عند كل نقاش وتفسير يشهر سلام الدستور الذي يقول إنه يستند إليه كمرجعية في تشكيل الحكومات. قالها في بعبدا أيضاً إن الدستور لا ينصّ على عدم توزير المحازبين لكنه أيضاً لم يشترط توزيرهم. هنا أيضاً مشكلة إضافية. بينما يريد عون حكومة قوية بتمثيلها من قبل شخصيات وازنة، أعدّ سلام حكومة مؤلّفة بغالبيّتها من مستشارين في الوزارات أو في المؤسسات التي يعملون لديها. لا يتمتّعون بالخبرة اللازمة بالنظر إلى صغر عمرهم.
أزمة جديدة تعيق تشكيل الحكومة. ثلاثية رئاسية في بعبدا،أمل منها رئيس الجمهورية العماد جوزاف عون أن تكون باب فرج لإنطلاقة عهده، بينما سعى رئيس الوزراء المكلَّف لتبيث موقعه الدستوري منذ بداية المشوار الحكومي.
كان كلّ ما حصل، بالشكل، يوحي بقرب الاعلان عن التشكيلة الحكومية بدليل استدعاء أمين عام مجلس الوزراء محمود مكّيّة للإعلان عن الأسماء، لولا أن أصر سلام على تسمية الوزير الخامس من خارج التوافق مع الثنائي فكانت النتيجة "ما مشي الحال". تمسك سلام بتسمية لميا مبيِّض في الحكومة وزيرة من حصة الثنائي. عارض بري. أصرّ سلام، فغادر بري قصر بعبدا من بابه الخلفي مكتفيا بالقول لرئيس الحكومة" اعملها حكومة مبيِّض".
نقاش على خلفيّة أزمة لم ترُقْ لرئيس الجمهورية. كان بإمكان سلام إبداء المرونة لتسهيل ولادة الحكومة، لكن مقاربة سلام للتشكيل تختلف عن مقاربة رئيس الجمهورية.
منذ تكليفه، ينكبّ الرئيس المكلف على إعداد تشكيلته الحكومية. مشاورات تربط ليله بالنهار. خلاصتها يضعها في تصرف رئيس الجمهورية العماد جوزاف عون من دون سرد التفاصيل. غالباً لا تأتي الزيارة إلى بعبدا إلا بعد أن يستفقده سيّد بعبدا ويسأل عن مواعيد دقيقة لإعلان التشكيلة الحكومية. الأسبوع الماضي طلب منه ألا يستغرق طويلاً وضرب له موعدا مبدئياً لإنجاز الحكومة منتصف الأسبوع الجاري. على الموعد ، حمل سلام ملفّاته وتوجه بها إلى بعبدا. التشكيلة لم تنجز بعد. المسوَّدة النهائية تتضمن أسماء صادمة لن يرضى بها الثنائي بينما يصرّ عليها سلام. بعض المرشحين للوزارة دونهم عقبات وتساؤلات حول صحة تمثيلهم لطوائفهم. شكل سلام الحكومة التي يراها تتناسب وتطلعاته كرئيس حكومة. مُصِرٌّ على العناوين التي سبق وتحدّث عنها عقب زيارة بعبدا. اصلاح بلا ثلث معطِّل. وزراء من الكفاءات من دون محازبين. وختمها بأنه لن يضيِّع الفرصة بما يؤكد عدم وجود نية لديه للاعتذار عن التشكيل. وكيف له أن يعتذر وكلّ مَن حولَه يدفعون به نحو حكومة أمر واقع تعلن إلى الرأي العام يثبت رئيس الحكومة من خلالها عدّة أمور، أوّلها والأهمّ صلاحياته في التشكيل، وفي اختيار فريق عمله، وله الحضور الوازن فيها.
لم يقف سلام على رأي عون في اختيار أسماء المرشحين لتولي حقائب وزارية
على خط بعبدا، ثمّة من ينتظر حكومة بفارغ الصبر. بإعلانها يعلن رسميا عن انطلاقة عهد الرئيس الذي مضى شهر على انتخابه. الرئيس الذي لم يوقع على أمر هام منذ انتخابه، وأجندته تزدحم بدعوات رسمية وجهت له من دول عدة يفترض أن يلبّيَها. غير أن تلبية الدعوات غير ممكنة من دون حكومة ووفد وزاري يترأسه رئيس البلاد لتوقيع الاتفاقيات إن لزم الأمر.
