ينتج لبنان ما بين 150 و200 ألف طن سنوياً من التفّاح، يتمّ استهلاك قسم منها محلّياً، والقسم الآخر يُوضع بالبرادات بهدف بيعه في وقت لاحق، فيما القسم الأكبر يصدّر إلى الخارج. وبحسب الأرقام الصادرة عن الجمارك اللبنانية، صدّر لبنان في العام 2021 كمّيّة بلغت 93337 طن من التفاح وبقيمة 25.5 مليون دولار، أي ما يعادل 273 دولارا للطنّ الواحد.

تعود مع بداية أيلول من كلّ عام إشكالية جديدة قديمة تتمثل في تصريف موسم التُفاح. هذه الفاكهة المميّزة التي تستوطن جبال لبنان الغربية، دخلت السياسة من بابها العريض أواسط القرن الماضي، ولم تعد تستطيع الخروج. فموسم التفاح الذي يشكّل ثاني أكبر مواسم الإنتاج الزراعي بعد الحمضيات يعيش على التّصريف إلى الخارج. ومن دون التّصدير المحاط دائماً بالعقبات "الجيوسياسية" والتقنية، يكسد الموسم، ويبتلي المزارعون بالخسائر التي لا تعوّض، وتزداد النقمة على السياسيين.

لطالما كُتب على لبنان اللعب على التناقضات من أجل تحقيق مصلحته، ومنها تصريف المنتجات الزراعية، وفي مقدّمتها التفاح. ولعل ّأحد أشهر الاحداث كان طلب رئيس الجمهورية كميل شمعون من مساعده الاتصال بالسفير السوفياتي في لبنان يومها، بعدما عجز عن إقناع السفير الاميركي روبرت ماكلينتوك في اجتماع خاص، بشراء بلاده موسم التفاح. فما كان من السّفير إلّا الاستدراك سريعاً والقول: "فخامة الرئيس قرّرنا شراء التفّاح اللبناني". من وقتها، لا يكاد يمرّ عام من دون عقبات دوليّة، أو محلّية مفتعلة، يتداخل فيها السياسي والتقني مع ضغط التجّار لشراء المحاصيل بأرخص الأسعار، وتحقيق المكاسب على حساب صغار المزارعين.

ابتزاز المزارعين


التّجّار يبتزّون المزارعين من خلال التهويل

هذا العام لا يشذّ عن بقية الأعوام، ففي الأمس اجتمعت الفعاليات الزراعية المكوّنة من مزارعي التفاح والنقابات المختصّة وكبار المصدّرين مع وزير الزراعة عباس الحاج حسن للبحث في مشاكل وحلول إنتاج وتصدير التفاح اللبناني. وبدأت تعلو الأصوات محذّرة من إمكانيّة كساد الموسم نتيجة صعوبات تعترض التّصدير إلى بعض الدول الخليجية بسبب وقف الاستيراد. وأيضاً إلى العديد من الدّول العربية بسبب مشقّات الطريق برّاً وارتفاع الأكلاف. كلّ هذه الادّعاءات ينقضها رئيس الجمعية التعاونية لإنماء وتصريف الفاكهة في تنّورين ريمون نهرا. فبرأيه "التّجّار يبتزّون المزارعين من خلال التهويل بصعوبة التّصدير، والسياسيّون "يرقصون" على الموسيقى التي يضعها التجّار. وذلك في سبيل شراء التفّاح بأسعار زهيدة وتحقيق أرباح طائلة".

الإنتاج بالأرقام

ينتج لبنان ما بين 150 و200 ألف طن سنوياً من التفّاح، يتمّ استهلاك قسم منها محلّياً، والقسم الآخر يُوضع بالبرادات بهدف بيعه في وقت لاحق، فيما القسم الأكبر يصدّر إلى الخارج. وبحسب الأرقام الصادرة عن الجمارك اللبنانية، صدّر لبنان في العام 2021 كمّيّة بلغت 93337 طن من التفاح وبقيمة 25.5 مليون دولار، أي ما يعادل 273 دولارا للطنّ الواحد.

وفي العام 2022 ارتفعت الكمّيّات المصدّرة إلى 114424 طن وبقيمة بلغت 43.6 مليون دولار. "فكيف يمكن أن يكون هناك مشكلة في التّصدير، والادّعاء بأنّ الأسواق مقفلة في وجه المنتجات اللبنانية؟" يسأل نهرا. فهذه الأرقام لا تبيّن الحجم الكبير للصادرات فحسب، إنّما أيضاً زيادتها بنسبة 20 في المئة ما بين العامين 2021 و2022.

