انشغل "خواص" اللبنانيين بتحليل "جنس" مشروع قانون إصلاح المصارف وإعادة تنظيمها. الوزراء الذين تفاجأوا بوضع "المشروع" على طاولتهم في جلسة الرابع من نيسان، لم ينفوا أنّ جزءاً من النقاش كان ذو طابع فلسفي، يتطلب بتّه المزيد من الدرس. انتقل الجدل سريعاً إلى الإعلام، ومنه إلى المحللين والمختصين، وكل أصحاب العلاقة من مصارف ومودعين، ليتحول إلى ما يشبه الجدل البيزنطي، حول "جنس الملائكة، وأسوار القسطنطينية تدك". هل نقرّ القانون قبل "توزيع الخسائر" أم بعده؟ هل المصارف مسؤولة عن الخسائر أم الدولة؟ هل يجوز الاعتراض قبل بدء الإصلاحات أم بعدها؟ هذه هي باختصار عقدة المشروع التي أجّل إقراره في الحكومة مرة جديدة في الجلسة الأخيرة.
تنص المادة 37 من مشروع القانون (المقدم في 4 نيسان) على أن هذا القانون يسري فور نشره في الجريدة الرسمية، ويعدّل وفقاً لمضمون كل من "قانون إعادة التوازن للنظام المالي في لبنان (توزيع الخسائر)، والقانون المتعلق بوضع ضوابط استثنائية ومؤقتة على التحويلات المصرفية والسحوبات النقدية (فور إقرار وصدور أي منهما أو كلاهما)".
التطبيق قبل توزيع الخسائر
يُفهم من هذه المادة بالتحديد أن "القانون يُطبّق قبل صدور أي من هذين القانونين"، بحسب واحدة من الملاحظات الاولية، لجمعية مصارف لبنان حول مشروع القانون. "وهذا ليس صائباً، لأن تطبيق معايير التقييم الدولية، والمعايير الدولية للتقارير المالية في تخمين المصارف يؤدي إلى نتائج غير مقبولة، خاصة وأنها تعود إلى تخلف الدولة ومصرف لبنان عن الوفاء بالتزاماتهما". وعليه تعتبر جمعية المصارف أنه من الواجب "استثناء تطبيق هذا القانون على المصارف نتيجة الأزمة النظامية التي اندلعت العام 2019 لغاية صدور قانون إعادة التوازن للنظام المالي"، (توزيع الخسائر). وشددت جمعية المصارف على أن "القانون يجب أن يتضمن منذ الآن ما ينفي أي مسؤولية على القيمين على إدارة المصارف في حال اعتبرت متعثرة نتيجة تطبيق قانون إعادة التوازن، في ضوء مسؤولية مصرف لبنان والدولة عن هذا التعثر".
التدقيق في وضع المصارف أولوية
من المهم بادئ ذي بدء التدقيق في وضع المصارف لمعرفة قدرة كل مصرف على حدة، على الإلتزام بواجباته التعاقدية تجاه مودعيه ومن ثم الانتقال إلى إقرار قانون للكابيتال كونترول"، برأي المحامية دينا أبو زور. "ذلك أن قدرات المصرف (x) تختلف حكماً عن المصرف (y)، وقانون "الكابيتال كونترول"، الذي كان يجب إقراره منذ بداية الازمة بشكل بديهي، أصبحت أهميته اليوم كونه قانون إطاري لكف يد مصرف لبنان عن التعاميم، وإخراج المودع من تحت سلطة مصرف لبنان إلى رحاب قانون جديد يُفترض أن يكون أكثر عدالة وضمانة".
يفترض المنطق "تحديد الخسائر في النظام المصرفي بشكل حاسم، ومن ثم الانتقال إلى تحديد كيفية توزيعها، وليس العكس"، تشدد أبو الزور. و"من المهم جدا تحديد ملاءة كل مصرف وقدرته على ارجاع الاموال، وكيف سيتم إعادة الأموال للمودعين، وهل تعاد على اساس مؤسسة ضمان الودائع التي تضمن لحد 75 مليون ليرة فقط بالنسبة المصارف المفلسة، أم سيجري اعتماد طرق مغايرة؟".
