طارق ترشيشي
تثير الحكومة الإسرائيلية الجديدة المتطرفة برئاسة بنيامين نتنياهو كثيراً من التساؤلات ومنها ما يتعلق باتفاقية ترسيم الحدود البحرية مع لبنان وما يشاع عن تغيير في قواعد الاشتباك مع حزب الله إضافة إلى ما يتصل بمسار التطبيع مع الدول العربية واتفاقات ابراهام.
يعتقد ديبلوماسي مخضرم وخبير في السياسة الأميركية الإقليمية والدولية، أن الولايات المتحدة الأميركية ستتعامل مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو وحكومته الجامعة بين يمينيين، أحدهما متطرف والآخر شديد التطرف، مثلما تعاملت معه في السابق أيام الرئيس باراك أوباما.
فالأميركيون، يقول الديبلوماسي، تعاملوا مع نتنياهو بلا سلاسة بحيث أنهم أبقوه مضبوطاً خصوصاً لجهة تهديداته لإيران فمنعوه من توريطهم في حرب ضدها ستكون لها حتما تبعات إقليمية خطيرة تجبرهم على التدخل لمنع تعرض مصالحهم في المنطقة لأضرار وأخطار كبيرة.
نجح الأميركيون، يضيف الديبلوماسي نفسه، في ضبط نتنياهو سابقاً وهم الآن في الطريق إلى ضبطه مجدداً، حيث بدأوا يمارسون الضغوط عليه. خصوصاً بعد اقتحام وزير الأمن الإسرائيلي ايتمار بن غفير للمسجد الاقصى وما أثاره من ردود فعل غاضبة، عربية وإسلامية وحتى أوروبية. وقد وجد الأميركيون في هذا الأمر ما يمكن أن يؤدي إلى مواجهات كبرى داخل الأراضي الفلسطينية المحتلة بين الفلسطينيين وإسرائيل، وكذلك داخل المجتمع السياسي الإسرائيلي المنقسم على نفسه بما يهدد الكيان المحتل برمته.
ويهدف الأميركيون من هذه الضغوط إلى وضع الحكومة الإسرائيلية الجديدة ضمن حدود مقبولة، ولكن في المطلق لن يكون هناك "حب وغرام" في العلاقة بين واشنطن وتل ابيب، وإنما إذا تطورت الأوضاع سلباً، ستكون هناك عودة إلى الحقبة السابقة عندما فرض الاميركيون عقوبات على المستوطنات الشرعية وغير الشرعية، لأن معظم اطراف الحكومة الجديدة هم من المستوطنين. فإذا حاول هؤلاء الإيغال عميقاً في التطرف فستكون العقوبات الأميركية الرادعة في انتظارهم وأولها وقف المساعدات للمستوطنات إلى حدود المقاطعة.
ويؤكد الديبلوماسي إيّاه أن واشنطن تتجه إلى "تهذيب" الحكومة الإسرائيلية وستعمل على تقصير عمرها إلى أقرب وقت بحيث لا تعيش فترة طويلة، والدفع في الوقت نفسه في اتجاه الإتيان بحكومة جديدة تلائم سياسة الأميركيين ومصالحهم، وليس مستبعداً أن تدفع الإدارة الأميركية باتجاه انتخابات إسرائيلية جديدة، خصوصاً وأن الإسرائيليين باتوا متعودين على الانتخابات التي خاضوها مرات عدة على مدى السنوات الاخيرة، وكان آخرها الانتخابات التي جرت الخريف الماضي وانتجت هذه الحكومة المتطرفة.
