اللبنانية إلى ثلاث أقسام رئيسية، وهي:
- النفقات على الرواتب والأجور بقيمة 1515 مليار ليرة.
- النفقات الجارية بقيمة 1985 مليار ليرة.
- مخصصات صندوق التعويضات بقيمة 1610 مليار ليرة، وهي تضمّ منح التعليم والوفاة والولادة والمساعدات الاجتماعية والمرضية.
الزيادة الأكبر تلحق صندوق التعويضات
وممّا يمكن ملاحظته في مشروع موازنة 2024 هو الزيادة الكبيرة التي طالت صندوق التعويضات، إذ ارتفعت موازنته بمقدار 3 أضعاف، من حوالي 407 مليار ليرة في موازنة العام 2023 إلى 1610 مليار. وأهمّية هذه الزيادة أنّها تؤمن الحدّ الأدنى من الحماية الاجتماعية بالنّسبة للأساتذة الجامعيين. ذلك مع العلم أنّ الأساتذة يساهمون بنسبة 3.5 في المئة من رواتبهم لتغذية هذا الصندوق، بالمقارنة مع 2.5 في المئة بالنّسبة لاشتراكات موظّفي المؤسسات العامّة في صندوق تعاونية موظّفي الدولة. إلّا أنّ "المفارقة الأكبر التي ترقى إلى مستوى المهزلة تتمثّل في اقتطاع ضريبة دخل من رواتب الأساتذة تتراوح بين 20 و25 في المئة وتشكّل ما يقدّر براتب ونصف الرّاتب سنويا"، يقول بودياب. "في حين أنّ الضريبة على أرباح الشركات تبلغ 17 في المئة".
يعوّل الأساتذة الجامعيين المقدّر عددهم بحوالي 4000 أستاذ بين متعاقد وفي الملاك، هذا العام، على الحصول على 300 دولار بدل إنتاجية، إضافة إلى الرواتب السبعة المقرّة وبدل النّقل. ومن المفترض أن تؤمّن المبالغ من الموازنة في حال سلكت طريقها إلى الإقرار بحسب بودياب. كما أنّ هناك ملف آخر يجري العمل عليه ويتمثّل بتفريغ ما بين ٥٠٠ و٧٠٠ أستاذ من أصل 1500 أستاذ متعاقد يستوفون شروط التفرغ في ملاك الجامعة.