بين عون وسلام اختلاف في الرؤية للحكومة. يريدها الأول وفاقية ليضمن انطلاقة آمنه لعهده، بينما يصر الثاني على حكومة بمعايير مختلفة ولا يقارب التشكيل من وجهة بعبدا.
ثمة من المحيطين بالرئيس المكلف مَن ينصحه بتشكيل حكومة أمر واقع وإعلانها أمام الرأي العام بعد أن يضعها في عهدة الرئيس عون. فخ تتخوف بعبدا من نصبه وهي المُصِرّة على عدم توقيع حكومة استفزازية ولا تراعي معايير الوفاق الوطني. تنتظر بعبدا نهاية عمل الرئيس المكلف لتحكم عليه وتعتبر نفسها صاحبة القرار في نهاية المطاف طالما أن لا حكومة من دون توقيع رئيس الجمهورية.
لم يقف سلام على رأي عون في اختيار أسماء المرشحين لتولي حقائب وزارية. بعضهم من لا يحظى باستحسان بعبدا. بهدوء يمرّر عون رسائله للرئيس المكلف، وعند كل نقاش وتفسير يشهر سلام الدستور الذي يقول إنه يستند إليه كمرجعية في تشكيل الحكومات. قالها في بعبدا أيضاً إن الدستور لا ينصّ على عدم توزير الحزبيين لكنه أيضاً لم يشترط توزيرهم. هنا أيضاً مشكلة إضافية. بينما يريد عون حكومة قوية بتمثيلها من قبل شخصيات وازنة، أعدّ سلام حكومة مؤلّفة بغالبيّتها من مستشارين في الوزارات أو في المؤسسات التي يعملون لديها. لا يتمتّعون بالخبرة اللازمة بالنظر إلى صغر عمرهم. أمر يفسّره البعض أنّه محاولة من سلام ليكون هو الرئيس على رأٍس حكومته. وقالها بصريح العبارة في جوابه عن التمثيل السياسي في الحكومة" أنا رئيس الحكومة وأنا أتحدث بالسياسة فيها".
يمكن الحديث عن تحفّظات على التشكيل تُبديها رئاسة الجمهورية وإن لم تعلنها، وهي لن تعلنها، خصوصاً متى كرر الرئيس المكلف جملته الشهيرة المتعلقة بنتفيذ الدستور والتي سيحملها معه حكماً إلى طاولة اجتماعات صياغة البيان الوزاري، ولاحقاً إلى اجتماعات مجلس الوزراء التي يعطي نفسَه الحقَّ من موقعة كرئيس حكومة بترؤّس الجلسات من دون إلزامية حضور رئيس الجمهورية لكل الجلسات التي لا يفترض أن تعقد في بعبدا على الدوام.
يؤكد المطلعون على أجواء الرئيسين أن الآتي من الأيام قد يشهد نقاشات عميقة بين الرئاستين حول الصلاحيات ودور رئاسة الجمهورية مقابل رئاسة الحكومة. ما يريده سلام والواضح من طريقة تعاطيه في التشكيل، هو تثبيت موقع رئاسة الحكومة دستورياً مستعيناً بمحيطين به يؤكدون على هذا الدور من أمثال الرئيس فؤاد السنيورة والوزير طارق مترى الذي سيكون نائبه في الحكومة.
غاية القول إن تجربة التشكيل لا تقتصر على اختيار وزراء في الحكومة بقدر ما يقصد الرئيس المكلف القول من خلاله إنه صاحب الرأي والمشورة وله أن يشكّل حكومة من فريق عمل يتّفق معه على تنفيذ بيانها الوزاري. هذا البيان الذي تريده بعبدا ترجمة لخطاب القسم ويغرف من معينه بينما يزنه الرئيس المكلَّف في ميزان الذهب ليخاطب العالم الخارجي والداخلي من خلاله ويعيد الدور لرئاسة الحكومة وتعاطيها مع رئاسة الجمهورية ورئاسة مجلس النوّاب.