العلاقة بين واشنطن وتل ابيب في ظل حكومة نتنياهو الحالية لجهة التعاطي مع قضايا المنطقة لن تكون سهلة، وإنما ستكون مضبوطة كما كانت سابقاً معه، فسياسة الولايات المتحدة منذ أيام الرئيس السابق دونالد ترامب تقوم على تهدئة الأوضاع في الشرق الاوسط وفتح مجالات للتعاون بين إسرائيل والدول العربية، وقد نجحت هذه السياسة إلى حد ما. وترى واشنطن أن سياسة الحكومة الإسرائيلية الجديدة من شأنها أن تخرب على تلك السياسة، اذ يتخوف الاميركيون من ان يؤدي التطرف الاسرائيلي بنسخته الحكومية الجديدة إلى نشوء انتفاضة فلسطينية جديدة داخل الأراضي الفلسطينية المحتلة ما سيدفع واشنطن في هذه الحال الى ممارسة اقسى الضغوط والعقوبات التي من شأنها أن تغيّر حكومة نتنياهو عبر انتخابات جديدة.
ويستبعد الديبلوماسي المخضرم إقدام إسرائيل على إحداث أي تغيير في قواعد الاشتباك القائمة على حدود لبنان الجنوبية بينها وبين المقاومة التي يقودها حزب الله، لأن هذا التغيير إذا حصل من شأنه أن يهدد اتفاقية ترسيم الحدود البحرية التي قال الأميركيون أنها "ثابتة ولا رجوع عنها" وقد أعلن نتنياهو التزامه بها رغم أنه كان قبيل الانتخابات الاسرائيلية الأخيرة يهدد ويتوعد بإلغائها، فأي حرب يمكن لإسرائيل أن تشنها على لبنان أو على الجبهتين اللبنانية والسورية باتت آخر شيء يمكن أن تفكر فيه واشنطن وتل ابيب اللتين بدأتا بتصدير الغاز إلى أوروبا وغيرها من الحقول في بحر فلسطين المحتلة، وبالتالي لا يمكنهما شن أي حرب من شأنها أن تخرب على مصالحهما . ولذلك سيعود الأميركيون في علاقتهم مع نتنياهو إلى ما كانت عليه سابقاً، حيت يريدون استمرار التطبيع مع الدول العربية ولكنهم يخشون الآن من أن تعطل الحكومة الإسرائيلية المتطرفة هذه العملية، فبعد اقتحام بن غفير باحة المسجد الاقصى بدأ التململ يسود الدول العربية المطبعة مع إسرائيل أو هي في طريقها إلى التطبيع، فالقطريون قالوا إن خطوة بن غفير غير مقبولة فيما راح نواب في مجلس النواب الاردني يطالبون بمراجعة "اتفاق وادي عربة" بين الاردن وإسرائيل، ودولة الإمارات العربية المطبعة مع الدولة العبرية استنكرت ما قام به بن غفير، فكيف بالسعودية التي نددت بالخطوة وهي لم تطبع مع الدولة العبرية، ما يعني ان بن غفير وغيره من اليمينيين المتطرفين خرّبوا او سيخرّبون "اتفاقات ابراهام" التي يتمسك بها الاميركيون بشدة.
ويرى الديبلوماسي المخضرم أن هذه المجموعة الحكومية الإسرائيلية المتطرفة ستعطّل خطوات كثيرة في وجه الأميركيين ولكن واشنطن ستمارس ضغوطاً كبيرة عليها، للجم تطرّفها ولكن لن يصل بها الامر إلى حد معاداة اسرائيل، وإنما بالحد الأقصى وقف المساعدات المالية للمستوطنات وعدم المساعدة على إنشاء مستوطنات جديدة، ولذلك سيسود بين الجانبين توتر وشد حبال سيكونان مضبوطان لأن إدارة الرئيس جو بايدين لا يمكن ان تعادي اسرائيل في المطلق لأسباب داخلية، إذ من الصعب على بايدن ان يواجه الكونغرس المؤيد لإسرائيل، خصوصاً وأنه يطمح إلى الفوز بولاية رئاسية ثانية أو على الأقل إيصال مرشح من الحزب الديموقراطي إلى البيت الابيض.