في عالم يسوده التطور التكنولوجي والابتكار، تظهر الولايات المتحدة الأميركية كقوة عظمى تتجاوز تفوّقها العسكري والاقتصادي إلى الهيمنة من خلال استراتيجية خفية أساسية وفعّالة للغاية، هي تأشيرة دخول ذات طابع خاص تغري فيها واشنطن أصحاب المواهب والأدمغة لتحقيق الـ "حلم الأميركي".

هذه التأشيرة، H1B ، أقرّها الكونغرس عام 1990 في عهد الرئيس جورج بوش الأب وتهدف إلى تمكين أرباب العمل الأميركيين من توظيف 65 ألف شخص من حملة شهادات البكالوريوس في اختصاصات علمية و25 ألفا من حاملي الشهادات الأعلى في اختصاصات الطب والهندسة وعلوم التكنولوجيا، سنوياً. تعطي هذه التأشيرة حاملها حق العمل في الولايات المتحدة وتفتح له طريق اكتساب الجنسية بعد ثماني سنوات.

إلا أن القانون خضع لتعديلات آخرها في عهد الرئيس دونالد ترامب هذه السنة. ويهدف التشدد الأخير إلى التأكد من التلاعب بشروط منح التأشيرة ومنع مّن لا يستحق دخول الولايات المتحدة.

العقول التي تَصنع المستقبل

تفتح تأشيرة H1B الباب واسعاً أمام المواهب والخبراء في مجالات العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات (STEM – Science, Technology, Engineering & Mathematics)، الذين يساهمون بشكل مباشر في دفع عجلة الابتكار وتطوير الصناعات الأميركية المرتكزة على التكنولوجية المتطوّرة.

ويجد العديد من هؤلاء "المهاجرين النوابغ" ملاذاً لهم في شركات التكنولوجيا الكبرى مثل Google وApple، حيث يلعبون دوراً محورياً في تطوير التقنيات الجديدة التي تعزّز من مكانة الولايات المتحدة الأميركية كرائدة عالمية.

فوائد متعدّدة للمستفيدين

تُقدّم الولايات المتحدة للمستفيدين من تأشيرة H1B فرص عمل قيّمة في شركات عالمية رائدة، بالإضافة إلى فرص للنمو الوظيفي والتدريب المهني، كما يحصلون على استقرار مالي من خلال أجور مرتفعة ومزايا شاملة تشمل التأمين الصحي وخطط التقاعد، مما يجعل هذه التأشيرة مغناطيساً قوياً لجذب المواهب العالمية وتمكينهم من تعزيز مهاراتهم وبناء مستقبل مهني وشخصي مزدهر.

تأثير اقتصادي وثقافي

لا يقتصر تأثير برنامج H1B على القطاع التكنولوجي فقط، بل يمتد ليشمل الاقتصاد الأميركي بأكمله، فالمواهب التي تأتي عبر هذا البرنامج تساهم في زيادة الإنتاجية وتحفيز الابتكار وخلق وظائف جديدة، فيتعزز نمو الاقتصاد الأميركي بشكل كبير. بالإضافة إلى ذلك، يسهم هؤلاء المهاجرون في إثراء النسيج الثقافي الأميركي، مما يعزّز من قوة أميركا الناعمة عالمياً.

التحديات والمستقبل

مع ذلك، فان مستقبل برنامج هذه التأشيرة ليس مضمونا بالنظر إلى سياسة الهجرة التي يعتمدها الرئيس ترامب. فالخائفون على البرنامج يقولون إن التشدد في قبول الطلبات سيحبط المتقدّمين لنيل هذه التأشيرة. أما الذين يؤيدون التشدد في سياسة الهجرة فيقولون إن لا خوف على البرنامج باعتبار أن الإجراءات الجديدة تستهدف المهاجرين غير الشرعيين ولن تقطع الطريق أمام أصحاب المواهب والعقول الذين يودّون المجيء إلى الولايات المتحدة، والذين تحتاج الولايات المتحدة إلى عقولهم ومواهبهم.

يقر المسؤولون الأميركيون بأن هذا البرنامج خدم تفوقهم العلمي والاقتصادي. فهناك مهاجر يحمل هذه التأشيرة في المواقع القيادية في نصف عدد شركات "الستارت أب". ولعلّ أبرز المستفيدين مما يوفّره البرنامج إيلون ماسك الذي يوظف المئات من هؤلاء المهاجرين.

وتظهر آخر البيانات أن شركات التكنولوجيا الأميركية الكبرى رعت حصول اثنين وعشرين الف مهاجر على هذه التأشيرة وظفتهم لديها عام 2022.

أبرز اسمين هما سوندار بيشاي الرئيس التنفيذي لمجموعة ألفابت مالكة غوغل، وساتيا ناديلا، الرئيس التنفيذي لشركة مايكروسوفت. وكلاهما من الهند.