صندوق النقد موافق
رغم الانتقادات الكثيرة لمشروع القانون من مختلف الأطراف المتناقضة، إلا أنه يبقى ضرورة، لكونه يضع المعايير لكيفية معالجة مشكلة المصارف، وكيفية تعاطي مصرف لبنان معها، ودور اللجان وصلاحياتها في عملية إعادة الهيكلة. وهي كلها شروط مطلوبة من صندوق النقد الدولي، تمهيداً لاستئناف المباحثات مع لبنان لتوقيع اتفاق جديد.
3 نسخ من المشروع
مازال المشروع موضوعاً على طاولة البحث، وقد أصبح هناك 3 نسخ بتعديلات مختلفة، "ولا نعرف على وجه التحديد أي نسخة سوف يتم اعتمادها"، بحسب الخبير المالي والمصرفي نيكولا شيخاني. "وفي النسخة الاخيرة يتم ربط المشروع باعادة الانتظام المالي، الذي سيحمل اقتطاعات من الودائع haircut، وبقانون الكابيتال كونترول الذي لم يعد له مبرراً". "تضاف إلى نقاط الضعف هذه، مشكلة حل القانون مكان القوانين السابقة، في حين أنه كان ينبغي على واضعيه جعله مكملاً لها".
طريق الحل مازال طويلا
نظامية او غير نظامية
يهدف القانون بحسب المادة 3 منه إلى الحد من استخدام الاموال العامة في عملية إصلاح وضع المصارف، من ضمن أهداف أخرى كتعزيز استقرار النظام المالي، والسعي لحماية الودائع في عملية التصفية. وهو ما يؤكد مرة جديدة بحسب ملاحظات جمعية المصارف تنصل الدولة من اعتبار الازمة نظامية، ذلك انه لا يجب من وجهة نظرها أن "يكون الحد من استخدام الاموال العامة هدفاً للقانون، إنما وسيلة يتم اللجوء أو عدم اللجوء اليها وفقاً للأسباب التي فرضت إصلاح المصارف، خاصة إذا كانت الدولة ومصرف لبنان هما من تسبب في تعثر المصارف". هذا علماً أنه من "الناحية التقنية القانونية الصرفة، لا يجوز استبعاد استعمال الأموال العامة قبل صدور قانون إعادة التوازن إلى القطاع المالي، تجنباً للتناقض بين القانونين".
مرة جديدة يعود "الجدل البيزنطي" حول نظامية الازمة من عدمها. وتدرك المصارف ان اعتبار الازمة نظامية واستعمال أصول الدولة وممتلكاتها للتعويض على المودعين، يتناقض مع مع مطالب وشروط صندوق النقد الدولي، التي تُقر هذه القوانين لنيل رضاه. إذ أن الصندوق كان واضحا في الاتفاق الذي وقع على صعيد الموظفين في العام 2022 بعدم جواز استخدام الأصول العامة في عملية إعادة الهيكلة. وقد عُبر عن ذلك صراحة بتضمين نص الاتفاق المقطع التالي: "موافقة مجلس الوزراء على استراتيجية إعادة هيكلة البنوك التي تقر مقدماً بالخسائر الكبيرة التي تكبدها القطاع وتعالجها، مع حماية صغار المودعين والحد من الاستعانة بالموارد العامة". وبحسب المعلومات المتوفرة فإن صندوق النقد لم يغير رأيه بهذا المطلب أو الشرط. وعليه أي تضمين للقوانين بما يعاكس هذا التوجه سيعرضها لرفض الصندوق.
في ظل التناقض الكبير في المواقف والاراء بين مختلف الاطراف فان الاكيد الوحيد هو أن طريق الحل مازال طويلا. وكل ما فعلته الحكومة بجلسة الامس الطويلة هو إقرار الأسباب الموجبة لمشروع قانون إعادة تنظيم المصارف. وتضمن الاقرار تعليق تنفيذ القانون عند صدوره إلى حين إقرار قانون معالجة الفجوة المصرفية على اعتبار ان هذا القانون الأخير يعتبر شرطاً ضرورياً لإعادة التوازن في الانتظام المالي.