في خطاب طويل امتدّ 90 دقيقة، حاول رئيس الوزراء الفرنسي الجديد، فرانسوا بايرو، رسم ملامح سياسته في مواجهة التحديات المتزايدة. جمع أسلوبه بين السخاء والشمولية، فقدّم نسخة كتلك التي كان يقدّمها الحزب الديمقراطي المسيحي تناولت الأزمات الفرنسية المتراكمة. لكنّه، وسط ارتباك واضح، تاه بين أوراق خطابه، وألقى كلماته أحيانًا بملل ملموس.

وفي ختام حديثه، أكد بايرو: "لن نشهد تحولًا جذريًا... لكن لا بدّ من الانتقال من اليأس إلى بارقة أمل"، مشددًا على أن السياسة لا تخلو من المخاطر، مستشهدًا برئيس الوزراء الفرنسي السابق بيير مينديس فرانس. وبالفعل، فإن رئيس الحكومة الجديد يخاطر بمصيره السياسي، إذ منح النقابات والأحزاب ثلاثة أشهر لإعادة التفاوض بشأن إصلاح نظام التقاعد المثير للجدل، الذي يرفع سنّ التقاعد من 62 إلى 64 عامًا، رغم المعارضة الشعبية الواسعة لهذا القانون.

وفي ظل غياب أغلبية برلمانية، يجد بايرو نفسه أمام معركة شرسة مع اليسار الفرنسي وحزب "التجمع الوطني" اليميني المتطرف، وكلاهما يرفض الإصلاحات المطروحة. ومع اقتراب تصويت محتمل على حجب الثقة، لا تزال الأزمة السياسية في فرنسا تتفاقم، وسط حالة ترقب قد تمتد لأسابيع، فيما يحتفظ حزب مارين لوبنّ اليميني المتطرف بمفتاح بقاء الحكومة من عدمه.

ولكن الأزمة السياسية ليست وحدها التي تلوح في الأفق، فالتحديات الاقتصادية تزيد الضغط على الحكومة. إذ تستعد فرنسا لخفض الإنفاق العام بـ32 مليار يورو وزيادة الضرائب بـ21 مليار يورو، في محاولة لطمأنة الأسواق المالية، خصوصًا أن باريس مطالبة باقتراض أكثر من 300 مليار يورو هذا العام لسد العجز المالي الذي يتراوح بين 180 و200 مليار يورو لعام 2025. ومع ذلك، لا تزال الشكوك تحيط بقدرة الحكومة على تحقيق الاستقرار المالي.

توقعات النمو الفرنسي التي تراجعت إلى 0.9% تزيد المخاوف من ركود اقتصادي، ما يعني تراجع الإيرادات الضريبية واستمرار الأزمة المالية. وفي ظل غياب موازنة لعام 2025، وتعاقب الحكومات دون حلول حاسمة، بدأت الأسواق العالمية تفقد ثقتها بفرنسا، حيث ارتفعت معدلات الفائدة على القروض الفرنسية مقارنة بألمانيا، ما جعل باريس تبدو أقل مصداقية ماليًا من إسبانيا، البرتغال، وحتى اليونان.

يغامر فرانسوا بايرو بمستقبله السياسي في واحدة من أصعب اللحظات التي تمر بها الجمهورية الخامسة، في مقامرة قد تحدد ليس فقط مساره، بل أيضًا استقرار فرنسا السياسي والاقتصادي في الأشهر المقبلة.