كيف حوّلت الحيادية والبراغماتية والجغرافيا هذه الدولة الخليجية إلى شريان دبلوماسي بين الأعداء
في منطقة غالبًا ما طبعتها الانقسامات الطائفية والمنافسات المتفجرة، نجحت سلطنة عُمان في أن تكون صاحبة دور غير متوقع هو دور الوسيط الموثوق بين بعض أكثر الأعداء تصلبًا في العالم. من استضافة محادثات نووية سرية إلى تهدئة الأزمات بين إيران والغرب بهدوء، أثبتت الدبلوماسية المتواضعة لعُمان مرارًا أنها قادرة على منع الشرق الأوسط من الانزلاق إلى صراعات أوسع. واليوم، تستضيف عُمان جولة جديدة من المحادثات بين الولايات المتحدة وإيران. وقد فاجأ الرئيس ترامب إيران بإعلانه أن المفاوضات ستكون مباشرة.
لكن ما الذي يجعل هذه الدولة الخليجية الصغيرة تنجح حيث يفشل الآخرون؟
أسس هوية عُمان الدبلوماسية
يستند نهج عُمان الفريد إلى عقود من الحياد الاستراتيجي. ففيما اصطف جيرانها الخليجيون خلف السعودية أو إيران، سلكت مسقط مسارًا مختلفًا. تعود علاقتها مع طهران إلى السبعينيات، عندما ساعد شاه إيران السلطان قابوس في القضاء على التمرد الماركسي في ظفار – دين لم تنسَه عُمان أبدًا. حتى بعد الثورة الإيرانية عام 1979، قاومت عُمان الضغوط للانضمام إلى جهود دول الخليج العربي لعزل الجمهورية الإسلامية، ودعت بدلاً من ذلك إلى الحوار.
في الوقت نفسه، عمّقت عُمان علاقاتها مع الغرب. عقدت مع الولايات المتحّدة اتفاقا دفاعيا عام 1980 منح القوات الأميركية حق استخدام موانئ وقواعد جوية استراتيجية، أفادت منها الولايات المتحدة لاحقًا في العمليات العسكرية في أفغانستان والعراق. هذا التوازن، أي الصداقة مع إيران ومع الولايات المتحدة، وضع الحجر الأساس لدور عُمان كجسر دبلوماسي.
خصوصيّة الوسيط: لماذا عُمان؟
تفخر عُمان بحيادها الجيوسياسي. فرفضها الانحياز في النزاع السنّي-الشيعي متجذر في هويتها الإسلامية الإباضية، وهي الفرع المعتدل من فِرَق الخوارج. وهي تصنّف نفسها عاملَ استقرار لا عنصر تحدّ وتحريض. أكسبها هذا الحياد الثقة من جميع الأطراف: فإيران لا ترى فيها تهديدا، فيما تعتبرها الولايات المتحدة ودول الخليج وسيطاً موثوقًا.
دائمًا ما تفضل عُمان السرية على التشاوف، عكس وسطاء آخرين بارزين. تعتمد الدبلوماسية الهادئة وراء الكواليس. في المفاوضات النووية بين عامي 2013 و2015، استضاف المسؤولون العُمانيون سرًا الوفود الأميركية والإيرانية في فنادق مسقط، ونقلوا المقترحات بين الغرف. ويقول مسؤول سابق في وزارة الخارجية الأميركية إن المحادثات جرت بلا تسريبات ولا استعراض. فقط نتائج. أثبتت هذه السرية أهميتها مرة أخرى في عام 2024، عندما نقلت عُمان تحذيرات إيرانية قبل ضربة انتقامية ضد إسرائيل، فحال ذلك دون نشوب حرب إقليمية.