في ما خصّ النصف الأول من العام الحالي تُبيّن الأرقام وصول حصيلة تصدير التفّاح إلى حدود 40 ألف طنّ، تعادل ثلث الكمّيّة المصدّرة في العام الماضي. ومن الجدير ذكره أنّ هذه الكمّيّة تعود للقطاف الأول، والمعروف بـ "التفّاح التمّوزي". أمّا بالنسبة إلى موسم أيلول، فلا يوجد أيّ مشكلة في تصريف الإنتاج. بل العكس فإنّ "الأمور مسهّلة"، من وجهة نظر نهرا. فـ "مصر أعفت واردات التفّاح من لبنان من الرسم الجمركي بنسبة 10 في المئة. والتّصدير إلى الدّول الخليجية يتمّ بطريقة غير مباشرة. حيث يصدّر التفاح اللبناني إلى الدول العربية المجاورة، ويعاد توضيبه وتصديره إلى السعودية". وبالتّالي "ليس صحيحاً أنّ هناك أسواقاً مقفلة بشكل سياسي في وجه التفّاح اللبناني. بل هناك فقط تجاراً يبتزّون المزارعين". وبحسب نهرا فإنّ "التّفّاح اللبناني بيع في العام الماضي بالأسواق العالمية بـ 7 دولار للصندوق (20 كيلوغرام) وعليه يجب ألّا يتدنّى سعر الصّندوق بأرضه هذا العام عن 5 دولار. وعلى المزارعين التفاوض انطلاقاً من هذا السّعر وليس أقلّ".

الدّول المصدّر إليها بالأرقام

احتلّت مصر قائمة الدّول التي صُدّر إليها التفّاح اللبناني بكمّيّة وصلت في العام 2022 إلى 90294 طن، وبقيمة 34.3 مليون دولار. ويأتي العراق في المرتبة الثانية بكمّيّة 8768 طن وبقيمة 2.5 مليون دولار. ومن بعدهما الأردن، بكمّيّة 7624 طن. فالكويت في المرتبة الرابعة بكمّيّة 2836 طن وبقيمة 1.5 مليون دولار. وعمان في المرتبة الخامسة بكمية 1146 طن.

أمّا بالنسبة إلى العام الحالي فإن الدّول التي صدّرنا إليها التفّاح حتّى الآن، هي مصر بكمية 33096 طن. ومن ثم الأردن بكمية 3023. ومن ثمّ الإمارات العربية المتّحدة بـ 1282. فالعراق بـ 1107 طن. والكويت بـ 818 طن.

لبنان يستورد التفاح

أمّا المفاجأة فكانت باستيراد لبنان في العام الحالي 491 طن من التّفّاح من الخارج، وبقيمة نصف مليون دولار. وتأتي كلّ من إيطاليا وتركيا في مقدمة الدّول التي تمّ الاستيراد منها.

عقبات وتسهيلات

في تطوّر إيجابي للتّصدير الزراعي بشكل عام والتفّاح بشكل خاص، خفّضت سوريا ابتداء من مطلع آب الحالي الرّسوم على الشاحنات اللبنانية التي تعبر أراضيها بنسبة 50 في المئة. حيث انخفضت الرسوم إلى 1400 دولار لكلّ شحنة. وهو ما يتوسّم به المزارعون خيراً، خصوصاً أنّ الوصول إلى الحدود العراقية عبر الأراضي السّوريّة كان يكلّف حوالي 5000 دولار. ذلك من دون احتساب كلفة العودة للشّاحنات الفارغة. وفي حال تمّ تطبيق القرار بشكل جدّي، بعيداً عن اضطرار التجّار دفع الرّشاوى و"البرطيل"، فإنّ أكلاف التّصدير ستنخفض بشكل كبير خصوصاً إلى كلّ من العراق والأردن والإمارات التي تشكّل منافذ جدّيّة لتصريف التّفّاح اللبناني. مقابل هذه الإيجابية تبقى نقطة عالقة بحسب مصادر المزارعين، تتمثّل بعدم تعديل الرزنامة الزراعية بين لبنان والأردن، وتقريب فتح باب التصدير من تشرين إلى أيلول. وهذه المشكلة التي كانت تحلّ قبل الأزمة بوضع التّفّاح في البرّادات، لم تعد ممكنة اليوم نظراً للعجز عن تحمّل كلفة التبريد.

خاتمة الاحزان

يقال "ما دخلت السياسة في شيء، إلّا وأفسدته"، فكيف إذا دخلت في الإنتاج الزراعي الذي يعتبر سريع العطب من مختلف النّواحي! ولسان حال المزارعين يقول: "فلتكفّ الدولة شرّها عنّا، ونحن بألف خير".