بتوضيحه أن لا وجودَ لمصادر تنقل مواقفَه عن سلاحه، ينفي حزب الله حكماً ما تناقلته وسائل الإعلام عن استعداده للبحث في مصير سلاحه، بعدما كثُرت في الآونة الأخيرة الأنباءُ المتداولة عن استعداده للغوص في حوارٍ حول هذا السلاح. إن نفي وجود المصادر لا يمنع أن تكون مسألة السلاح مطروحة للبحث بقوة، وله من الدلالات ما يؤكد أن حزب الله لم يعد بمقدورِه الرهان على تطوراتٍ لصالحه، اللهم إلا في حال نجحَ التفاوضُ الإيرانيُ الأميركي، وهذا لن يكونَ ابن ساعته.

لم يعد لسلاح حزب الله من يغطيه. يكفي للدلالة ما أعلنه من مواقف النائب عن المرده طوني فرنجية الذي انضم إلى جملة القائلين أنه لم يعد للسلاح من مبرر بوجود الجيش ورئيس الجمهورية. فرنجية، الذي عطل حزب الله البلد لأجل تأمين انتخابِ والده رئيس المرده سليمان فرنجية رئيساً للجمهورية، وجعل تفاهمَه مع حليفه التيار الوطني الحر من الماضي، قال: "إن حربَ الإسناد جلبت الويلات إلى لبنان، وتكلفتُها على الحزب والطائفة الشيعية كانت باهظة"، وأنه يقف خلف الدولة ورئيس الجمهورية في مسألة السلاح، وقد آن الأوان للدبلوماسية."

أتى ذلك في وقت بثت فيه محطة الجديد وثائقي عن حزب الله "الذي لم ينل رخصة ً كحزب"، فيما فُهم خطوةً من خطوات الضغط الأميركي لحلّ حزب الله نهائيًا بعد سحبِ سلاحه. فما الذي يدور في الكواليس حول موضوع السلاح؟

الواقع أن الضغط بشأن سلاح حزب الله يتزايد. بقدر ما تقصدت الموفدة الأميركية مورغان أورتاغوس الليونة في مقاربة الموضوع أمام الرؤساء الثلاثة، بقدر ما لخصت ما تريده في آخر مقابلاتها. قالت بصريح العبارة إن حزب الله "سرطان" يجب استئصالُه. في رسالة إلى الداخل اللبناني وكل من يعنيهم الأمر بأن التعاطي مع حزب الله يجب أن يتم على نحو كهذا، ناهيك عن زيارتها إلى قائد الجيش رودولف هيكل وتساؤلاتِها بأسلوب اتهامي حول المراحل التي قطعها الجيش في السيطرة على سلاح حزب الله وتدميره، وهي التي اعتبرت أن معالجة السلاح يجب أن تكون من خلال الجيش اللبناني وحده. هذه النقطة تضع الولايات المتحدة في تعارض مع الفرنسيين إذ تحذر فرنسا من تعريض لبنان للخطر والمواجهات على خلفية سلاح حزب الله، بينما تريد الولايات المتحدة سحبَه ومن خلال الجيش بأي ثمن كان.

يستعد حزب الله لأسوأ السيناريوهات

خلال لقائِهما الأخير، ناقش رئيس الجمهورية العماد جوزيف عون مع رئيس مجلس النواب نبيه بري موضوعَ بداية البحثِ بالسلام، لقطع الطريق على الضغوطاتِ الخارجية. وحسبَ مصادرَ متابعة، فإن الكلام بـُني على نقاشات تجري خلف الكواليس عن حوار يقوده بري حول الاستراتيجية الدفاعية وسلاح حزب الله، وأن خطوات متقدمة قد أنجزت على مستوى السلاح شمال الليطاني لما لهذا الموضوع من ارتباط دولي وثيق بإعادة الإعمار، على أن يستتبعَ ذلك، الحديث عن انسحاب إسرائيلي.

لم يعد بمقدور الحزب المناورة في موضوع السلاح. المخازن التي قُضيَ على غالبيتها، واستمرار العدوان الإسرائيلي عليه واستهداف عناصره بعد استهداف القيادات، والتضييق عليه سياسيًا، يقوده إلى المهادنة والتريث في الفعل ورد الفعل. يُدرك حزب الله أن الحربَ ألحقت بقدراته وقيادته الضرر الكبير، وأن دول المحور لم تنهر فحسب، بل إن سوريا الجارة التي كانت السند الحامي صارت أقرب لتكون العدو، فيكون محاصرًا من إسرائيل جنوبًا وسوريا من الشمال والبقاع، ناهيك عن وجود إدارة أميركية تراهن على التخلص منه. بالمقابل، يراهن حزب الله على تغيير الظروف في المنطقة ويبني ضمنًا على المفاوضات الأميركية مع طهران التي تبدلت أحوالها هي أيضًا وصارت حاجتها إلى التفاوض مع الأميركي ملحة لتجنب ضربة عسكرية تطيح بواقعها الحالي.

يستعد حزب الله لأسوأ السيناريوهات، ومن بينها قد تكون سلسلة ضربات إسرائيلية متتالية لعدد من المواقع في الجنوب والبقاع وربما للضاحية. ما يقوم به نتنياهو يجعل أي سيناريو تصعيدي متوقعًا. لكن الحزب يصر بالمقابل على تسليم المواجهة للدولة وحصر العلاج بالديبلوماسية. وفي هذا الوقت، يتماهى مع رئيس الجمهورية ويمنحه أوراقَ قوة، وقد لمس قدرته على تدوير الزوايا أكثر من رئيس الحكومة نواف سلام.

من هذا المنطلق، يُطرحُ السؤال عما إذا كان حزب الله بوارد تسليف الرئيس عون مسألة الحوار بشأن سلاحه، خصوصًا وهو يعتبر أن ترسانة سلاحه بنيت في أعقاب الاتفاق على القرار 1701. وطالما أنه يحتاج إلى وقت لإعادة ترميم آثار الحرب الإسرائيلية عليه داخليًا وعسكريًا، فما المانع من حوار حول السلاح، كل السلاح، لتقطيع المرحلة ريثما تتوضح رؤية المفاوضات بين إيران وأميركا ويعاد ترتيب المنطقة مجددًا. والهدنة التي يتعاطى حزب الله على أساسها قد تجعله يبحث في موضوع السلاح، لكن ليس من باب تسليمِه حكمًا، وهو الذي لا يزال يستذكر قول أمينه العام وتذكيره بتجاربِ تسليم السلاح وما جرّته معها من ويلات على الفئات التي سلمت سلاحَها، والعينُ على سوريا وعلى العلويين كمثالٍ واضحٍ وصريح.

قالها مسؤول حزب الله غالب أبو زينب: أن حزب الله انما يرضى مناقشةَ السلاح من منطلق كونِه ورقة ضغط للبنان وما دون ذلك، الموضوع غير قابل للحوار.