وعُمان أيضاً هي بطلة البراغماتية الاقتصادية: وساطتها ليست مجرد عمل خيري. ففي الأفق مشروع خط أنابيب غاز بين إيران وعُمان بقيمة 60 مليار دولار، وهو يحتاج إلى الهدوء والاستقرار لأن العقوبات الأميركية تعرقله. ولا يحقّقه سوى انفراج دبلوماسي. بعد الاتفاق النووي لعام 2015، قيل إن البنوك العمانية ساعدت إيران في الوصول إلى 5.7 مليار دولار من الأموال المجمدة. ازدهار عُمان الاقتصادي يدفعها إلى السعي لتحقيق الهدوء لتنويع اقتصادها بعيدًا عن النفط.
وأخيرًا، هناك ما يُطلق عليه في عالم العقارات "الموقع، الموقع، الموقع". تطلّ السواحل العمانية التي تمتد لمسافة 1,200 ميل (1,930 كيلومتر) على مضيق هرمز، الذي يمر عبره 30% من النفط العالمي المنقول بحرًا. قد يؤدي أي صراع إقليمي إلى شل اقتصادها، مما يجعل خفض التصعيد مسألة مصلحة ذاتية.
يمكن أن نتوقّع ألا تتوقف هواتف مسقط عن الرنين
إدارة الأزمات والصفقات
ما مدى كفاءة الوساطة العمانية؟ لنلقِ نظرة على بعض الأمثلة:
خطة العمل الشاملة المشتركة (JCPOA): في عام 2012، بعد إرسال رسالة سرية عبر مسقط، استضافت عُمان ثماني جولات من المفاوضات السرية. أقرّ المدير السابق لوكالة الاستخبارات المركزية ويليام بيرنز بأن الاتفاق النووي مع إيران لم يكن ممكنا بدون عُمان. حتى بعد توقيع الاتفاق، ضغطت عُمان على الدول الخليجية المشككة لدعم الاتفاق.
دبلوماسية الرهائن: لعقود، لعبت عمان دور الوسيط في تبادل الأسرى، بما في ذلك إطلاق سراح متسلقين أميركيين سجنوا في إيران عام 2011. تبني هذه المبادرات الإنسانية النوايا الحسنة – وتذكر القوى العالمية بموقع عُمان وقدراتها.
احتواء الفوضى 2023–2024: بعد ضربة إيرانية ضد إسرائيل في نيسان 2024، أصبحت عمان خط اتصال لإدارة الأزمة. نقل المسؤولون رسائل بين واشنطن وطهران لحثهم على ضبط النفس.
تحديات "سويسرا الخليج"
ومع ذلك، فإن استراتيجية عُمان ليست خالية من المخاطر:
انسحاب إدارة ترامب من خطة العمل الشاملة المشتركة (JCPOA) عام 2018 دمّر سنوات من الجهود العمانية.
لا تزال السعودية والإمارات تشككان في علاقات عُمان مع إيران، وهو ما يعقد وحدة مجلس التعاون الخليجي.
أثارت وفاة السلطان قابوس عام 2020 – مهندس حياد عمان – تساؤلات حول الاستمرارية. ومع ذلك، حافظ خليفته هيثم بن طارق على الوضع القائم
الدور المتزايد لعُمان
أصبحت عمان أكثر أهمية بالنسبة للولايات المتحدة مع تغير التحالفات في الشرق الأوسط: فالانفراج السعودي الإيراني بوساطة الصين عام 2023 مثال واضح على ذلك.
بالنسبة لواشنطن، تقدّم عمان قناة نادرة للتواصل مع طهران وسط تجميد العلاقات الرسمية.
بالنسبة لطهران، تعد مسقط صمام أمان لتجنب العزلة.
وبالنسبة لعُمان نفسها، يعتمد بقاؤها الاقتصادي وأمنها بالكامل على قدرتها على إبقاء الخصوم يتحدثون.
مع استمرار التوترات بين واشنطن وطهران بشأن التقدم النووي والعقوبات، يمكن أن نتوقّع ألا تتوقف هواتف مسقط عن الرنين!!